في حضرة الكبرياء
الجمعة، 18 مايو 2018 03:59 م
حين طُلب من الكاتب والأديب عباس محمود العقاد أن يَعِد رسالة دكتوراه في الأدب العربي، فأجاب بسخرية ملؤها الكبرياء والأنَفَة: ومن باستطاعته مناقشتي في هذه الرسالة. والعقاد فيما قال ليس مغروراً، بل يعرف قدره ومكانته في عالم الكتابة، فيكفيه شرفاً أنه مؤلف العبقريات "عبقرية محمد، وعبقرية عمر، وعبقرية المسيح عيسى، إلى جانب عشرات الكتب المؤثرة في مجال الدفاع عن الإسلام ودحض أباطيل المستشرقين عن الدين الحنيف، وغيرها من مؤلفات الشعر، والفكر، وتاريخ الأديان، والمرأة، والثقافات الأوروبية.
وحين كان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في لقاء تلفزيوني وقاطعته مقدمة البرنامج الشهيرة، قال لها: عندما يتكلم طه حسين على الجميع أن يصمت، فتلبَّسِها الارتباك بعد الارتكاب. ويقول عنترة بن شداد: لا تسقني ماء الحياة بذلةٍ، بل فاسقني بالعِزةِ كأس الحنظلِ/ ماء الحياة بذلةٍ كجهنم، وجهنم بالِعزِ أطيب منزلٍ
أوردنا ما سبق، بعد أن رأيت صورة حصلت عليها من أحد الزملاء أدهشتني كثيراً. والحقيقة انتابتني حيرة تجاه تفاصيل ما شاهدت، وحين سألته تبديد حيرتي بصفته مرسل الصورة، أجابني بشرحٍ مترجم عن نص باللغة الإنجليزية جاءني كالطعنة في الصميم، وكنيزكٍ ضرب حواسي، وكشهاب هلّ عليَّ بنور أخّاذ.
الصورة تحكي عن فهد أعدوه لحلبة سباق سرعة لمجموعة من الكلاب "أعزّكم الله" وبينما انطلقت الكلاب في سباقها وجددوا الفهد قابعاً في مكانه لا يتحرك، وحين سألوا راعي الفهد: لماذا لا يتحرك للسباق؟، أخبرهم بأن الفهد يشعر بالإهانة لمشاركته "سباق الكلاب". وبغض النظر عن منطقية القصة أو لا معقوليتها، إلا أنها موحية وتشي بالكثير من المعاني التي تنقلنا من عالم الحيوانات إلى عالم البشر.
قلت لنفسي: يا كاتب السطور ألا ترى أن كبرياء الفهد يحتاجه بعض البشر؟ أليس بمقدور الفهد لو شارك بالسباق أن يفوز به؟ فقفزة واحدة منه بإمكانها أن تضع كل الكلاب في المؤخرة، لكنه أبى واستنكف عن هذا التنافس الذي هو بمثابة عارٍ عليه.. فالكبير لا ينافس إلا الكبير، أما الصِغار فليتسابقوا في مضمار يشبههم ويشبهونه.. هذا هو قانون الحياة.. "وجعلنا بعضكم فوق بعض درجات".
إن هذه الصورة تُذكـّرنا بأن الدنيا تـُكشّر عن قسوتها أحياناً مع غير بني البشر، فما بالك بحالنا؛ فكم من عملاق نحن بني آدم فُرض عليه سباق مع أقزام.. وكم من مبدع أرادوه نِداً لقدرات يمكن فركِها كأوراق الخريف.. وكم، وكم ؟. لكن هل هناك من يرفض الدخول لحلبات غير متكافئة؟ اسألوا "الفهد".