علامة على النهضة الإسلامية.. «التوقيعات» فن عربي خالص مارسه الخلفاء والأمراء فما هو؟

لا يعرف الكثيرون ما هو فن التوقيعات، ولا أهميته، رغم أنه من الأمور التي باتت مشهورة ومعروفة حاليا بشدة.

 

وقبل أن نتعرف على ماهية فن "التوقيعات"، يجب أن يعلم الجميع أنه ابتكار عربي مارسه الخلفاء، والأمراء، والوزراء، وغيرهم من وجهات المجتمع العربي، على مدار سنوات النهضة الإسلامية، حتى صار من علاماتها.

 

ويلقي الدكتور محمود قمر، أستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة الزقازيق، الضوء على فن "التوقيعات"، فيعرفه بأنه "ما يكتبه الشخص تعليقا على كتاب أو رقعة، لإيضاح رأيه فيما هو معروض عليه، ثم التوقيع في نهايتها".

 

وأشار إلى أن "التوقيعات"، ظهر قبل الإسلام، إلا أنه نال حظه من الشهرة، والإبداع على أيدي المسلمين، الذين تميزت كتاباتهم بالذوق الرفيع، والكلمات الرنانة المنمقة والمعبرة عن معان أدبية لم يتطرق إليها أحد قبلهم.

 

وأوضح أن فن "التوقيعات" اكتسب بعدا أدبيا، بعد أن لجأ العرب المسلمون إلى استخدام بلاغتهم وفصاحتهم، في إجراء توقيعات بلغية، بكلمات قليلة ومؤثرة.

 

ولفت إلى أن أبرز فترات تألق فن "التوقيعات"، كانت في العصر العباسي، مشيرا إلى أن الدراسات العلمية الحديثة، تؤكد أن التوقيعات فن عربي خالص، نشأ مرتبطا باللغة العربية، وهو ما تشير إليه بعض التوقيعات التي حدثت في عهد النبوة، ومنها ما كان يكتبه شرحبيل بن حسنة، أحد كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، من توقيعات للملوك.

 

وأوضح الدكتور محمود قمر، أن هناك أصناف من "التوقيعات"، منها توقيع بآية قرآنية تناسب الموضوع الذي تضمنه الكتاب، ومن ذلك ما كتب به عامل أرمينية إلى الخليفة العباسي المهدي، يشكو إليه سوء طاعة الرعية، فوقع المهدي في خطابه قوله تعالى: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ".

 

ومن أهم أنواع "التوقيعات"، التوقيع بالشعر، مثلما وقع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إلى طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه بقوله: "في بيته يؤتى الحكم"، ومن الأصناف أيضا بحسب الدكتور محمود قمر، بالتوقيع بحكمة، ومنها ما كتبه إبراهيم بن المهدي إلى الخليفة المأمون يعتذر إليه مما بدر منه من خروج عليه، ومطالبته بالخلافة، فوقع المأمون في كتابه ردا يقول: "القدرةُ تُذْهِبُ الحفيظة، والندم جزء من التوبة، وبينهما عفو الله".

 

ومن أشهر من أحسنوا "التوقيعات"، الخلفاء معاوية بن أبي سفيان، وعبد الملك بن مروان، وابنيه يزيد وسليمان، ومروان بن محمد، وأبي جعفر المنصور، وعبد الله المأمون، والمعتصم، وسيف الدولة الحمداني، وجعفر بن يحيى البرمكي، والحسن بن سهل، وزياد بن أبيه، وأبو مسلم الخراساني، وصلاح الدين الأيوبي، وغيرهم ممن لا يمكن حصره.

 

ومن نماذج التوقعيات الشهيرة ما يلي:

رد جعفر بن يحى البرمكي على كتاب رجل شكا إليه بعض عماله فوقع لأحدهم يقول: "قد كثر شاكوك، وقل شاكروك، فإما اعتدلت، وإما اعتزلت".

ووقع الفضل بن سهل وزير المأمون يقول: "إن أسرع النار التهابا أسرعها خمودا، فتأن في أمرك".

ووقع عمر بن عبد العزيز لعامله بحمص حينما كتب إليه بأن مدينته تحتاج إلى بناء حصن لحمايتها من الأعداء قائلا: "حصنها بالعدل والسلام".

ووقع أبو جعفر المنصور ردا على عامله بمصر لنقصان النيل: "طهر عسكرك من الفساد يعطك النيل القياد". 

ووقع هارون الرشيد إِلَى نقفور ملك الروم، ردا على كتاب التهديد من الأخير: "الجواب ما تراه لا ما تقرأه".