«خمارة يا أم بابين وديتي السكاره فين»
مجرمون ولكن أبطال.. حقيقة انضمام عصابة «ريا وسكينة» إلى الجهاز السرى لثورة 1919 واغتيال الإنجليز
الإثنين، 14 مايو 2018 01:00 ص
فى عز ثورة المصريين ضد الإنجليز فى عام 1919 حدثت جرائم ريا وسكينة ودفنهم لضحاياهم بعد قتلهم فى نفس الغرفة التى كانوا يعيشون فيها
طوال السنوات الماضية ظل أفراد عصابة ريا وسكينة مجرمين فى نظر الضمير الجمعى للمصريين إلى أن حصل السيناريست أحمد عاشور على موافقة الرقابة لتصوير فيلم يتحدث عن براءة ريا وسكينة.
وفق «عاشور» فإنه كان يعمل فيلم وثائقي لإحدى الشركات، وخلال البحث الميداني لمدة 10 سنوات توصل إلى معلومات تشككه في القضية، منها التناقض في مستندات ملف القضية. كما يستشهد «عاشور» بما رواه أحفاد العرابي وعبد الرازق المتهمين في القضية، بالإضافة إلى حفيد البوزباشي المسئول عن القضية، حيث قال إن اليوزباشي حين قرر أن يعلن أن القضية ملفقة تم قتله، ليمسك اليوزباشي إبراهيم حمدي القضية لأنه كان متعاون مع الإنجليز فهذه القضية ملفقة كان هدفها هو صنع قضية رأي عام تلهي الناس عن الثورة والاحتلال الإنجليزي، وبسبب خطورة وجود سكينة مع الجهاز السري للثورة بقيادة عبد الرحمن باشا فهمى فالجثث كانت موجودة بالفعل في حجرة ريا وسكينة، ولكن لم يعرف من قتلهم ودفنهم، لأن البلاغ جاء بعد تركهم هذا المنزل.
ربما لا يعرف الكثيرون أن عبدالرحمن باشا فهمى ورفاقه خلال ثورة 1919 كونوا ما عرف بالجهاز السرى للثورة وهو جهاز كان هدفه الرد على التجاوز العنيف من قبل سلطات الاحتلال ضد الثورة، وهناك وجهتى نظر خاصة برأى الزعيم الراحل سعد زغلول فى تكوين
لكنه لم تشر الوثائق إلى أن سعد باشا أمر بقيام الجهاز باغتيالات سياسية غير أن وجهة نظر أخرى تشير إلى ترحيبه بذلك باعتبار أن تلك هى الوسيلة الوحيدة لمواجهة قمع الإنجليز.
الراحل الكبير«عباس العقاد» كتب وقت وقوع الجريمة البشعة مقالا بعنوان «ريا وسكينة بين لومبروزو وأناتول فرانس » قائلا :«من عادة الناس أن يربطوا بين باطن المرء وظاهره بسبب، فإذا أعجبتهم أو أدهشتهم مقدرة فائقة من رجل أو صفة شاذة في خلقه تاقوا إلى رؤية وجهه ليعرفوا من تقاسيمه وملامحه أي رجل هو، ويشهدوا مكان تلك المقدرة أو الصفة من ذلك الوجه. فإن لم يتمكنوا من رؤيته عيانا سألوا عن أوصافه وبحثوا عن صورته وكلنا يعلم مقدار أسف الأدباء على أنهم لم يرون اليوم صور ملوك العرب وشعرائهم وىثارهم وهم لا يستفيديون من صورهم شيئا وإنما هى العادة بل نكاد نقول الغريزة تشعرهم بالحاجة إلى مشاهدتها وإجالة النظر فى معارفها
ويتطرق «العقاد» والذى وصف أفراد عصابة ريا وسكينة بأنهما من أصحاب النفوس الميتة إلى نظيرة لامبروزو الشهيرة فى علم الإجرام إلى أن يقول :«فإلى أى حد يا ترى تفيد حقائقه وتجدى ملاحظاته ،أسالى هذا السؤال وبين يدى صور أربعة من كبار المجرمين أربعة لم نسمع بابشع من جرائمهم وآثامهم في بلدنا هذا فى وقتنا هذا ،تهافت الناس على صورهم كما ينهافتون على صور العظماء، لا حبا فى اقتنائها ولا اعجابا باصحابها، بل لكي يروا كيف تكون تلك الوجوه التى تخفى وراءها قلوبا تعيش فيها شياطين الجرائم ، وأسرار الدماء
برز دور الطفلة بديعة إبنة ريا فى القضية فهى التى اعترفت بمشاهدة افراد العصابة وهم يقتلون ضحاياهم ولفت بذلك حفل المشنقة حول رقابهم وجرى ايداعها الملجأ العباسى ولم يزورها أحد إلا مريم الشامية صديقة خالتها سكينة إلا أن القدر كان رحيما بهذه الصغيرة التى شاهدت بعينيها جرائم يشيب لها الولدان حيث اشتعلت النيران فى الملجأ لتلقى بديعة حتفها محترقة مع الكثير من الأطفال اليتامى
بعد أن رفض مأمور سجن الحضرة أن يلبي طلب ريا و يحضر لها ابنتها بديعة لكي تراها قبل اعدامها، و بالفعل تم اعدام الأختين ريا و سكينة أصبحت الابنة بديعة يتيمة لا يوجد لها أهل و لذلك قام البوليس بايداع الطفلة الملجأ العباسي و ظلت الست مريم صديقة خالتها سكينة تتردد عليها ، و يزورها بصفة مستمرة و لكن بعد عدة أشهر قال القدر كلمته و أشتعلت النيران في الملجأ العباسي و توفي الكثير من الأطفال اليتامي و كان من بينهم أشهر طفلة في التاريخ تسببت شهادتها في اعدام جميع أهلها و هي الطفلة بديعة ابنة ريا همام
الكاتب الراحل «صلاح عيسى» هو من وثق قصة «ريا وسكينة » فى كتابه الشهير «رجال ريا وسكينة» وهو الذى كان قد فجر مفاجأة بقوله «ليس صحيحًا ما جاء في الأفلام أن البوليس طاردهم، فعملية القبض عليهم كان بالصدفة المحضة، فقد فحدث أن صاحب البيت وجدهم لم يدفعوا إيجار البيت الذي كانا يسكنان فيه، فقام صاحب البيت بالاتفاق مع شخص إيطالي الجنسية لتأجير البيت، واشترط الإيطالي أن يتم توصيل المياة والمجاري في البيت، وأثناء الحفر اكتشفا وجود جثث تحت الأرض وانكشف سر ريا وسكينة وتم القبض عليهم وإعدامهم، وخرجت النساء أمام سجن الحضرة يهتفون «خمارة يا أم بابين وديتي السكاره فين».
ووفق صلاح عيسى فى تصريحات له قبل وفاته فإن قصة «ريا وسكينة» كما جاءت في الفيلم العربي القديم "ريا وسكينة" الذي قام ببطولته أنور وجدي ونجمة إبراهيم ومسرحية "ريا وسكينة" لشادية وسهير البابلي قصة مؤلفة ليس لها علاقة بالسيرة الحقيقة لريا وسكينة لافتا إلى أن البغاء في مصر في ذلك الوقت كان رسميًا ومرخص له من جانب الحكومة، وعملت "ريا وسكينة" فيه هربًا من سوء الحالة الاقتصادية وحالة الفقر المدقع الذي كانا يعيشان فيه في ذلك الوقت.
أوضح عيسى أن "ريا وسكينة" فتحا بيوتًا للدعارة في الإسكندرية واستقطبا بعض الفتيات للعمل معهما، ومن عادة العاملين في هذا المجال أن يضعوا "أساورهم الذهب" في أيديهن فحاولوا خطف فتاة ولكن لم ينجحوا فقرروا بعد ذلك قتل فتيات البغاء بعد سرقتهن.
وأرجع «عيسى» أسباب كره المصريين لريا وسكينة إلى ثلاثة أسباب هى خيانة علاقة "العيش والملح" التي كانت بين ريا وسكينة وضحاياهم وإحساس المصريين بالعار نتيجة معايرة الإنجليز للمصريين لهم بأنهم ليسو أهل للاستقلال، ففي عز ثورة المصريين ضد الإنجليز في عام 1919 حدثت جرائم ريا وسكينة ودفنهم لضحاياهم بعد قتلهم في نفس الغرفة التي كانوا يعيشون فيها، فقتلوا 16 ضحية من النساء اللاتي كانوا يعملن معهم في هذا المجال.
كان طلب ريا الأخير قبل اعدامها هو أن ترى ابنتها الوحيدة بديعة، و لكن رفض المأمور طلبها مبررا رفضه أن ابنتها كانت في زياتها منذ يومين و عندها قالت ريا :« أودعتك الله يا بديعة » -حسب محاضر وسجلات سجن الحضرة – حيث بدت رية واثقة من نفسها ، رابطة الجأش ، غير مكترثة بحكم الإعدام .
طوال فترة المحاكمة كانت سكينة التى تميزت بالجمال دون شقيقتها تتباهى بقتلها 17 سيدة مؤكدة إنها «جدعة» وقبل اعدامه اعتذرت سكينة لمن وجهة لهم السباب من الحاضرين وظلت جثتها معلقة فى حبل المشنقة نصف ساعة.
أما محمد عبدالعال زوج سكينة فقال إنه لم يقتل إلا سبعة من الضحايا ، وهو ما ارجعته أوراق التحقيق إلى غيابه فى الصعيد فترة عن أفراد هذه العصابة بعد أن اصرت والدته على تزويجه من فتاة أخرى وأخطأ عبالعال بارسال نقود بالبريد إلى والد زوجته الجديدة وهو ما استندت إليه النيابة فى أثبات تواجده بالإسكندرية وقت وقوع بعض جرائم قتل النساء.