أكذوبة تعارض العقل مع النقل
الأحد، 13 مايو 2018 02:59 م
كثيرا ما نرى ونسمع تلك العبارات التي لا هدف من ورائها إلا القدح في السنة النبوية ومن ثم كتب السنة وأصحابها، فمن منكر لها إلى طاعن في الإمامين البخاري ومسلم أصحاب أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى، وهذا إما بجهل أصحاب تلك الدعوات، أو بهدف الهدم في الإسلام وزعزعة التسليم بأصوله وثوابته، والحقيقة أن هذا التعارض في أذهانهم فقط، أما أهل العلم المنصفون فلا يعرفون ذلك أبدا ولذلك قال الله تعالى:" فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".
وبداية، دعونا نذكر عبارة تحل هذا الإشكال نهائيا، ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية واختصرها الدكتور الرضواني في كتابه أصول العقيده حث قال:( العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح بل يشهد له ويؤيده لأن المصدر واحد، فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل؛ ومن المحال أن يرسل إليه ما يفسده، وإذا تعارض العقل مع النقل؛ فذلك لسببين لا ثالث لهما: إما أن النقل لم يثبت، وإما أن العقل لم يفهم النقل)، وهذه الكلمات تحل إشكالات وشبهات هؤلاء تماما، لو أنصفوا أو أخلصوا نيتهم، وتعالوا لنفك طلاسم هذه العبارة باختصار وسهولة في ثلاث خطوات بالأمثلة.
فقوله (المصدر واحد) وهنا نرى بوضوح أن الله عز وجل هو الذي خلق العقل وهو الذي أرسل إليه النص، ونحن على أن الله تعالى مستحيل أن يرسل نص يتعارض مع العقل ويتسبب في فساده، ولعلنا نضرب مثال يوضح ذلك، فلو أن شركة قامت بتصنيع آلة معينة كالتلفاز أو الثلاجة أو السيارة مثلا فلابد أن يرفق معها كتالوج للطريقة الصحيحة التي يتم التعامل والحفاظ بها على هذه الآلة، ولا يتصور أبدا أن يضع كتالوج يتسبب في اتلافها.
وقوله:(إما أن النقل لم يثبت) ومعناه أنه لو وجد الإنسان تعارض في عقله مع الآية أوالحديث فله سبب، وهو أن النص ليس صحيح بل مكذوب، وهنا لابد من الرجوع إلى العلماء في كتب مصطلح الحديث المليئة بآليات الحكم على صحة أو كذب النص ونرى كيف حكموا على الحديث، من أمثلة ذلك مثلا:( من عشق فكتم و عف فمات فهو شهيد ) وكذلك حديث (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) وغير ذلك من الأحاديث المكذوبة التي لا تتوافق مع العقل ولا العلم أبدا، ولذلك ينبغي أن يتم التثبت من صحة أي حديث يتم ذكره حتى لا يتم إتهام أئمة العلم كالبخاري ومسلم بالباطل.
وقوله:(وإما أن العقل لم يفهم النقل) ومعناه لو حدث التعارض أيضا قد يكون سببه عدم قدرة العقل على الفهم الصحيح وإستيعاب مراد الله ورسوله من كلامهم، ولنفهم ذلك نضرب مثال حديث الذبابة حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء"، هذا الحديث لطالما أنكره أمثال هؤلاء واتهموا أئمة الحديث وخاصة البخاري بالكذب ونقل مالا يصح في صحيح البخاري وقالوا أن هذا فيه إساءة أدب مع الإسلام، ثم جاء العلم الحديث والإكتشافات الطبية بنفس ما جاء في حديث البخاري وموافقا ومثبتا لصحته فلم يجدوا مفرا من التسليم به، والحقيقة أنهم ما أنكروا هذا الحديث إلا لسوء فهمهم وقلة إدراكهم لمراد الله ورسوله، فالنبي صلى الله عليه وسلم أولا حينما قال هذا الحديث ولم يفرض أو يلزم أحد على أن يفعل ذلك وخاصة إن كان لا نفسه لا تستسيغ ذلك، وقد يأتي نصان متعارضان في الظاهر ولقلة العلم عند هؤلاء حيث لم يأخذوا العلم الصحيح من مصادره، فيظنوا أن هناك تعارض بين كلام الله تعالى، فمثلا قال الله تعالى:(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، وفي آية أخرى يقول تعالى:(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) فيقولون هل النبي يهدي أم لا يهدي؟ والحقيقة استفسارهم هذا نتيجة لعيب في عقولهم، حيث أنه لا تعارض إذا فهموا كلام الله تعالى في كل آية بشكل سليم، فالله تعالى قد نفى عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى "الهداية الكونية" التي كتب الله فيها في اللوح المحفوظ وأهل الجنة وأهل النار فهو لا يعلمها، وأما الآية الثانية يثبت للنبي صلى الله عليه وسلم "الهداية الشرعية" ومعناها أنه عليه البيان والإرشاد فقط.
ومن هنا يتبين لنا جهل مثل من يدعون مثل هذه الأقوال، حيث أنهم لم يتلقوا العلم من مصادره الصحيحة التي تصمن سلامة النص والفهم، وبالتالي تضمن سلامة الدين وتحفظ الأمن والأمان في المجتمع.