حيثيات براءة المتهمين بتعذيب «محامي المطرية»
الأحد، 13 مايو 2018 12:39 م
قضت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة الأحد بأكاديمية الشرطة، ببراءة ضابطي الأمن الوطني في القضية المعروفة إعلاميًا بـ «مقتل محامي المطرية»، وذلك في إعادة مُحاكمتهما بالقضية. وقالت حيثيات الحُكم، إنه لما كان الجزاء الجنائى هو أخطر الجزاءات جميعها، تُصيب الناس في أرواحهم وأشخاصهم وأموالهم وكيانهم، فقد وجب الحرص الشديد والتحقق الكامل والوصول إلى اليقين القضائي الأكيد قبل إصدار الحكم بإدانة الإنسان.
وأضافت الحيثيات، بأنه يترتب على هذا الأصل أنه يضع عبأ الإثبات الاتهام الجنائي على عاتق سلطة الاتهام، فإذا لم يقم الدليل على ارتكاب المتهم الوقائع المادية الإجرامية، وكان ما قدمت سلطة الاتهام غير كافل، فإن المتهم لا يكفل تقديم دليل براءته كما انه من أصول المحاكمات الجنائية أيضًا أن الأحكام الجنائية تُبنى على الجزم واليقين من الواقع الذى يثبته الدليل المُعتبر، ولا تؤسس على الظن والاحتمال والفروض أو الاعتبارات المُجردة.
كانت المحكمة لما لها من دور إيجابى من تحقيق الدليل في الدعوى الجنائية، واتخاذ الإجراءات التي توصلها للحقيقة وصولا للاقتناع الذاتي في إطار من الشرعية القانونية، قد تداولت الدعوى الماثلة بجلسات عدة استدعت فيها شهود الإثبات الرئيسين وناقشتهم في مضمون شهادتهم وأتاحت ذلك للخصوم في الدعوى وصولا لليقين القضائي فإنها بعد أن محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وأدلة الإثبات التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازن بينها وبين ادلة النفى قد داخلها الشك والريبة في عناصر الإثبات وترجح عندها دفاع المتهمين.
وترى أن الواقعة صورة أخرى غير تلك التي حملتها عناصر الاتهام والتي كان عمادها دلائل وقرائن مستمدة من أقوال شهود الإثبات والتقارير الطبية وتقرير الصفة التشريحية وإيه ذلك أولا أن شهادة شاهد الاثبات الرئيسى في الدعوى عبد الغنى إبراهيم شعبان قد أصابها التناقض والتعارض وران عليها الوهن والتهافت.
وأشارت إلى أنه خلت شهادته عند سؤاله لأول مرة بتحقيقات النيابة العامة مساء يوم الواقعة 24 فبراير 2015 من اتهام لأى من المتهمين الماثلين أو غيرهما بتعذيب المجنى عليه أو التعدى عليه وأنه فقط لاحظ عليه علامات الإعياء الشديد عقب عودتهما من سراى نيابة المطرية بعد التحقيق معهما في الجناية رقم 3763 لسنه 2015 المطرية، وكذلك فجر اليوم التالى حال احتجازهما بوحدة مباحث قسم شرطة المطرية.
إلا أنه حال إعادة سؤاله بيوم 26 فيراير من ذات العام قال فور عودته هو والمجنى عليه في الثامنة ونصف مساء يوم 24 فبراير قام ضباط وحدة مباحث القسم بعصب اعينهم وتكبيل ايديهم بالأصفاد الحديدية وأخبرهما بان ضباط الامن الوطنى سوف يحضرون لاستجوابهما وبعدها كان يساق على تلك الحالة هو والمجنى عليه كلا على انفراد داخل احدى الحجرات لاستجوابهما وأثناء ذلك سمع أصوات كثيرة من أشخاص داخل تلك الحجرة لم يستطع ان يميزهم وانه كان يتم التعدى عليهم بالضرب بالأيدى وحال وجوده خارج غرفة التحقيق سمع صوت المجنى عليهم بداخلها يتأوه ويقول «آه آه خلاص هعترف ياباشا»، إلا أنه لم يشاهد به ثمه إصابات عقب ذلك، وأن كان في حالة إعياء شديد واحساس بالبرودة.
وقال الحيثيات، إن هذه الشهادة التي أدلى بها الشاهد على تلك الصورة واتخذت منها النيابة العامة القرينة الرئيسية على نسبة الاتهام للمتهمين الماثلين فضلا عن انها لا تكفى بذاتها لحمل الاتهام فقد ران عليها التناقض والتهافت حيث نفى الشاهد لدى سؤاله بجلسات المحاكمة عن اى من المتهمين قيامه بتعذيب المجنى عليه أو التعدى عليه بالضرب وقال ان من قام بذلك هم ضباط مباحث قسم شرطة عين شمس والمطرية لحملهما على الاعتراف والإرشاد عن متهمين اخرين وذلك منذ لحظة القبض عليهما وحتى صباح يوم وفاه المجنى عليه، وأنه كان مدفوعًا بشهادته في تحقيقات النيابة العامة بالخوف من التهديد والوعيد ضباط مباحث القسم فان في ذلك كله ما يلقى بظلالا كثيفة من الشك والريبة على تلك الشهادة لتناقضها على نحو يستعصى على المؤائمة والتوفير بين صورها المتناقضة ومن ثمه تستبعدها المحكمة ولا تعول عليها كدليل إثبات مُعتبر.
وتابعت الحيثيات: إن باقى شهود الاثبات الذين ورد ذكرهم بقائمة ادلة الثبوت لم يشهد اى منهم سواء بطريقة مباشرة أو بطريق الاستدلال بقيام المتهمين بالتعدى عليه وتعذيبه حال مناقشته فقد كان البعض منهم غير موجود على مسرح الحادث بينما شهد البعض الاخر انه لم يشاهد ثمة إصابات ظاهرة بالمجنى عليه سواء قبل حضور المتهمين بديوان القسم أو بعد انصرافهما منه عقب الانتهاء من مناقشة المجنى عليه كما لم يتناهى الى سمعهم أو بصرهم قيام المتهمين بتعذيب المجنى عليه او التعدى عليه بالضرب
وذكرت المحكمة أن لا يفوتها أن تنوه إلى أنه وإن كان من الأصول المقررة أن الأحكام هي عنوان الحقيقة فان جوهر الحقيقة لاعلمه إلا الله وحدة الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وأن كلمة القضاه وحقيقة الامر ليست تعبيرا عن كلمة الله وهم مطالبون عن تطبيق القوانين وكشف الحقيقة لا عن طريق وحى الهى وانما عن طريق العقل والمنطق الذى يتخذ من أوراق القضية المعروض عليهم.
الحُكم برئاسة المستشار سيد التونى وعضوية المستشارين على احمد صقر وأيمن عبد الرازق وأمانه سر ممدوح غريب. وكانت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار أسامة شاهين، كانت قد قضت في الثاني عشر من ديسمبر لعام 2015، بسجن الضابطين لمدة خمسة أعوام، مع إلزامهما بالمصروفات الجنائية، قبل أن تلغي محكمة النقض الحُكم مقررة إعادة المحاكمة.
كان النائب العام الراحل المستشار هشام بركات، أمر بإحالة الضابطين المتهمين إلى محكمة الجنايات، بتهمة تعذيب المحامي كريم حمدي المجني عليه، أثناء احتجازه داخل قسم شرطة المطرية، فأحدثا به إصابات جسيمة متعددة أودت بحياته.