محام يدفع بأحقية موكله في تأديب زوجته بـ«الضرب».. والمحكمة تلقنهما درسا
الخميس، 10 مايو 2018 04:00 م
لم تكن تتخيل يوماَ أن يصل بها الأمر وزوجها إلى أروقة المحاكم، لتكون حديث محافظة دمنهور بأكملها، وذلك بعدما اعتدى عليها زوجها وكبلها بالحبال واجبرها على توقيع إيصالات أمانة، ما أدى إلى فقأ عينها اليسرى، إلا أن المفاجأة التي أذهلت القضاة وعلى رأسهم المستشار سامح عبدالله، رئيس محكمة جنايات دمنهور، تمثلت في حضور الزوجة «المجني عليها» وطلبها التنازل والصلح مع المتهم بسبب حملها وحتى لا يولد طفلها ووالده مسجون.
طلب الزوجة «أ.»، التنازل والصلح مع المتهم بسبب حملها وحتى لا يولد طفلها ووالده مسجون، لم يثنى المستشار سامح عبدالله، رئيس محكمة جنايات دمنهور، وقضاة الدائرة من معاقبة وتأديب الزوج «أحمد الحداد» رغم التصالح بالحبس سنة لقيامه بإصابة زوجته بعاهة مستديمة وإيقاف تنفيذ العقوبة بعد تنازل المجني عليها «الحامل» حرصا علي استقرار الحياة الزوجية.
قائمة الاتهامات
وجهت النيابة للمتهم قيامه في 12 أكتوبر 2016 بتكبيل زوجته والاعتداء عليها ضربا بالأسلحة البيضاء مما تسبب في إصابتها بعاهة مستديمة «فقدها البصر» بعينها اليسرى.
الزوجة قالت أنه نتيجة خلافات زوجية فوجئت بزوجها يقوم بتكبيلها بالحبال والاعتداء عليها ضربا وإكراهها على التوقيع على 4 إيصالات أمانة وتنازل عن قائمة المنقولات الزوجية وإقرار بمسئوليتها عن سلامتها الشخصية، وأثناء نظر جلسات المحاكمة فوجئ القضاة بحضور الزوجة (المجني عليها)، وطلبها التنازل والصلح مع المتهم بسبب حملها وحتى لا يولد طفلها ووالده مسجون.
بداية الجلسة
تفاصيل الجلسة، بدأت بتلاوة أمر الإحالة وسماع طلبات النيابة العامة والمرافعة الشفوية والإطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً، حيث إن واقعات الدعوى حسبما استقرت في يقين المحكمة، واطمأن لها وجدانها مستخلصة من أوراقها وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل في أنه وبتاريخ 12 أكتوبر أبلغت المجني عليها بمحضر جمع الاستدلالات بقيام المتهم «زوجها» ويدعى «أحمد الحداد» بتقييدها بحبل ثم انهال عليها ضربا، مما أحدث إصابة في عينيها اليسرى أفقدتها الإبصار بها تماماً، وأرجعت ذلك أنه كان يريد أن يمنعها من سداد قسط قرض أخذته بضمان سداده من راتبها.
تقرير الطب الشرعى
وثبت من نتيجة تقرير الطب الشرعي أن المجني عليها تخلف لديها عاهة مستديمة تمثلت في فقد الإبصار بعينها اليسرى، وقد جاءت تحريات الشرطة على صحة الواقعة، وحيث أن الواقعة على هذا النحو قد استقام الدليل على صحتها وثبوتها في حق المتهم من خلال ما شهدت به المجني عليها والضابط مجرى تحريات الشرطة، وكذا مما انتهت إليه نتيجة تقرير الطب الشرعي.
شهادة الزوجة
فقد شهدت الزوجة بأنه على أثر خلاف بينها وبين المتهم زوجها، بسبب غضبه من ابرامها قرض بضمان راتبها قام بتقييدها بحبل ثم انهال عليها ضرباً لمدة ثلاث ساعات بأدوات « عصا- حزام- بنسبة كهرباء»، بالإضافة إلى ضربها بقبضة يده في عينيها مما أحدث إصابة بعينها اليسرى أدت إلى فقد الإبصار بها ثم قام بإكراهها على التوقيع على أربع إيصالات أمانة على بياض.
شهادة الضابط
وشهد ضابط الواقعة بأن تحرياته السرية التى أجراها بشأن الواقعة ثبت منها صحة ما جاء بشهادة المجنى عليها، وثبت من تقرير الطب الشرعي أن المجني عليها تخلف لديها من جراء إصابتها بالعين اليسرى تلف وضمور جزئي بالشبكية صحبه فقد الإبصار النافع بتلك العين مما يعد عاهة مستديمة تقدر نسبتها بنحو خمسة وثلاثين بالمئة ويجوز حصولها من الضرب بالأيدي «البوكس» وفق التاريخ والتصوير الواردين بأقوال المجنى علبها.
حيثيات الحك
المحكمة قالت فى حيثيات الحكم أن المتهم لم يُستجوب بالتحقيقات أمام النيابة العامة لهروبه، وإن بجلسة المحاكمة حضر المتهم وحضرت المجني عليها والمحكمة سألت المتهم عن التهمة المنسوبة إليه فأنكرها.
والمحكمة استمعت لشهادة المجنى عليها فشهدت بذات ما قررت به بمحضر جمع الاستدلالات وبما شهدت به أمام النيابة العامة، وأضافت أنها تصالحت مع المتهم لأن لا مأوى لها غير منزل الزوجية وأنها تنتظر مولوداً لن تجد من يكفلها وإياها غير زوجها خاصة أنها باتت مهددة بعدم الاستمرار في عملها بعد إصابتها.
دفاع المتهم
والدفاع الحاضر مع المتهم طلب أصلياً براءة المتهم مما نسب اليه استناداً على انه كان يمارس حق التأديب المكفول له شرعاً واحتياطياً استعمال الرأفة لتصالح المجني عليها مع المتهم وتعهد الأخير بحسن معاملتها.
المحكمة فندت الدفوع فى حيثيات الحكم كالتالي بالنسبة للدفع الذي أثاره الدفاع بتوافر سبب من أسباب الإباحة وهو حق التأديب المقرر للزوج على زوجته إذ بدر منها اعوجاجاً في سلوكها، فمردود عليه بأن هذا الحق «الذى لم يرد عليه نص بقانون العقوبات» ثابت من الشريعة الإسلامية وهو لا يبيح أكثر من الضرب الخفيف، وربما ترجع العلة من ورائه إلى رغبة المجتمع في إدراك غاية معينة يتحقق للمجتمع من ورائها مصلحة عليا هي تقويم سلوك الخاضع لهذا الحق والتزامه الطريق السوي حتى يكون عضواً نافعاً لنفسه وأسرته ومجتمعه.
المحكمة تلقن المتهم ومحاميه درساَ
وأكدت المحكمة أن المشرع لم يترك ممارسة هذا الحق حراً طليقاً بغير قيد بل وضع له قيوداً تعصمه من الانحراف الذي ربما ينجرف إليه، وتتمثل تلك القيود في تحديد صاحب الحق في التأديب وقد استقر الفقه على أن صاحب هذا الحق هو الأب والأستاذ ثم الزوج أخذا بما أملته الشريعة الإسلامية في هذا الشأن، وأما عن القيود الموضوعية لممارسة هذا الحق فتحدد بالغاية منه وهى الإصلاح والتقويم بما يوجب على من يمارسه ألا ينحرف عنه إلى غايات أبعد ما تكون عنه ووسائل تقترب من الوحشية، وهو في ذلك يراقب العرف العام المستمد من روح مجتمع لم تعد فيه الزوجة أَمة أو سبية، كما يلزم أخيراً ألا يستحيل هذا الحق بحيث يصبح وسيلة تعذيب أو انتقام.
حق تأديب الزوج لزوجته
فلما كان ذلك-حسب الحيثيات- وبناءً عليه فإن المحكمة وهى في سبيلها لهذا القضاء لا يمكن أن تصف ما اقترفه المتهم أنه من قبيل ممارسة حق التأديب، مؤكدة إن توثيق الزوجة المجنى عليها بحبل ثم الإنهال عليها بالضرب المبرح بعصا وحزام وبنسة كهرباء لمدة ثلاث ساعات وضربها بقبضة اليد في كلتا عنيها، والذي نتج عنه فقد الإبصار تماماً بالعين اليسرى، مما يعد عاهة مستديمة يستحيل برؤها، ورددت المحكمة: «إن ذلك لا يمكن أبداً أن تعده المحكمة من قبيل استعمال الحق، حيث إن الحق في التأديب إنما شُرع للإصلاح والتقويم والتهذيب بينما ما آتاه المتهم لا يمكن أن يجد له وصفاً غير الجرم، والجرم المشين».
العنف الأسرى
المحكمة أكدت أن هذا العنف الأسرى بغيض في جميع الأحوال لكنه يصير أكثر بغضاً عندما يستند إلى شريعة قيدت استعمال هذا الحق بقيودٍ كثيرة، حيث إن الإرتكان إلى حق التأديب المستمد من الشريعة إنما هو ارتكاناً في غير موضعه ويأتي ربما على قمة المتناقضات التى تعتري سلوكنا والتى صنعت هوة واسعة بين ما نعتنقه من فضائل وما يصدر عنَّا من سلوك، فضلاَ عن أن هذا العنف الأسرى لا يجب أن يكون له موضعاً في أى مجتمع إنساني وقد حرمته كل القوانين العقابية في الشرائع الداخلية وكذلك كل المواثيق والاتفاقات الدولية وأما عن الشريعة وطالما استند الدفاع إليها فقد جعلت من الزوجة مخلوقاً مكرماً ولم يترك الرسول الكريم خطبة الوداع من قبل أن يقول لنا «استوصوا بالنساء خيراً».
أشارت المحكمة فى حيثيات الحكم إلى أن الشريعة التى ركن إليها المتهم في عدوانه على المجني عليها هى التى كرمت المرأة كزوجة وجعلت منها سكناً ثم كرمتها كأم وجعلت الإحسان إليها براً وما كان أبداً لحق التأديب أن يُهن أو يُحقّر إنساناً جعله الله مكرماً كهذا، فلقد كانت خير وصية هى الاستيصاء بالنساء بينما نحن نأتي بأبغص السلوك وأبعده عن الإنسان وقيمة الإنسان.
وبالنسبة لتصالح المجنى عليها «الزوجة» في التحقيق النهائي الذي أجرته المحكمة وشهادتها بالعفو عن زوجها المتهم على سند من أن لا مأوى لها غير منزل الزوجية وأنها تنتظر مولوداً لن تجد من ينفق عليه سواه فإن المحكمة وهى تستجيب لما قررته وتأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة أخذاً بتلك الاعتبارات التي تتجلى فوق نص القانون أحياناً تقول أنها وازنت بين أمرين العقاب وهو حق لهذا الجرم والصفح وهو فضل ربما ذهب بالضغينة وربما أعاد الضمير الضال إلى النفس"
الحكم
من جانبها، قررت محكمة جنايات دمنهور برئاسة المستشار سامح عبد الله وعضوية المستشارين هيثم أبو حطب ووائل مهنا، بحبس الزوج سنة لقيامه بإصابة زوجته بعاهة مستديمة وإيقاف تنفيذ العقوبة بعد تنازل المجني عليها «الحامل» حرصا علي استقرار الحياة الزوجية.