تسويق محموم لأشهر لحن جنائزى حاليا: النظام ضيق الصدر وعصبى!
الثلاثاء، 08 مايو 2018 02:49 م
صحف كثيرة كتبت عن ضغوط، ومذيعون ينوهون وفى الوقت ذاته تمتلئ الصفحات الشاشات بموضوعات ومقالات وفيديوهات ومقابلات معارضة ومخاصمة وفاجرة فى الخصومة
ضبط إيقاع المجتمع يستلزم صرامة القانون ورد الأنطاع إلى صوابهم وإعادة تعريف مفاهيم ضالة مثل: حرية التعبير وحرية الإعلام وحقوق الإنسان
بقدر ما يبدو المسرح الإقليمى- والدولى بالتالى- مغريا بالعرض والبحث والتحليل ثم الاستخلاص وتطبيق النتائج على الداخل بكل فورانه، بقدر ما يفرض المسرح المصرى المحلى ذاته وضغوطه وتداعياته وتناقضاته على كل قلم وكل قلب مصرى مهموم وملغوم بالغبار السياسى والإعلامى، بل وبالتراب العاصف والبرق الخاطف والسيل الجارف!
لقد شهدت الأيام القليلة الماضية حدثا سياسيا دراميا بالغ الغرابة فى المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، ألقى بدروس وعبر، على سكان الشرق الأوسط من العرب، غير أن أحدا لا يتعظ ولا يتعلم، فقد اتفقت كوريا الشمالية النووية مع نصفها الآخر الجنوبى الغنى المحمى بالقوة العسكرية الأمريكية مقابل أجر، على إنهاء الحرب الكورية الباردة المشتعلة منذ أكثر من ستة عقود، ومع هدوء نسبى محسوب الإيقاع، فى شبه الجزيرة الكورية، جرى ويجرى تصعيد على الجبهة الإيرانية الخليجية الإسرائيلية فوق الأراضى السورية، يلفت النظر أن مهندس التبريد هناك فى أقصى الشرق الآسيوى هو ذاته مهندس التسخين فى الشرق الأوسط، هو بومبيو رجل المخابرات الأمريكية، ووزير خارجية ترامب حاليا، الذى تنقل بين عواصم خليجية أهمها السعودية، يطمئن الخليج ويسلم الفاتورة المطلوبة ويحذر إيران، وفى السياق ذاته، وبالتزامن أقام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أشهر كاذب سياسى فى العالم، عرضا بالوثائق والرسوم والبيانات والصور والفيديوهات قال فيه إن المخابرات الإسرائيلية وضعت يدها على الأرشيف الكامل للقنبلة النووية الإيرانية، تحت الأرض فى جنوبى طهران، وأن لديها نسخة كاملة من الملفات والسيديهات، وقال إن إيران تكذب بالفعل ولديها مواد كاملة وجاهزة لإنتاج قنبلتها النووية، ولا تزال تداعيات الكذب المتبادل مستمرة ومتدفقة بين كل الأطراف الأصلية والدخيلة فى المنطقة، وقصارى القول فيه إن إيران وإسرائيل وجهان لعملة واحدة. إيران هى إسرائيل، وإسرائيل هى إيران، وكل العرب حاليا هم فلسطين أو ما تبقى!
كل هذه الطبول المجنونة من حولنا توازت معها دقات طبول رخيصة متشحة بذكاء بهلوانى، تزف اللحن ذاته لكى يطرب السيد الأمريكى والسيد التركى.
بالطبع بدأت النغمة بدعوة ليست غريبة من عماد الدين أديب قبل أسابيع إلى الحوار مع المعتاطفين مع الإخوان الذين هم بحكم القانون كيان إرهابى، ولم تمض أيام حتى خرج صوت أجش عريق فى الإخوانية، يدعو إلى مصالحة وإلى حوار ولجنة عقلاء وحكماء، عربية ومحلية ودولية، لمد الجسور بين الدولة المصرية والجماعة الإرهابية، وتزامنت مع تلك الدعوة الفجة الرخيصة هذه أيضا، دعوة إبراهيم منير القيادى الإخوانى الكبير بلندن إلى المصالحة، ولا يمكن بحال من الأحوال عزل تاثير المخابرات البريطانية عن هذه الدعوات المتدرجة، فتش عن الشرارة الأولى، من أول من يطلقها؟ ومن أول من يستعملها؟ ومن الذى يكرر النغمات المسمومة الخروج الآمن لمبارك، وكان المقصود خروجا للدولة المصرية من تاريخها وجغرافيتها كما تبين، بشر به عماد الدين أديب وهو ذاته نذير السوء حامل رسالة «كلموا المتعاطفين حتى لا تخسرونهم لدى الإرهابيين»، المتعاطف محب، والمحب درجة فى درجات التنظيم الإرهابى، وهذا معلوم له، مع هذا الضجيج الرتيب السقيم الملول من أفواه حمضية، لا يكف إعلاميون وصحفيون عن اللطم والعويل وشد الشعر، والبكاء على أزهى عصور الحرية والديمقراطية التى اعتبروها هم أنفسهم أيام الرئيس الأسبق مظاهر صارخة على الفساد والقمع والطغيان، قويت البكائيات هذه الأيام على أن الرئيس ورجال النظام فى الدولة يضيقون بالرأى الآخر، وأن الصحف لا تستطيع أن تقول كما تشاء، ومحطات فضائية محكومة برأسمال الدولة وأجهزتها، وأن المدير الحقيقى ليس الإعلامى المحترف رئيس القناة، بل رجل أمن أو مسئول فى موقع سيادى.
إذا كان هذا الكلام الذى ينشر مقموعًا فكيف قرأنا وسمعناه وشاهدناه فعرفناه؟!
صحف كثيرة كتبت عن ضغوط، ومذيعون ينوهون، وفى الوقت ذاته تمتلئ الصفحات الشاشات بموضوعات ومقالات وفيديوهات ومقابلات، معارضة ومخاصمة وفاجرة فى الخصومة، كما لا يجوز إغفال مقالات منافقة تتلمس الرضا وتلتمس الأحذية، فى أعقاب الأزمات الكبرى، الحروب والكوارث والمصائب، تطفح الغريزة الإنسانية فى أبشع صورها الحيوانية، فالإنسان الرقيق العذب الهادئ فى الظرف العادى ستراه الوحش الكاسر فى ظرف الندرة، ندرة أمان أو ندرة أمن أو ندرة طعام. ونحن ذقنا هذا الوضع فى ظرف ندرة الثلاثة، بفعل العملاء وحاملى الرايات السوداء، فى الجهات الحكومية وفى الفضائيات وفى الصحف، دواعش الفكر والميول، ندرة ثلاثية مع وفرة دولارية مخططة أحدثت الكارثة الكبرى، رد الفعل الطبيعى هو إقرار الأمن، وبسط هيبة الدولة وفرض النظام، ولا يكون ذلك بدون تكلفة لمن لا يزال يتصور أن من الممكن اعادة انتاج الفوضى التى مهدت لبروز العملاء وتفشيهم فى نخاع الدولة.
ضبط إيقاع المجتمع يستلزم صرامة القانون، ورد الأنطاع إلى صوابهم، وإعادة تعريف مفاهيم ضالة مثل: حرية التعبير ، وحرية الإعلام، وحقوق الإنسان، التوسع فى مفهومها قذف بها إلى نطاقات الفوضى والهدم والعمالة المبررة، رد المفاهيم إلى الأصول القانونية والمجتمعية يعصم الدولة من طفح خيانات أخرى ودعوات تعاطف متشعتفة أخرى، فى الوقت ذاته، ولمنع ما حذرنا منه للتو، فإن على النظام الحاكم ألا ينزلق إلى الخلط بينه وبين مفهوم الدولة، خصوصا وأن كل الدعم الذى حصل عليه ولا يزال هو دعم للدولة، وله باعتباره أول من بادر وضحى وقدم عنقه فداء للدولة بمفهومها الحضارى، تعميق الخلط والدمج، وتخطى حدود ما هو دولة، وما هو نظام، سيحمل النظام أخطاء جماعات وأفراد وجهات محسوبة عليه، ولا يرديدها مجللة بهذه الأخطاء، بل سيجد نفسه فى مواجهة معها حتى لا تدف عالدولة فاتورتهم أو يدفعها رأس النظام ذاته، ثم إننا نحب هذا الرأس ونمتن لشجاعته، وهو بالطبع وبالقطع ما لا نريد تكراره لأننا جميعا دفعنا ولا نزال ندفع الثمن!
قلت رأيى بمنتهى الحرية، وهو لحساب الوطن، منزها عن كل هوى أو طلبا لمصلحة، ولسوف يبقى كذلك.