من فرجينيا وولف إلى نضال غريبي.. لماذا ينتحر الشعراء والأدباء؟
الخميس، 03 مايو 2018 01:00 ص
تتعدد أسباب انتحار الأدباء والشعراء لكن يظل هناك عاملا مشتركا بين كل هذه الوقائع، وهوعدم تقبلهم للواقع بكل ما يحمله من آلام وقسوة ترفضها طبيعتهم المرهفة، أو يرفضها عقلهم دائم البحث عن الأسئلة القلقة التى لا إجابة لها،ما جعلهم يدخلون فى حالة نفسية سيئة وصلت إلى درجة الاكتئاب وآخرها انتحار الأديب التونسى نضال غريبى، وهو فى الثلاثين من عمره تاركا رسالة كعادة كثيريين انتحروا من الأدباء قبله يريد بها أن يصل صوته إلى من تجاهلوه وهو على قيد الحياة، فالمريض بالاكتئاب« يرى فى الانتحار النجاة وليس الموت، مثل من يلقى بنفسه من الدور العاشر للنجاة من حريق» وفق علماء النفس.
هل حاول «العقاد» الانتحار؟
ما تردد بشأن محاولة انتحار «العقاد» رواها المفكر الراحل لويس عوض فى كتابه أوراق العمر قائلا :«وكنت أعلم أن العقاد كان لا يحمل حبا كثيرا للجامعة والجامعيين ، وكان فى كلامهلا يخفى زرايته بالجامعة، وكنا نعزو غضبه على الجامعة إلى أنه لم يكن يحمل إلا الشهادة الإبتدائية ،ولعله كان يتمنى أو ربما حاول أن يكون أستاذا فى الجامعة ولو بالانتداب ولكن التشدد الجامعى المعروف فى المؤهلات الشكليةحال دون ذلك ، وقد قرأت فى بعض الكتب عن العقاد أنه كان يعلم فى الجامعة وهو كلام جهال أو أفاكين من دراويش العقاد ،فالعقاد لم يحاضر ساعة واحدة فى الجامعة ، - لاحظ أن بعض دراويش الأفغانى ينسبون إليه أنه علم فى الأزهر وهو ما لم يحدث بتاتا ومع ذلك فقد كان ما براس العقاد يربو على علم خمسة أساتذة مجتمعين من تخصصات مختلفة.
ورغم كل هذا فلا زلت فى حيرة تامة من آخر كلمات سمعتها من العقاد فى بيته قبل سفرى إلى انجلترا فنحن دائما نسخر من الأكاديميين لمغالاتهم في الاهتمام بالجزئيات العقيمة فنقول مثلا أن هذا الأستاذ قضى اربع سنوات ليضع كتابا عن «استعمال الفصلة فى انجليزية العصور الوسطى»، ولكننا لا نطلب أبدا من طالب الأدب الإنجليزى أن يدرس علاقة نداء «ورور يا فجل» بالمجتمع.
تابع لويس عوض :«وقد كنا نسمع أن العقاد بعد طرده من الوفد – يقصد حزب الوفد- فى 1935 مر بفترة عصيبة امتدت سنوات حتى انضمامه إلى السعديين فى 1938 وأنه عاش بلا مورد وعرف الضنك الحقيقى الذى جعله فيما قيل باع مكتبته وفكر فى الانتحار»
انتهى كلام الدكتور لويس عوض ، وهو ما قد يفتح بابا للنقاش حول هذه القضية التى ربما تكون هناك أخرى وجهات نظر تنفيها أو تؤكدها !
صلاح جاهين
كما تردد بشأن انتحار الشاعر ورسام كاريكاتير والسيناريست صلاح جاهين أقاويل كثيرة غالبيتها تؤكد الواقعة إلا أن مقال الناقد الراحل سمير فريد يظل كاشفا لما حدث بعد أن نشر مقالا بعنوان «عاصرت الموقف بنفسي والساكت عن الحق شيطان أخرس.. صلاح جاهين مات منتحرا».
ذاهبا فى ختام مقاله إلى أن صلاح جاهين «قاوم الاكتئاب بروحه الإنسانية العالية وسخريته المصرية الصميمة، ولكن المرض الوحشي هاجمه عام 1986م فانتحر.. وأنا لا يعنيني هنا من ينكرون انتحاره.. فقد عاصرت الموقف بنفسي والساكت عن الحق شيطان أخرس.. وعاصرت محاولات المنتج السينمائي حسين القللا وهو يأتي بالدواء المضاد للاكتئاب التي تناولها صلاح جاهين ولكنها وصلت من سويسرا بعد فوات الأوان».
أروى صالح : موتي سلاحي الأخير ضد المبتسرين وناقصي التكوين
كما أحدثت واقعة انتحار الكاتبة «أروى صالح» دويا في الوسط الثقافى ، كعادة المثقفين رأت أروى ان تلقى حجرا فى المياة الراكدة لكن على طريقتها الخاصة ، الانتحار ، ما يعنى رفض الواقع برمته ، اتخذت أروى قرار الانتحار وهو القرار جريء الذي يهرب الغالبية من اتخاذه لنوازع وأسباب عيديدة منها ما هو ديني أو جبن على الإقدام على الموت ، بكل رهبته وما يحمله من عالم مجهول .
كانت «أروى صالح» تنتمى إلى جيل السبعينات وقد لعب هذا الجيل دورا مهما في اندلاع تظاهرات الجامعات ،حيث تأثر هذا الجيل بحركة الطلاب الفرنسية في 1968 ليعرف بجيل الحركة الطلابية.
تقول الدكتورة نوال السعداوي «قبل أن تلقى أروى صالح بنفسها من الدور العاشر جاءنى صوتها عبر التليفون، قائلةً: «موتي سلاحي الأخير ضد المبتسرين وناقصي التكوين»، وتضيف السعداوي «ربما أرادت من موتها أن يكون رسالة لافتة فى تصرحات لها أن أروى صالح كان دائمة التردد على مقهى «زهرة البستان» و«أتيليه القاهرة» بوسط البلد مما جعلها ترى نفس ما كانت تعانيه «أروى»، ففهمت فيما بعد أنها تعرضت لإيذاء نفسي، تتابع السعداوى : أروى لم تبع مبادئها ولم تقايض عليها كما يفعل الكثيرون، مما دفعهم إلى النيل منها بكل قسوة».
وكشأن معظم الأدباء الذين انتحروا فقد حاولت أروى صالح أن تترك العديد من الرسائل التى ربما هدفت إلى أيصالها للمجتمع أو الرفاق الذين كانت معترضة على تحولاتهم ويظل كتابها «المبتسرون» والذى فضحت فيه تناقضات المثقفين صرخة مدوية فى وجه كل تناقضاتهم وتحولاتهم ومتاجرتهم بالشعارات.
العاصي : «جبان من يكره الموت، جبان من لا يرحب بذلك الملاك الطاهر»
أما الأديب الأديب أحمد العاصي فقد انتحر في منزله، وترك بجواره رسالة كتب فيها : "جبان من يكره الموت، جبان من لا يرحب بذلك الملاك الطاهر، إنني استعذب الموت، وهو لي كالعطر".
«العاصي» المولود في عام 1903 بمحافظة دمياط، التحق بكلية الطب لكن مرضا ما غامضا أصاب صدره جعله يتجه إلى دراسة الآداب وكان قد أصدر ديوان من جزئين بعنوان «ديون المعاصي»، و«غادة لبنان» ولكن ساءت حالته النفسية النفسية بعد تدهور حالته الصحية ما جعله يقدم على الانتحار .
إسماعيل أدهم وزع قطع الشيكولاته على الأطفال ثم قفز إلى ماء البحر بالإسكندرية
أما الكاتب إسماعيل أدهم صاحب كتيب «لماذا أنا ملحد؟ » والذى قال فيه أنه « سعيد مطمئن لهذا الإلحاد، تماما كما يشعر المؤمن بالله بالسعادة والسكينة» فقد ظل يعانى من اكتئاب شديد جاله بعد قراءة أعمال آرثر شوپنهاور.
لواقعة انتحار إسماعيل أدهم روايات عديدة منها أنه مات فى الساعة الثانية صباح الثلاثاء 23 يوليو 1940، على شاطئ البحر بالإسكندرية حيث كان بجانب الشاطئ وفي يده شوكولاته يأكلها ويوزع منها على الأطفال الذين يقابلهم في طريقه، وفجأة وجده الناس يلقى بنفسه في البحر، حاول بعض الناس أن ينقذوه لكن كل المحاولات فشلت. بعد بضع ساعات نجح البوليس والمطافي في اخراج جثته من الماء وعثر البوليس في جيبه على رسالة شخصية منه لرئيس النيابة يقول فيها أنه انتحر لزهده في الحياة وكرهه لها !
منير رمزى
أما الشاعر منير رمزى فقد في الإسكندرية، عام 1925، ويعد ديوانه «بريق الرماد»، الأشهر، لكن لم ينل حظه من الشهرة وفي عام 1945 مر بتجربة حب فاشلة، لتسؤ حالته النفسية ويطلق على نفسه الرصاص تاركًا قصيدة كعادة المنتحرين تحمل رسالة ويرثى فيها نفسه بعنوان «آلام وأحلام» قائلا فيها:« أنا ما أنا؟ لا شىء ،مخلوقٌ تتجاذبهُ الأحزانُ وترتطمُ على صخرِ قلبهِ آلامٌ وأحلامٌ ،إنني أفنى أفنى فناءً عنيفًا هادئً.
رجائى عليش: أفراد المجتمع أفلحوا أن يجعلوني أكفر بكل شيء
القاص محمد رجائي عليش، انتحر في عام 1979 بإطلاق النار على رأسه في سيارته وكان قد بعث برسالة إلى النائب العام اعتراف فيها بأنه سيقدم على الانتحارقائلا: «عشت هذه السنين الطويلة وأنا أحلم بالانتقام من أفراد المجتمع الذين أفلحوا في أن يجعلوني أكفر بكل شيء».
وفى شهر يوليو عام 1961 اطلق الكاتب الأمريكى ارنست همنجواى النارعلى رأسه وهو في قمة المجد والشهرة، ليلقى حتفه،فى منزله تاركا خلفه العديد من الروايات الشهيرة من قبيل «وداعا للسلاح» و«العجوز والبحر»، وقد حفلت كتاباته بالسوداوية والتشاؤم وحصل على جائزة نوبل فى الآداب عام 1954
فيرجينيا وولف : سأقذف نفسي أمامك غير مقهورة أيها الموت ولن أستسلم
«سأقذف نفسي أمامكَ، غير مقهورة أيها الموت، ولن أستسلم».. هكذا انهت الكاتبة الشهيرة فيرجينيا وولف روايتها «الأمواج» وهى العبارة نفسها التى وضعها زوجها على شاهد قبرها بعد أن انتحرت غرقا فى نهرأوز بلندن فى 28 مارس 1941 بسبب تدمير منزلها فى الحرب العالمية الثانية فضلا عن حوادث الموت العديدة التى شاهدتها بعينيها.
أما الكاتبة الأرجنتينية الشهيرة مارتا لينش، فقد انتحرت في منزلها عن عمر يناهز الستين، عندما وقفت أمام المرآة لتنظر إلى التجاعيد التي زحفت على وجهها، وأخرجت المسدس من حقيبتها وأطلقت النار على رأسها لتكون الشيخوخة سبب موتها.
خليل حاوى ينتحر بعد فشل مشروع الاحياء العربي واجتياح دولة للاحتلال لبنان
عندما غزت إسرائيل لبنان في صيف 1982، استل الأديب والشاعر اللبنانى خليل حاوى مسدسه ليفجر رأسه برصاصة.فقد كان مؤمنا منذ شبابه بما أطلق عليه بـ «الإحياء العربي»، وهو المشروع الذى أيقن وهو ينهى حياته أنه سيظل حلما ليس إلا فى مخيلة مفكرين وأدباء وشعراء.
«سأسقط للأبد في جوف الظلام، نبياً قتيلاً وما فاه بآية، انتحاره كان آيته».. ترك الكاتب الأردني تيسير السبول المولود في مدينة الطفيلة عام 1939 الأبيات السابقة خلفه قبل أن يطلق النار على رأسه عام 1973
نضال غريبي: أنا الآن لا شيء، تفصلني خطوة عن اللاشيءغريب أمر الموت ما أبخس ثمنه
يذكر أن الأديب التونسى نضال غريبى قد ترك رسالة مؤثرة عقب انتحاره قال فيها :«أنا الآن لا شيء، تفصلني خطوة عن اللاشيء، أو فلنقل قفزة، غريب أمر الموت ما أبخس ثمنه، دينار ونصف الدينار ثمن الحبل، وبعض السجائر، غريب أمر الحقيقة ما أبخسها ثمنها لكننا لا نرى، نملئ أبصارنا وبصائرنا دومًا بالأوهام، حتى تصير الحقيقة تفاصيل لا نراها .. نحن لا نرى غير ما نريد رؤيته، لا نرى من الأخضر غير يابسه حتّى تختلط علينا الألوان، ومفاهيمها، شأننا شأن أحبّتي، الذين رغم تواضعي يظنّون أنّني عيسى، فإذا ما صدّقوا ما ادّعوا، اختلط عليهم الأمر، فراحوا لا يفرقون بين القلب والمعصم، وصارت أوتادهم تنهمل على صدري كسهام الوغى».
تابع غريبي فى رسالته :«غريب أمرهم، بل غريب أمركم جميعًا اذ تظنُّون بموتي أنّني أناني، لكنني في الحقيقة أبعد ما يمكن عن الأنانية، دققوا في التفاصيل، لو كنت كما تدّعون لكنت التهمت ما استطعت من أدوية أمي المريضة ورحلت، لكنني أعلم على يقين أنّ عائلتي المسكينة ستنصرف إلى مراسم دفني وقبول التعازي، وسينسون بالتأكيد أن يشتروا لها دواء بدل الذي دفن في معدتي، لكنني لم أفعل، لو كنت بالأنانية التي تدّعون، لكنت رميت بنفسي أمام سيارة على عجل، أو من فوق بناية عالية، لكن، حرصا مني أن لا تتلف أعضائي، التي أوصي بالتبرع بما صلح منها، لم أفعل ،سادتي، أحبّتي، عائلتي المضيّقة والموسّعة، أوصيكم بأنفسكم خيرا، وبأولادكم حبّا .. أحبّوهم لأنفسهم، لا تحبّوهم لتواصل أنفسكم فيهم، اختاروا لهم من الأسماء أعظمها وأرقاها، وكونوا شديدي الحرص في ذلك .. فالمرء سادتي رهين لاسمه، شأني، أمضيت عقودي الثلاثة بين نضال وضلالة وغربة .. علّموا أطفالكم أنّ الحبّ ليس بحرام، وأنّ الفنّ ليس بميوعة، لا تستثمروا من أجلهم، بل استثمروا فيهم، علموهم حب الموسيقى والكتب ،السّاعة الآن الرابعة بعد الظهر، من السابع والعشرون من مارس سبعة عشر وألفين، أفارقكم عن سن تناهز أسبوعان وأربع أشهر واثنان وثلاثون سنة ،أحبكم جميعا دون استثناء، وأخص بالذكر هيرا، تلك العشرينية إيناس، تلك البريئة التي شيطنتها الحياة وحبي ،آسف من الجميع».