مثقفات المزين
الثلاثاء، 01 مايو 2018 08:15 م
أن تلبسي فستاناً قصيراً، وتكتبي حديثاً فارغاً لا يجيزك حتى هاوية، فيستدعيك أحد هؤلاء الناظرين إلى نصفك الأسفل، ليكرمك ويمنحك جائزة كاتبة عام لم يبدأ بعد ومثقفة قرن لم يمض ربعه، فاعلمي أنك على طريق الإثارة لا الثقافة، ثقي أنك ستنجحي في جذب آلاف لا حصر لها من «اللايكات» و«الآهات» و«الشير» و«الكومنتات»، ولكنك لن تنجحي يوماً في أن يتذكرك أحدهم بجملة رسخت في ذهنه ووجدانه، سينكشف أمرك وعقلك وجمهورك الزائف عندما تشتبكين مع شبيهة لك، ويعجز واحد من آلاف المقيمين بصفحتك المسبحين بجمال شفاهك ورشاقة خصرك في إثبات حقك بالحجة والبرهان لملكية جملة بسيطة، شقيقتي التي لم تجتز الصف الثاني الثانوي تكتب جملاً وموضوعات تعبير أعمق وأكثر صعوبة منها.
أفقت من التركيز في صياغة أحد التقارير الصحفية، على نقاش حاد بين اثنين من الزملاء حول تشاجر اثنين من نجمات «فيس بوك» - بملابسهم المثيرة لا شيء آخر- على أحقية كل منهما في الملكية الفكرية لجملة تلقى قبولاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وكل منهما تتهم الأخرى بالسرقة والسطحية والجهل.
ظننت أن واحدة منهم قالت عبارة تقترب في معناها من «جوع كلبك يتبعك»، أو «أبصر من زرقاء اليمامة»، أو«رجع بخفي حنين»، أو لأنهن بنات عصرهن، وأتاهن الله من لم يؤته غيرهما من العلم والمعرفة المعاصرة فكتبا شيئاً شبيهاً بـ« يودع سره في اضعف خلقه»، أو «من جاور الحداد، انكوى بناره»، أو أنهم متقدمتان على ذلك كله، وأكثر ميلاً إلى مقتضيات سنهما، واللغة الرائجة بين شبابه فقالا شيئاً أشبه بـ«ما فعله العيان بالميت»، إلا أن كل ذلك كان ظناً –وليس هناك أكبر من ذلك إثم- تبخر بالإطلاع على صفحتيهما، واكتشاف أن الجنازة الحارة على جملة «شغف البدايات».
لو أن العبقري نجيب سرور حياً بيننا وله صفحة على موقع التواصل الاجتماعي، وشاهد هذه المشاجرة، لما اكتفى بواحدة من ممنوعاته في وصف هاتين النجمتين، كانا على الأقل سيكتب ما لا يقل عن 400 بيتاً في دمامة سلوكهما، وسطحية عقليتهما.
ما الفرق بين شغف البدايات، وارتباك البدايات، والحب في البدايات، وما الإبداع في هذه الجملة، وما رأيكما في أن الفنان محمود درويش، قال قبل أن تولدا «لا أريد من الحب غير البداية»، ما التغيير الذي طرأ على المجتمع بالولادة المتعثرة لهذه الجملة البائسة، أم أنها ستكون فاصلة في جائزة العام من قبل صديقكما «المزين».
«المزين» الذي نقصده هنا هو صاحب أحد الصالونات الثقافية الغبراء، كل عام له أكثر من حفلتين لتكريم عدد من المدعين والمدعات –إلا قليل منهم لا يعرفون حقيقة المزين- في مجالات متعددة، معروف عنه تحرشه بمن تلمع في عينيه ممن يكرمهن، وكان صاحب الفضل الأول والأكبر في تقديم هاتين النجمتين إلى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، ومنحهم جوائز ما سمعنا عنها في مجلة ميكي، ليستحقا عن جدارة لقب مثقفتي صالون وعصر وفترة «المزين».