اقتصاديون يتحاورون حول أول مؤشر لقياس العدالة الاجتماعية فى مصر
الأربعاء، 02 مايو 2018 04:00 صكتبت - ماجدة خضر
عثمان: العدالة الاجتماعية ليست مجرد مسكنات لمشكلات الفقر بتوزيع سلع وكراتين
الحكومة تستورد «ياميش» بـ500 مليون جنيه سنويا بما يعادل بناء 2500 فصل كل عام
عبلة عبداللطيف: مفهوم العدالة شهد جدلًا واسعًا أثناء كتابة الدستور وبه 18 مادة تتحدث عنه
فى محاولة لقياس العدالة الاجتماعية فى مصر، تم منذ أيام إطلاق نتائج أول مؤشر من نوعه فى مصر لقياس العدالة الاجتماعية، وهو مؤشر مبدئى يحتاج إلى جهد أكبر ليعبر عن واقع العدالة الاجتماعية.
ويرى سياسيون واقتصاديون أن مفهوم العدالة يعنى تحقيق نظام اقتصادى واجتماعى يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، والعدالة تمثل أحد النظم الاجتماعيّة التى من خلالها يتم تحقيق المساواة بين جميع أفراد المجتمع من حيث المساواة فى فرص العمل، وتوزيع الثروات، والامتيازات والحقوق السياسية، وفرص التعليم، والرعاية الصحيّة وغير ذلك.
عقد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية ندوة بعنوان: «محاولة لقياس العدالة الاجتماعية» تم الإعلان خلالها عن المؤشر الجديد الذى صممه الدكتور ماجد عثمان، الرئيس التنفيذى للمركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة»، وأظهرت نتائجه أن المؤشر العام لحالة العدالة الاجتماعية فى مصر هو 2.28، موضحا أن المؤشر يبدأ من 1 إلى 10، وكلما اقترب الرقم من 10 كلما ساءت حالة العدالة الاجتماعية وإن كانت الأرقام تزيد بدرجة كبيرة عند النظر لمتغيرات بعينها، مثل الثقافة، والمشاركة، والقدرة على الوصول إلى المعلومات، والثقة فى المؤسسات.
وقال عثمان، إن الفجوة الأكبر تتركز فى الثروة والدخل بين أفقر 20% من المواطنين، وأغنى 20% فيما يتعلق بالثقافة والمشاركة بين الحضر والريف، مؤكدا أن العدالة الاجتماعية ليست موقفا أخلاقيا نتبناه عندما نستطيع، ولكنها ضرورة تنموية لا يمكن تأجيلها.
وعرّف عثمان العدالة الاجتماعية بأنها ليست مجرد مسكنات لمشكلات الفقر بتوزيع سلع وكراتين، ولكن العدالة الاجتماعية بمعناها الشامل تتحقق عندما تسود المجتمع فرص متكافئة للحراك الاجتماعى يتمكن بمقتضاها أى فرد من أفراد المجتمع الارتقاء إلى مرتبة اقتصادية أو اجتماعية أعلى بناء على معايير الجدارة ويتلاشى التمييز ضد أى من أفراد المجتمع بسبب النوع الاجتماعى أو الدين أو العرق أو الطبقة أو العمر أو المهنة أو لون البشرة، وتصل العدالة الاجتماعية إلى أقصاها عندما يرتبط الحراك الاجتماعى بدرجة كاملة بالجدارة والاستحقاق.
وأكد أنه فى معظم الأحيان يكون الحديث عن العدالة الاجتماعية فضفاض وغير محدد، والبعض يبالغ فى التفكير بأن تحقيق العدالة الاجتماعية يحتاج إلى موارد ضخمة لتحقيقها، لافتا إلى أن الدستور المصرى يتضمن 18 مادة تتحدث عن العدالة الاجتماعية وكانت مطلبا شعبيا فى الثورتين ومكونا رئيسيا فى وثيقة سياسية وهى رؤية ٢٠-٣٠.
ونوه «عثمان» إلى أن العدالة الاجتماعية ليست فقط موقفا أخلاقيا نتبناه عندما نستطيع، ولكنها ضرورة اجتماعية، مشيرا إلى أن الحديث عن ضعف موارد الدولة لا يجب أن يعطل تحقيق العدالة الاجتماعية، لأن الأمر فى النهاية يعتمد على تحديد الأولويات.
وأشار إلى أن الحكومة أنفقت 500 مليون جنيه العام الماضى كدعم إضافى للسلع التموينية خلال شهر رمضان، وهو ما يمكن أن يوجه كمصروفات دراسية لـ٣٠٠ ألف طفل فقير فى الحضانة، وضرب مثلا آخر باستيراد ياميش رمضان بالعملة الصعبة بما يعادل حوالى 500 مليون جنيه سنويا، وهو ما يمكن أن يعادل بناء 2500 فصل سنويا تستوعب 100 ألف تلميذ لا يحصل على حقه فى التعليم.
وبحسب المؤشر الذى صممه عثمان، فهناك 5 فجوات يعانى منها المجتمع تتمثل فى فجوة الثروة، وفجوة النوع الاجتماعى، والفجوة المكانية، والفجوة الجيلية، والفجوة الجسمانية، ويتم قياس العدالة الاجتماعية ومدى اتساع هذه الفجوات من خلال مجموعة مؤشرات رئيسية تنقسم إلى قسمين، أولهما رأس مال بشرى، ورأس مال اجتماعى، ويتضمن القسم الأول الوصول إلى التعليم، والصحة، والثقافة، والتشغيل، والمعلومات، فى حين يتضمن القسم الثانى تحقيق العدالة، والمشاركة، والرضا، والثقة، والأمان.
من جانبها أكدت الدكتورة عبلة عبداللطيف المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز، على ضرورة اقتران العدالة الاجتماعية بالنمو الاقتصادى عند الحديث عن التنمية المستدامة، لافتة إلى أن تعريف العدالة الاجتماعية شهد جدلا واسعا أثناء كتابة دستور مصر لعام 2014، وكان يرى غير الاقتصاديين أنه يقتصر على مجرد تقليل الفقر، فى حين أنه يتضمن العديد من الحقوق مثل الشفافية والحرية الاقتصادية والتعليم والصحة، ومن هنا جاءت أهمية استحداث مؤشر لقياس حالة العدالة الاجتماعية فى مصر.
وأشارت «عبداللطيف» إلى قيام المركز المصرى للدراسات الاقتصادية بعمل إضافات على المؤشر الأصلى، تتعلق بإضافة 3 أبعاد قياس جديدة فى جانب رأس المال الاجتماعى والثقافى هى: الدين (إجمالى الدين الخارجى كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى)، والبحوث والتطوير، والبيئة، بالإضافة إلى إضافة متغير جديد لبعد الصحة يتمثل فى القدرة الفعلية لمحطات الصرف الصحى للفرد، حيث يغيب الصرف الصحى بوضوح عن 80% من قرى مصر، وتؤثر هذه المتغيرات بصورة مباشرة على حالة العدالة الاجتماعية، كما قام المركز بإضافة أوزان مختلفة للمتغيرات وإعادة حساب نتائج المؤشر.
وأعربت الدراسة عن القلق من تأثير تزايد حجم الدين على العدالة الاجتماعية، خاصة أن خدمة هذا الدين تحمل الموازنة الجديدة للسنة المالية المقبلة 2018/2019 مبلغ 541 مليار جنيه، وهو ما يعادل ضعفى موازنة الأجور، و5 أضعاف موازنة التعليم، و9 أضعاف موازنة الصحة لنفس السنة، وبإعادة حساب النتائج بعد إضافة الأوزان والمتغيرات، انتهت إلى أن هناك زيادة فى درجة عدم المساواة.
وطرحت الدراسة مجموعة من التساؤلات للنقاش حول أهم المتغيرات الإضافية التى يمكن إضافتها للمؤشر؟ وما هى الأوزان المناسبة لإظهار الحالة الحقيقية للعدالة الاجتماعية؟ وهل يمكن إضافة متغيرات قياس الدخل بدلا من إدخالها فى المؤشر كفجوة؟ (وذلك لتوفر البيانات وبالتالى زيادة إمكانية قياس المؤشر بصفة دورية.)
فيما أشار الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إلى أن هناك شواهد تشير إلى غياب العدالة الاجتماعية فى مصر، ولكن هذا أمر طبيعى بسبب زيادة التحول نحو الرأسمالية، مؤكدا أن هدف العدالة الاجتماعية هو التمكين وحصول المواطنين على فرص متكافئة، وهذا لا يحدث، مؤكدا أن هناك أصوات نادت بتطبيق الضريبة التصاعدية وفرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية، إلا أن الحكومة لم تستجب، موضحا أن العدالة تتطلب إعادة توزيع الثروة وليس الإبقاء على الدعم فقط.
من جانبه قال الدكتور راجى أسعد أستاذ السياسات العامة بجامعة مينيسوتا الأمريكية، أن هناك أهمية كبيرة لعمل مؤشر للعدالة الاجتماعية ويكون أحد أهداف السياسات العامة وتجرى مناقشات حوله، ومن المهم جدا عمل مقارنات دولية لنعرف موقعنا من العالم فى هذا الاتجاه، لأنه دائما ما نأتى فى ترتيب متراجع بالمؤشرات الدولية.
وأضاف أسعد أن الناحية الاقتصادية غير ممثلة فى المؤشر بالقدر الكافى، مشددا على أهمية عنصر الدخل ومستوى المعيشة، والوصول إلى الخدمات الأساسية مثل المياه والغاز الطبيعى أو الطاقة والصرف الصحى، كما أن عنصر السكن غير موجود بالمؤشر ويحتاج لإضافته.
وأوضح أستاذ السياسات العامة، أن المؤشرات الخاصة بالآراء الشخصية غير القابلة للقياس غالبا ما تظهر عكس الحقيقة، ضاربا المثل بحالة الفقراء الذين لديهم حالة أكبر من الرضا والثقة نتيجة انخفاض تطلعاتهم، بعكس ذوى الدخول الأعلى حيث تكون تطلعاتهم أكبر، وهو عكس الحقيقة.
وأشار إلى أن أهم الصعوبات التى تواجه عمل هذا المؤشر بصورة دورية، أن الكثير من مصادر البيانات التى يتم الاعتماد عليها غير دورية، داعيا لاستخدام مسح القوى العاملة الذى يحوى العديد من البيانات الهامة.
أما الدكتورة هانيا شلقامى الأستاذ المشارك بمركز الأبحاث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية، فقد أكدت على وجود صعوبة فى قياس الفروض غير النظرية، متسائلة هل الشعور بالعدالة أهم من العدالة ؟ واقترحت إضافة بعد متعلق بالنقل، مشيرة إلى أن العدالة بين الأجيال فيما يخص الدين العام الذى يعد كابوسا وتوابعه ضخمة على التنمية البشرية، واصطلحت ما يسمى بـ«الدين العام البيئى»، وهو أننا نقترض من المستقبل لاستهلاك الموارد المتاحة حاليا.