انشقاق القمر.. عندما سخر الله العوالم العلوية لإظهار نبيه
الإثنين، 30 أبريل 2018 11:00 ص
تحتفل الأمة الإسلامية الليلة بليلة النصف من شعبان، وهي ليلة من أبرز الليالي في التاريخ الإسلامي، حيث حدث بها حدثين مهمين، الأول في مكة وهو معجزة انشقاق القمر، والثاني في المدينة وهو تحويل القبلة.
انشقاق البدر
خلد الله عز وجل هذه المعجزة الكونية الفريدة في كتابه فقال "اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ"، وذكرها البخاري ومسلم في صحيحيهما أن أهل مكة سألوا رسول الله أن يُرِيَهُم آية فأراهُمُ القمرَ شقتين حتى رأوا حِرَاءَ بينهما.
فكيف حدث ذلك؟قال الحافظ أبو نعيم وابن كثير فى البداية والنهاية والقسطلانى فى المواهب، عن ابن عباس قوله: اجتمع المشركون إلى رسول الله منهم الوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، والعاص بن وائل، والعاص بن هشام، والأسود بن عبد يغوث، والأسود ابن المطلب، وزمعة بن الأسود، والنَّضر بن الحارث، ونظراؤهم. فقالوا للنبى: إن كنت صادقًا فشُقَّ لنا القمر فِرْقَتَيْنِ نصفًا على أبى قُبَيْسٍ، ونصفًا على قُعَيْقِعَان. فقال لهم النبى: (إن فعلتُ تؤمنوا؟). قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر، فسأل اللهَ أن يُعْطِيَهُ ما سألوا، فأمسى القمرُ قد سُلِبَ نصفًا على أبى قُبَيْسٍ ونصفًا على قُعَيْقِعَان، ورسول الله ينادى: يا أبا سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبى الأرقم اشهدوا.
كيف اجتمعوا؟
ذكرت إحدى الروايات أن جبريل عليه السلام نزل للنبي لما طلب منه المشركون أية، وطلب منه جمعهم، فقد ذكر أبو نعيم وابن كثير: انتهى أهل مكة إلى رسول الله فقالوا: هل من آية نعرف بها أنك رسول الله؟ فهبط جبريل فقال: يا محمد قل لأهل مكة أن يحتفلوا (يجتمعوا) هذه الليلة فَسَيَرَوْا آية، فأخبرهم رسول الله بما قاله جبريل، فخرجوا ليلة أربع عشرة، (أى: من شعبان)، فانشق القمر نصفين: نصفًا على الصفا، ونصفًا على المروة، فنظروا، ثم قاموا بأبصارهم فمسحوها، ثم أعادوا النظر فنظروا ثم مسحوا أعينَهُم ثم نظروا. فقالوا: يا محمد ما هذا إلا سحرٌ فأنزل تعالى: "اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَر".
سحر العيون
حدوث هذه المعجزة الفريدة، جعل مشركو مكة يتشككون في حدوثها، وقالوا سحرنا محمد، فقد روى الإمام أحمد وابن جرير الطبرى عن جبير بن مُطْعِمِ قال: انشق القمر على عهد رسول الله فصار فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةً على هذا الجبل، وفِرْقَةً على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، وقالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يَسْحَرَ الناس كلَّهم.
حضور اليهود
وذكر أبو نعيم وابن كثير: جاءت أحبار اليهود إلى رسول الله فقالوا: أرنا آية حتى نؤمن بها، فسأل ربَّه فأراهم القمر قد انشق بجزئين، أحدهما على الصفا والآخر على المروة، قدر ما بين العصر إلى الليل، ينظرون إليه ثم غاب. فقالوا: هذا سحر مفترى.
معجزة فريدة
علق العزمي في السيرة النبوية أن هذه المعجزة رآها اليهود والمشركون وكان جوابهم أن هذا الذى رَأَوْهُ سِحْرٌ مُفْتَرَى، وللجمع بين الروايات نقول: إن اليهودَ يعرفون أن معجزات السابقين جميعًا تنحصر فى العوالم الأرضية، ولم يَثْبُتْ لأحد من السابقين أن سُخِّرَتْ له العوالم العلوية فى معجزة، فأصحاب الطلب أو الفكرة هم اليهود وَأَوْحُوا بها إلى المشركين فى مكة، ظنًّا منهم أن المصطفى يتساوى مع غيره فى العطاء، ولن تُسَخَّرَ له العوالم العلوية.
كيف تميز النبي بها؟
وأوضح العزمي أن معجزة انشقاق القمر كان فيها التميز لسيدنا رسول الله من عدة جوانب:
1- تسخير العوالم العلوية له دون سائر السابقين، قال الإمام السيوطى فى الخصائص، والقسطلانى في المواهب اللدنية: انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يَعْدِلُهَا شىء من آيات الأنبياء، وذلك أنه ظهر فى ملكوت السماء خارجًا من جملة طباع ما فى هذا العالم المُرَكَّبِ من الطبائع، فليس مما يطمع فى الوصول إليه بحيلة، فلذلك صار البرهان به أظهر.
2- كانت معجزة كل نبى سابق إذا وقعت عامة أعقبت هلاكَ من كَذَّبَ بها من قومه، وسيدنا ومولانا محمد بُعِثَ رحمة للعالمين فلم يعاقبهمُ الله إكرامًا لوجود النبي فيهم. قال تعالى: "وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِم" (الأنفال: 33).
3- أنها معجزة عالمية، لم تكن خاصة بأهل مكة فقط، بل رآها كثير من أهل الأرض، بعكس السابقين من الأنبياء والمرسلين كانت معجزاتهم محصورةً فى أقوامهم، والدليل على ذلك ما يلى:
أ- ذكر ابن كثير فى البداية والنهاية: "شوهدت هذه المعجزة فى كثير من بِقَاع الأرض، ويقال: إنه أُرِّخَ ذلك فى بعض بلاد الهند، وبُنِىَ بناء تلك الليلة وأُرِّخَ بليلة انشقاق القمر".
ب- ذكر أبو داود الطيالسى والبيهقى وأبو نعيم والسيوطى والذهبى وابن كثير والقسطلانى: انشقَّ القمر بمكة حتى صار فِرْقَتَيْنِ. فقال كفار قريش لأهل مكة: هذا سِحْرٌ سَحَرَكُمْ به ابن أبى كبشة (يقصدون النبي)، انظروا السِّفَارَ (أى: المسافرين)، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صَدَقَ، وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سِحْرٌ سَحَرَكُمْ به. فسئل السِّفَارُ - وقدموا من كل جهة - فقالوا : رأينا.
ووصف النبي بـ"ابن أبى كبشة" قيل: نسبه لجدُّه من جهة والدته السيدة آمنة، كما ذكر القرطبي والبغوي والشوكاني، وقيل: نسبة إلى زوج مرضعته حليمة السعدية، كما ذكر ابن عبدالبر في الاستيعاب.