الفلاح والمعلم وقوة وضعف مصر
الأحد، 29 أبريل 2018 01:38 م
لكل أمه خصائص من السمات والصفات المتوارثة بيئية وأجتماعية وأقتصادية وسياسية ، ويخطئ من يعتمد في تخطيطه علي تجارب الغير المختلف في تلك الخصائص.
فقديماً قامت حضارة مصر علي ضفاف النيل بالزراعة ومن ثم تم بناء الأمبراطورية المصرية التي كانت أحد محاورها الأساسية هي ثقافة الزراعة، ومن ذلك الحين أصبح للفلاح المصري خصائص ثقافية في التعامل مع الأرض والزراعة ومنها طرق الري وأنواع المحاصيل وأرتباطها بالسنة الشمسية.
ولذلك أقام محمد علي نهضته في مصر علي الزراعة مستغلأ تلك الخصائص وما تمتلكه من من قدرات كبيرة في هذا الجانب، فقد غرس محمد علي في أنحاء القطر المصري العديد من الأشجار على أختلاف أنواعها لأستخدام أخشابها في بناء السفن وأعمال العمران وإقامة السواقي وصنع عربات المدافع والسفن الحربية، وأيصا قام بتجويد بعض المحاصيل الأخري مثل القطن الذي أصبح عنوان مصري خالص على مستوي العالم ومعه بعض المحاصيل الاخري. وصاحب ذلك ثروة حيوانية متنوعة هائلة لتوفير اللحوم ومنتجات الألبان كأمن قومي غذائي.
وتزامن مع ذلك الأهتمام بالمعلم والتعليم فقام بإحياء الثقافة والأداب عن طريق نشر قصور الثقافة ومنابر العلوم وبناء المدارس في مختلف ربوع مصر، وإيفاد البعثات التعليمية إلى الخارج ، هنا كان التخطيط السليم لصناعة تنمية شاملة مستدامة في جميع الأتجاهات والتي أستمرت طويلاً، وتعتبر فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر وقانون الإصلاح الزراعى الأول والذى صدر فى 9 سبتمبر 1952، وما أتخذ لصالح الفلاح والزراعة بجانب مجانية التعليم، هو تصويب لبعض عوامل التعرية التي ضربت استراتيجية تلك التنمية.
ولكن بعد مجئ الرئيس السادات إلى الحكم وعندما طبق نظرية الأصلاح الأقتصادي لم يراعي خصائص مصر التي تكلمنا عنها، فتركت نظريته سلبيات كبيرة علي المجتمع المصري، ومن بعده مبارك وتجاهل نظامه او بالحري عدم معرفته بتلك الخصائص، والأسوء من ذلك هي القوانين التي صدرت ضد الزراعة المصرية، ففى الرابع و العشرين من يونيو 1992 أصدر مجلس الشعب المصرى قانون 96/1992 بتعديل بعض أحكام قانون 178/1952. الأخير هو قانون الإصلاح الزراعى الأول أما تعديلاته فعرفت رسميا بقانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأراضى الزراعية وعرفت لدى الفلاحين بقانون طرد المستأجرين. أعطى القانون الجديد مهلة خمس سنوات انقضت فى الأول من أكتوبر 1997 وهو اليوم الذى فقد فيه ما يقرب من مليون عائلة أراضى كانوا حتى صدور القانون يتمتعون فيها بحيازة آمنة. الغالبية الساحقة منهم كانوا من صغار المزارعين الفقراء وبفقدان الأرض فقدوا مصدرا رئيسيا لرزقهم ولأمانهم الغذائى ايضا.
هنا كانت البداية الحقيقة لتغير تركيبة تلك الخصائص التي ارتكزت عليها الدولة منذ نشئتها، كل ذلك وما صاحبه من تدهور في العملية التعليمية بمحتوياتها الثلاث المعلم والمدرسة والمنهج، مع أهمال باقي مكونات العملية من علوم وأدب وثقافة.
ولذلك جاء النظام الحالي محاولاً البناء علي تلك الخصائص القديمة وظهر ذلك في الأهتمام بالزراعة وأستصلاح مليون ونصف فدان كأرض زراعية، لكن المشكلة التي واجهت النظام في ذلك هو عدم وجود ثقافة الفلاح التي تزرع تلك الارض، فقد رحل منذ عشرين عام واصبح يد عامله عشوائية في مهن اخري، ومعه أنقرضت الثرة الحيوانية.
هنا تكمن مشكلة مصر الغذائية والتي نعاني منها اليوم وانعكاساتها علي كل المجالات الأخري ، والحل ليس في النظريات العلمية الزراعية التي لا تتواكب مع خصائص مصر لكن الحل في كيفية إحياء ثقافة الفلاح مرة أخري.
وبالفعل يحاول النظام أيضاً أصلاح التعليم لكن معطيات المسئولين التي تغيرت خصائصها منذ عهد السادات إلى الان، لا تتوافق مع حاجة مصر الحقيقة لذلك الأصلاح، فأنا اري ان مشكلة التعليم تكمن في تركيبة خصائص المسئول ومن معه ، فالتغير الذي يحاول أن يقوم به الوزير الحالي ومن كان قبله هو تغير شكلي لأثبات حالة، وليس تغير مضمون لبناء مجتمع.
قالتغير السليم والحقيقي يبدأ بإحياء خصائص ودور المعلم وتركيبته الوطنية والعلمية التي كانت متواجده إلى وقت قريب مع رجوع تلك الخصائص الي داخل المنهج المصري ، هنا المعني الحقيق لكيفية البناء والاعتماد علي عوامل القوة داخل الخصائص المصرية.