لمن النصر اليوم فى سوريا؟
الثلاثاء، 24 أبريل 2018 03:00 مكتب - عبدالفتاح على
ألعاب ترامب النارية.. نجحت فى تثبيت تفوق الجيش السورى وحلفائه على الأرض
سر إصرار الجناح المتشدد فى جيش الإسلام على عدم تنفيذ اتفاق التسوية فى دوما
بعد العدوان بساعات ظهر الأسد واثقا وعاود الجيش السورى انتصاراته الميدانية
قبل أن ينتهى الاسبوع الأول من شهر إبريل، شن الطيران الحربى السورى غارات جوية عنيفة على معاقل الجناح المتشدد من جيش الإسلام المتطرف فى مدينة دوما، ذلك الجناح الذى رفض اتفاق المصالحة، وأصر على أن تدور رحى الحرب، بدلا من اتفاق التسوية والانتقال إلى الحضن التركى فى جرابلس.
كان الهدف دفع الجيش السورى لشن الغارات، للوقوع فى كمين الكيماوى الذى سبق ونصب من قبل فى مناطق عدة، ووفقا للبيانات «الغربية» فقد أدت الضربات إلى ما يزيد على 200 قتيل وآلاف الجرحى.
قبل أكثر من سنتين، وفى نفس المكان أيضا، خرجت بيانات «غربية» تشير إلى هجوم كيماوى عنيف راح ضحيته 1400 ما بين قتيل وجريح، وقبل أن تنفذ ضد دمشق عدوانا صاروخيا، توصلت موسكو إلى اتفاق يقضى بتسليم مخزون السلاح الكيماوى السورى، وهو ما حدث بالفعل تحت إشراف منظمة حظر السلاح الكيماوى.
وفى الأسبوع الأول من إبريل من العام الماضى خرجت بيانات «غربية» تقول إن الجيش السورى استخدم سلاحا كيماويا ضد المدنيين فى خان شيخون جنوب إدلب، راح ضحيته 100 قتيل، ما أتبعه بهجمة أمريكية أحادية، قصفت فيه مطار الشعيرات، بعشرات الصواريخ من نوع «كروز».
فى عملية كيماوى دوما الثانية، سبقت تغريدات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، صواريخه، فشن سبابا ضد الرئبس السورى بشار الأسد، وتعريضا بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، مذكرا الجميع بخطيئة أوباما التى وصفها بأنها المسئولة عن كل الانتهاكات الإنسانية فى سوريا.
لم يتوقف ترامب عند هذا الحد، بل غرد ساخرا من التهديدات الروسية التى توعدت بالرد على أى اعتداءات تطول الأراضى السورية، قائلًا: «استعدى يا روسيا، صواريخنا اللطيفة والذكية قادمة».
لكن حدة تغريدات ترامب خفت، حين غرد نافيا أنه وعد بشن ضربة ضد الحكومة السورية، ثم ترك الباب مواربا عندما قال «إن الأمر قد يكون قريبا جدا أو لا يكون»، ولم ينس ترامب طبعا أن يذكر الجميع بأن إدارة أوباما التى «تهاونت» مع الأسد هى المسئولة عن تردى الأوضاع فى سوريا.
ثم حدث المتوقع، وأعلن ترامب فى بيان تليفزيونى توجيه ضربة صاروخية تهدف للحد من قدرة الأسد على شن هجوم كيماوى، فكانت الضربة التى قصفت مركز الأبحاث العلمية فى حى برزة شمال شرقى دمشق، ومنشأة تخزين للأسلحة الكيماوية قرب مدينة حمص.
ومن خلال 110 صواريخ ذكية ودقيقة أكثر من نصفها ذهب لمراكز تخزين الكيماوى «المزعوم» لم يمت إنسان واحد حتى «خنقا» من أتربة الغارات الجوية، فما بالك بغازات مخازن الكيماوى المنفجرة.
كثير من المعلقين شنوا برامج السخرية والتهكم على إطلاق 110 صواريخ، لم تنجح إلا فى إشعال قليل من الإضاءة فى السماء وهى فى طريقها نحو أهدافها، ولم يسعد أحد بتلك الألعاب النارية، فلم يرها سوى عدد قليل من المستيقظين فجر يوم تنفيذ العدوان الثلاثى على سوريا.
هل تبدل الموقف؟ هل تغيرت المعادلات على الأرض؟
بالطبع لا، فما كان قبل الضربة لم يختلف نهائيا عما بعدها، فظلت السيطرة الروسية على حالها، والوجود الإيرانى على حاله، والتقدم العسكرى للجيش السورى مستمرا، والدرس الوحيد المستفاد من الضربة أنه لا يمكن فرض واقع جديد دوليا فى سوريا.
الرئيس السورى ظهر صباح يوم الضربة، وكأن الألعاب النارية لم تلفت نظره كمقاوم، قائلا: «هذا العدوان لن يزيد سوريا والشعب السورى إلا تصميمًا على الاستمرار فى محاربة الإرهاب وسحقه فى كل شبر من تراب الوطن».
وبعد الضربة بساعات، تحرك الجيش السورى نحو معقل جديد للجماعات المسلحة فى ريفى حمص وحماة، وأعلن الإعلام الحربى عن تحرير قرى ومساحات جديدة، بعد وقت قليل من تصريحات مندوب سوريا الدائم فى مجلس الأمن بشار الجعفرى قال فيها إن بلاده وحلفاءها الكثر سيتكفلون بالرد على العدوان الثلاثى على سوريا.
حتى رامى عبد الرحمن، مدير المرصد السورى لحقوق الإنسان المعارض قال: إن نظام بشار الأسد استفاد من هذه الضربة بشكل أكبر على الصعيد الشعبى، من خلال كسب تأييد أكبر من الشارع، بعد مظاهرات مؤيدة للأسد فى دمشق وغيرها بعد الضربة العسكرية، بثتها الوكالة الرسمية السورية «سانا».
وبعد تنفيذ ترامب تهديداته، وكأنها ترفع ورقة التوت الأخيرة عن مؤخرة الرئيس الأمريكى، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن موسكو ستعيد بحث مسألة تسليم النظام السورى منظومة صواريخ دفاع جوى إس- 300 بعد العدوان الثلاثى، وقال رئيس غرفة العمليات فى هيئة الأركان الروسية «سيرغى رودسكوى»: إن موسكو «طورت منظومة الدفاع الجوى السورى، وستعود لتطويرها بشكل أفضل».
تستطيع هذه المنظومة ضرب وإصابة 24 طائرة معادية بما فيها طائرات الشبح، من على بعدٍ يصل إلى 400 كيلومتر فى لحظة واحدة، أو إسقاط 16 صاروخا باليستيا تحلق بسرعة تصل إلى 4500 متر فى الثانية.
لخص جميل عفيفى فى تحليله بصحيفة الأهرام تلك الضربة فى نقاط محددة: أولا: الضربة بالفعل موجهة لتخفيف الضغط عن الجماعات والتنظيمات الإرهابية الموجودة على الأراضى السورية وبعد النجاحات العديدة التى حققها الجيش السورى فى هذا الاتجاه.
ثانيا: اتخذت الولايات المتحدة قرارها بناء على تقارير إعلامية عن استخدام النظام السورى للسلاح الكيماوى، رغم نفى سورى وروسى، مع العلم أن جميع الصور فى الغالب تكون مفبركة، وهذا ما شاهدناه كثيرا خلال السنوات الماضية وفى ثورات الربيع العربى.
ثالثا: تخيلت الولايات المتحدة أنها قد تفعل بسوريا مثلما كانت تفعل فى العراق، معتقدة أن الجيش السورى فى مرحلة الانهيار والإنهاك بعد 7 سنوات من الحرب، إلا أن هناك اختلافا واضحا بين الموقفين. فالجيش العراقى نُفذت عليه حرب استنزافية لمدة 12 عاما من عام 1991 وحتى عام 2003، وكان هناك حصار اقتصادى على الدولة بشكل كبير، ولم يصمد أمام الغزو فى عام 2003، أما بالنسبة للجيش السورى فقوامه لم يهتز حتى الآن وتسليحه جيد، خاصة الشرقى منه، لذا فقد تصدى للعدوان الثلاثى.
رابعا: أثبتت أنظمة الدفاع الجوى السورية «روسية الصنع» فاعليتها وهى من طرازات إس 125» و«إس 200»، و«بوك» و«كافدرات» روسية الصنع واستطاعت أن توقف العدوان بشكل كبير.
خامسا: الفترة ما بين إعلان الولايات المتحدة عن نيتها توجيه ضربة والتنفيذ كانت كافية لترتيب الوضع بين صفوف الجيش السورى والاستعداد الجيد لتلك العملية فى جميع المواقع، خاصة الدفاع الجوى.
سادسا: عملت الآلة الاعلامية الغربية بسرعة فى نقل صورة غير حقيقية على أرض الواقع، وأكدت أن الضربة حققت أهدافها بالكامل، على الرغم من فشل الضربة طبقا للحسابات العسكرية.
سابعا: مع أن سوريا استُهدفت بالصواريخ، إلا أنها كسبت كثيرا من تلك الهجمات، واطمأنت على دفاعاتها الأرضية، على جانب آخر، أرسلت العديد من الرسائل، أهمها الردع.
ثامنا: الوضع بالنسبة لروسيا الآن أصبح أكثر تقدما عما سبق، فهى تقف بجانب النظام السورى، ونجاح القوات السورية فى صد هذا العدوان نجاح لها أيضا، بل ستزيد من قوة الجيش السورى وتسليحه بأحدث المعدات لمواجهة أى عدوان آخر.
تاسعا: نزول الملايين من أبناء الشعب السورى إلى الميادين، فى جميع المحافظات، بعد الضربات الصاروخية منددين بالعدوان دليل آخر على رفض أطياف الشعب السورى التدخل فى شأن بلادهم، مما يعطى قوة للنظام السورى فى الوقت الحالى، وخلال حربه على الإرهاب.
وبعيدا عن التحليل السياسى، كانت قطر أولى الدول العربية التى أعلنت عن تأييد العدوان الثلاثى على سوريا، تبعتها السعودية التى أعربت هى الأخرى عن تأييدها الكامل للعدوان ثم البحرين فتركيا وإسرائيل.
لكن مصر وكالعادة، أخذت موقفا رزينا، صحيح أنه اقترب من الحياد، لكنه انطلق من نفس الخندق الذى يقف فيه الشعب السورى، ضد محاولات تقسيمه وزعزعة استقراره، وإخضاعه للهيمنة الغربية.