حياة أميرة.. وموت أخرى على ضفاف «شانزلزيه»
الثلاثاء، 24 أبريل 2018 09:00 م
لم أكن يومًا من عشاق ومريدى شارع «شانزلزيه» أحد أشهر المعالم السياحية - خاصة للعرب- فى العاصمة الفرنسية باريس؛ لكن أصدقاء مشتركين ضربوا موعدا مع «أميرة»، ساقنى القدر أن أكون حاضرًا فيه.
مظاهر الاستفزاز التى تنعكس على وجوه الفرنسيين الغاضبة بسبب تصرفات الأثرياء العرب المتجاوزة نطاق المعقول؛ والجاذبة لكل ما هو مثير للشفقة؛ جعلتنى دون رغبة منى أكوِّن صورة ذهنية متطابقة لما يشعر به الكثير من الفرنسيين، عن الأثرياء العرب قاطنى تلك المنطقة، فما بالك بأميرة؟
لكن اللقاء الأول رسم تعبير الاندهاش على وجهى، للدرجة التى دفعتنى للكذب هربا من حيائى عندما سألت الأميرة والابتسامة لا تفارق وجنتها، متى سأوقف نظرة الاندهاش المرسومة على وجهى؟ فقلت لها إنها تعابير تعكس التركيز، لكنها دائما ما تخون سيطرتى، فتعكس خلافًا للحقيقة.
لم أكتفِ بهذا الجزء من الكذبة، بل قصصت موقفًا مشابهًا حدث مع الفنان العظيم الراحل محمود عبدالعزيز فى لقاء جمعنى به قبل وفاته بخمس سنوات تقريبًا، لدرجة أنه نظر إلى بغضب لما وجد اندهاشتى تلك؛ أثناء حديث خاص لا أملك حق الإفصاح عنه.
الأميرة ابتلعت كذبتى برقىّ فرنسى، يحمل أصالة عربية وروح جدعنة مصرية، فى خلطة يندر أن تتجمع فى شخص واحد، فتجاوزت الأمر، لكن قبل مغادرة اللقاء الأول، قالت لى أتمنى أن تكون اندهاشتك أقل المرة القادمة، التى قدر لها أن تكون بعد ساعات، فى صدفة عجيبة أن يكون هناك لقاء آخر على الضفة الأخرى من «شانزلزيه».
اللقاء الآخر جمع بين الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى، وسعد الحريرى رئيس الوزراء اللبنانى، والملك محمد السادس عاهل المغرب فى أحد أشهر مطاعم شارع «ماتينيو» نهاية «شانزلزيه» والقريب للغاية من قصر الإليزيه مقر الرئاسة الفرنسية.
بعد أن وقع ولى العهد السعودى عددا من الاتفاقيات تجاوز مجموعها 17 مليار يورو، منها عقدان ذوا أهمية كبيرة ومدلول أكبر مع شركتى فيوليا وتوتال الفرنسيتان.. الأولى كانت شركة ديار التابعة للصندوق السيادى القطرى تساهم فيها بنسب 4.6 ٪ بما يعادل 26.1 مليون سهم، قبل أن تتخلص منها جميعا فى طرح استثمارى فاجأ مجتمع المستثمرين فى أوربا قبل منتصف مارس المنصرم.
بينما الثانية (توتال) لديها عقد كبير مع الحكومة الإيرانية يقترب من 4.4 مليار يورو.. فهل ستتنازل عن العقد الإيرانى مقابل العقد السعودى الذى يتجاوز قيمته 5 مليارات يورو، أم أن الرياض تفضل أن يكون لها أصدقاء فى عاصمة الأعداء.
دلف الحديث مع الأميرة نحو الفن المصرى المتراجع وبعفوية شديدة وجدتنى أقارن بين الحظ والموهبة؛ الأول صالح فنانة مثل يسرا فى حين بات الثانى خاتما فى إصبع فنانة مثل سوسن بدر التى اكتمل نضجها الفنى قبل أن تولد.
ما أن ذكرت اسم سوسن بدر حتى ابتسمت الأميرة وقالت: لنا يد كبيرة فى أن يخاصمها الحظ بعد «موت أميرة» الذى جلب عليها وعلى غيرها الوبال والحصار ومنع عرض أعمالها فى السعودية فظلت سنوات وهجها الفنى ترزخ تحت المنع السعودى.
يحكى الفيلم قصة أميرة سعودية شابة أحبت فتى لبنانيا وأقيم عليهما حد الزنا فتم قتلهما فى موقف سيارات بمدينة جدة نهاية يوليو 1977، وقيل إن الموت كان من نصيب العاشق فقط، فى حين تعيش العاشقة سرا فى مصحة نفسية فى جنيف.
فرضت المقارنة نفسها بين أميرة غلبها الطيش والجهل فدفعت الثمن من روحها، وأميرة غلبها العلم والثقافة والعقل فكانت مرآة لحالة جديدة بدأت تغزو المملكة، خاصة ونحن نبعد أمتارا عن قائد عملية التغيير العنيفة التى تجتاح بلادها.
ولد ولى العهد السعودى فى نفس المدينة؛ بعد ثمانى سنوات فقط من عملية إعدام علنى لأول فتاة من العائلة المالكة، تنفيذا لتقاليد لا تستند لعرف أو قانون أو شريعة، إنما ظنون ما أنزل الله بها من سلطان.
جلس محمد بن سلمان بعد نحو أربعين عاما من إعدام ابنة عمه، وبجواره سعد الحريرى رئيس وزراء البلد الذى أنجب الفتى الذى وقعت فى غرامه الأميرة المغدورة، فكانت علاقتهما «العاطفية» وصمة عار، فى حين أن علاقة بن سلمان والحريرى «السياسية» كانت مثار لغط وجدل.
الأميرة التى تشبثت بالحكمة طلبت منا أن نجرب طبق «ستيك» فرنسى مصحوب بصوص وقليل من السلاطة ورغم كونه شهيا؛ إلا أنى اعتذرت عن «ديزيرت» لكن باقى الجالسين عن الطاولة يبدو أنهم استمتعوا بالتحلية.
عن نفسى فضلت الاستمتاع بحالة النقاش والحوار الذى حمل الكثير من الرغبة غير المحدودة فى استعادة مصر دورها الثقافى والفنى والإعلامى والحضارى من جديد، فمهما كانت إيرادات البترول لن تزن مثقال ذرة من حفلة واحدة لكوكب الشرق أم كلثوم.