لهذه الأسباب يراهن «الخبيث أردوغان» على الانتخابات المبكرة في تركيا
الإثنين، 23 أبريل 2018 09:00 م
هل كانت دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في الرابع والعشرين من شهر يونيو المقبل مفاجئة؟ المتابع الجيد لأسلوب أردوغان وسياساته يدرك على الفور أنه ليس هناك أدنى مفاجأة في دعوته لانتخابات مبكرة قبل موعدها بنحو عام ونصف العام، فورقة الانتخابات المبكرة وصفة مجربة وناجحة دائمًا بالنسبة لأردوغان، استخدمها من قبل لتحقيق السيطرة والهيمنة الكاملة على السلطة في تركيا، ولإحباط نتائج انتخابات برلمانية سابقة لم يحقق فيها حزبه العدالة والتنمية النتائج المرجوة والتي خطط لها أردوغان باعتبارها ستكفل له إحكام قبضته على الحكم.
في الانتخابات البرلمانية قبل الأخيرة تعرض حزب العدالة والتنمية لتراجع في الشعبية وخسر عدة نقاط مئوية نسبته المعتادة، وذلك بمفاجأة حققها حزب الشعوب الديمقراطية، الذي يهيمن عليه الأكراد، والذي تمكن من تجاوز عقبة الـ10% اللازمة لدخول البرلمان، وأصبح يشكل القوة الثالثة في الحياة السياسية بعد العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، ومتفوقًا على حزب الحركة القومية، وبالتالي كان من حق حزب الشعوب أن يكون له تمثيل في الحكومة الجديدة، إلا أن "الثعلب" أردوغان مارس مناوراته وألاعبيه لإفراغ هذا الانتصار من فحواه، وماطل في تشكيل الحكومة الجديدة ووضع العديد من العقبات أمام تشكيلها، لتنتهي الفترة القانونية اللازمة لتشكيلها، بعدها دعا أردوغان لإجراء انتخابات مبكرة تمكن من خلالها وبالطبع عن طريق ممارسات معينة مستغلًا سيطرته على كل مفاصل الدولة وأجهزتها، تمكن من استعادة بعضًا من الأصوات التي خسرها حزبه في الانتخابات، ومن إفقاد حزب الشعوب الديمقراطية نسبة من الأصوات، ليتمكن حزب العدالة والتنمية من تشكيل الحكومة منفردًا، وتحالف مع حزب الحركة القومية وبالتالي فإن دعوة أردوغان لانتخابات مبكرة ليست جديدة عليه ولا على المتابعين. أما عن الأٍسباب التي دفعته إلى هذا الخيار، أو الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها من وراء ذلك ؟ فإنها تتمثل في رغبته الاستفادة من بعض التطورات على المشهد الداخلي والإقليمي، وأيضًا لمحاولة القفز على بعض التراجعات في عدة جوانب في تركيا في ظل نظام العدالة والتنمية وأردوغان، وقبل هذا وذاك فإن الرئيس التركي يهدف إلى تثبيت أركان عرشه وسيطرته التامة على الحكم ومفاصل الدولة، من خلال الاسراع في تحقيق التحول إلى النظام الرئاسي الذي مرره أردوغان بشق الأنفس عبر استفتاء شعبي أجراه من قبل .
يحاول أردوغان الاستفادة القصوى من جملة عوامل مؤثرة يراها تحسم الأمور لصالحه ولصالح حزبه تجعل الطريق ممهدًا لمزيد من التفرد بالحكم في تركيا، عبر وسيلة مضمونة هي الانتخابات المبكرة. فهو يحاول الاستفادة من الانتصار الذي حققه بالحرب على عفرين المدينة الكردية السورية، هي الحرب التي ألبسها ثوبًا مزعومًا بحماية الأمن القومي لتركيا الذي يهدده من أطلق عليهم إرهابيين قاصدًا الأكراد في شمال سوريا، ولاشك أن هذه المعركة غير الشريفة والانتصار الذي تحقق بها، قد خدع قطاعًا لا يستهان به من الشعب التركي وقع تحت تأثير دعاية أردوغان ووسائل إعلامه وأجهزة مخابراته التي روجت إلى التهديد الكردي للأمن القومي التركي. ويسعى أردوغان إلى جني ثمار هذا الانتصار قبل أن يبرد وينساه الأتراك.
كما يحاول الاستفادة من التطورات السلبية التي طالت المعارضة التركية وفي المقدمة منها حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعم المعارضة ويعتبر وريث أتاتورك، حيث يمر الحزب بأزمة داخلية عقب فشله في التغلب على حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية منذ ما يزيد عن 15 عامًا، مع تآكل شعبيته في الشارع التركي.
أما حزب الشعوب الديمقراطي فإن أغلب قياداته قابعون الآن في المعتقلات ويخضعون لمحاكمات غير نزيهة، اضافة إلى الضغوط التي يتعرض لها نواب الحزب في البرلمان، وأنصاره في الشارع، ما جعل الحزب في وضع لا يُحسد عليه وتأثر بنيانه الداخلي على الرغم من الانتخابات الداخلية التي شهدها وأسفرت عن انتخاب رئيسين جديدين للحزب خلفًا لصلاح الدين دمرتاش المسجون. كما نجح أردوغان وآلته الإعلامية الجبارة في لصق تهمة الإرهاب بالحزب في ذهنية قطاع غير قليل من الأتراك، بزعم أن للحزب علاقة قوية بحزب العمال الكردستاني.
ويأتي "خبث" تحديد الشهر المقبل لاجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وهي فترة غير كافية للأحزاب المعارضة لترتيب أوضاعها ولملمة صفوفها والاستعداد لخوض معركتي الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فهي نظريًا قد لا تتمكن من اختيار مرشح رئاسي لها ينافس أردوغان، فحزب الشعب الجمهوري لم يبرز فيه مرشح قوي يمكنه منافسة أردوغان، وكذلك حزب الشعوب الديمقراطي، وحتى حزب الخير أو الجيد، الذي انشق عن حزب الحركة القومية قد لا يتمكن من اختيار شخص لخوض الانتخابات الرئاسية.
وبالتالي فإن حال المعارضة التركية ينبئ بعدم قدرتها على خوض الانتخابات بقوة سواء من حيث الاستعداد لها أو اختيار المرشحين في البرلمانية والرئاسية، أو ترتيب أوضاعها الداخلية حتى لا تؤثر سلبًا على نتائج الانتخابات.
وحرص الرئيس التركي أن يتم اجراء الانتخابات في ظل حالة الطوارئ التي جدد البرلمان ـ المسيطر عليه حزب العدالة والتنمية ـ العمل بها قبل أيام ، وبالتالي فإن الانتخابات سيتم إجرائها في ظل حالة الطوارئ التي تتيح بلا شك فرص كبيرة لأردوغان وحزبه لممارسة الانتهاكات والتأثير على النتائج والتلاعب بها لصالحهما.
أما التحديات التي يريد أردوغان تجاوزها والالتفاف عليها، ففي مقدمتها الأزمة الاقتصادية المتزايدة والتراجع المستمر في قيمة العملة التركية "الليرة" مقابل الدولار، وتدهور مستوى أداء الاقتصاد التركي، وهي أمور في حال استمرارها ستضعف كثيرًا من حظوظ حزب العدالة والتنمية في الاستحواذ على المشهد السياسي في تركيا، بما يعني تراجع نسب نجاحه في الانتخابات التي كان مقررًا لها نهاية العام القادم. وبالتالي فإن التعجيل بإجراء الانتخابات يعطي نظام أردوغان الفرصة لتصحيح أوضاعه ولمحاولة إيقاف التدهور في الأداء الاقتصادي.
أيضًا يخشى أردوغان من صعود نجم الحزب القومي الجديد بزعامة ميرال أكشنار التي انشقت عن حليفه حزب الحركة القومية بزعامة باهجلي. ومن التحالف الجديد الناشئ بين حزبي الشعب الجمهوري والسعادة ذو التوجه الإسلامي ومرجعية نجم الدين أربكان "أستاذ أردوغان". وهو ما يدفع أردوغان وحليفه باهجلي إلى خيار الانتخابات المبكرة.
لهذه الأهداف والأسباب قرر أردوغان اللعب بورقة الانتخابات المبكرة.