حكيم العرب... عاشق مصر
الأربعاء، 18 أبريل 2018 09:46 م
فى مشوار العمر محطات.. نتوقف عند بعضها.. ونتجاهل بعضها.. ونمر عابرين عن بعضها الآخر، لكن عندما تصبح الأمانة مسئولية، فقد صار من مسئولياتى أن أنقل وأسجل بأمانة شديدة ما عشته وعايشته مع هذا الرجل.
أكتب شهادتى للتاريخ، حول رجل اقتربت منه وعرفته، وشهدت على إخلاصه وحبه وعشقه الوطنى لمصر.
أتحدث عن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وعن محطات مضيئة عشتها معه، تؤكد أنه يستحق
عن جدارة لقب حكيم العرب.
ولعل ذاكرتى تستدعى أنه أثناء اجتماع وزراء الخارجية العرب فى الكويت عام 1973 سألنى الشيخ زايد، ماذا كانت نتائج المؤتمر؟! فأجبته:
قرروا تخفيض إنتاج البترول 5% فقط، فاكفهر وجهه، وطلب منى أن أتصل بوزير البترول الإماراتى الدكتور مانع العتيبة، وقمت بتوصيله تليفونيًا مع الوزير وسمعته يأمره بعقد مؤتمر صحفى فورًا، يعلن فيه أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقطع البترول بالكامل عن الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية التى تساند إسرائيل، ثم قال مقولته الشهيرة:
«ليس النفط العربى بأغلى من الدم العربى»، وبعد الإعلان عن هذا القرار توالت قرارات الدول العربية، وهنا أذكر أنه فى مؤتمر قمة دول الأوبك فى الجزائر عام 1975 فى كلمة الافتتاحية، أشاد الرئيس بوميدين بموقف الشيخ زايد البطولى بقطع البترول، وكان ذلك بحضور الرؤساء والملوك.
بينما تتجول المشاهد فى ذاكرتى، لأتوقف أمام موقف من أنبل المواقف لحكيم العرب تجاه مصر، وكان ذلك فى لندن عندما أخذ قرضا من بنك بريطانى بقيمة 15 مليون جنيه أسترلينى، لسد قيمة قطع غيار الطائرات، وهذا الموقف أكده لى الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
كما أذكر أنه ذات مرة طلب منى الرئيس مبارك إبلاغ المرحوم الشيخ زايد فى أوائل الثمانينيات، أن هناك فى البنك وديعة بقيمة مائة مليون دولار، مخصصة للهيئة العربية للتصنيع، فطلب أن تتحول هذه الوديعة إلى الميزانية العامة أو للبنك المركزى المصرى، وقمت بإبلاغ الشيخ زايد بطلب الرئيس مبارك، فأمر الشيخ زايد فورا بإعداد كتاب للبنك المركزى، لتحويل المبلغ بالكامل لصالح الميزانية المصرية، وقمت شخصيا بتسليم الرسالة إلى مبارك.
ومن موقف إلى آخر أتجول فى سنوات عمرى مع الشيخ زايد، لأتذكر أنه فى مؤتمر بغداد 1976 - 1977، كانت تتم مناقشة موضوع اتفاقية كامب ديفيد، واقترح الشيخ زايد عدم اتخاذ أى إجراء ضد مصر وضد السادات إلا بعد اختيار ثلاثة من الرؤساء بالمؤتمر، للقيام بزيارة الرئيس السادات والاطلاع على قراره بشأن الاتفاقية، فإذا كانت فى صالح مصر والعرب، فنحن معه، وإن كانت عكس ذلك، فسوف يتم الحوار فى كيفية معالجة الموقف، واقترح أن يكون الرؤساء الذين يذهبون إلى السادات، هم:
- الملك حسين
- الأمير فهد بن عبد العزيز
- والشيخ زايد
ولأن هناك قوى داخل هذا المؤتمر، لا تريد لمصر أن تبقى فى الصدارة للعالم العربى، فقد تم تخصيص مستوى الوفد من الرؤساء وإلى درجة وزراء الخارجية، منهم وزير خارجية الإمارات أحمد خليفة السويدى وغيرهم، وحملوهم برسالة للرئيس السادات، وأثناء ذهابى إلى وزير خارجية الإمارات لتوصيله إلى المطار. كانت الإذاعات العربية تذيع نص الرسالة لإفشال المهمة، ولذلك عندما وصلوا إلى المطار بالقاهرة لم يجدوا أحدا فى استقبالهم، وقضى على المهمة قبل أن تبدأ.
ومن بين الشهادات التى يجب توثيقها أيضا، أن الشيخ زايد كان دائما يقول: إن مصر يجب ألا تتحمل المسئولية كاملة تجاه القضية الفلسطينية، لكن نحن ندعو إلى توحيد الصف الفلسطينى ونقف جميعا خلفه، فهو كان يعتبر مصر المظلة الوحيدة للعالم العربى، وهى التى تقود الأمة العربية نحو التطور والرقى.
رحم الله حكيم العرب.. رحم الله الشيخ زايد.