قصة منتصف الليل.. ليلة زفاف العريس بكفن ملطخ بالدماء
الجمعة، 13 أبريل 2018 08:00 مإسراء الشرباصى
فتحت عيناها على إشراقة يوم جديد، فأيقظت زوجها الذى أخذ من مقعده المتحرك مسكنه بعد عجزه لتوقظه بابتسامة أمل، ونادت إلى بنتيها ليبدأ الجميع ترتيبات زواج الابن الأكبر "أحمد" الذى انتظراه كثيرا ليدخل الفرح بيت العائلة وترى الأم فى ترتيبات الزفاف ما يكفى لتنسى ما تعانى به من مرض السكرى.
حلت على أهل البيت فرحة عارمة مع اقتراب موعد زفاف الابن البار الذى كافح من أجل الإنفاق على الأسرة وتولى مسئولية سد احتياجاتهم بعد عجز والده، وبعد عدة ساعات استقبلت مكالمة تليفونية من زميل إبنها فى العمل فسرعت لترد ظنا منها أنه يقدم التهنئة لزفاف زميله بعد عدة أيام.
بدأ الزميل حديثه مع الأم بهدوء واطمئن على صحتها وباقى أفراد العائلة ثم طلب منها الحضور إلى مستشفى القصر العينى على وجه السرعة، وهنا تلونت الحياة فى عينها باللون الأسود بدلا من الألوان المبهجة التى رسمتها ترتيبات الزفاف المرتقب.
"ليه ؟؟ مين ؟؟ فى ايه ؟؟ ايه اللى حصل؟؟" أسئلة كثيرة بكلمات مبعثرة وجهتها إلى زميل ابنها من صدمتها فى حديثه ليؤكد لها أن الإبن البار تم نقله إلى المستشفى بعد تعرضه لحادث أثناء فترة العمل.
أغلقت الهاتف فى وجهه وأسرعت حافية القدمين والدموع تبلل ملابسها ودقات قلبها كادت أن تخبر الجميع بما فى داخلها من ألم، وتوجهت إلى جارهما "محمود الدغيدى" المحامى طالبة منه المساعدة ولم تستطع قول جملة مفيدة سوى مستشفى القصر العينى.
حاول المحامى أن يتفهم الأمر ولكن هيئة الأم أكدت أن هناك كارثة محققة أصابتها، فتوجه على الفور إلى مستشفى القصر العينى بصحبة أفراد الأسرة ليجدوا الإبن البار ملقى على ظهره ومغطى بملاءه بيضاء الملطخة بالدماء ليدخل الطبيب ويغطى وجهه أيضا طالبا من الكافة الإنتهاء من إجراءات الدفن فى أسرع وقت.
"مات.. ابنى مات..العريس مات.. قوم يا ابنى جهزنالك حاجات فرحك.. قوم روح لعروستك" صراخ الأم بهذه الكلمات كانت كفيلة ليعرف الكافة ما بداخلها من صدمة وألم فى إبنها الذى لقى مصرعه قبل زفافه بأيام معدودة.
ليأتى هنا دور المحامى الذى بدأ يبحث عن سبب الوفاة ويستمع لزملاءه المتواجدين بالمستشفى ليجد أن "أحمد" والعامل بأحد شركات تصنيع أدوات المنظفات توجه فى الصباح الباكر لتنظيف ماكينة العمل والأشبه بالخلاط كعادته ووقف على منضدة خشبية وبدأ تنظيفها ونزل بمنتصف جسده داخل الماكينة لإمكانية تنظيفها جيدا من الداخل مطمئن القلب بأنها مغلقة ولم يجرؤ أحد على تشغيلها فى الوقت الحالى.
وبعد دقائق سمع الجميع أصوات صراخ تتعالى فى أنحاء الشركة فأسرع الجميع ليجدوا "أحمد" يتقطع جسده داخل الماكينة بعدما قام أحد بتشغيلها وهو بداخلها فأسرع أحدهما لإيقاف الكهرباء عن الشركة بأكملها لإيقاف الماكينة فى أسرع وقت، وحاولوا إخراجه بهدوء ليجدوا جسده أشبه بالأشلاء من كثرة علامات التقطيع ونزيف الدم المنتشر فى جسده بالكامل، فانتقلوا به إلى مستشفى القصر العينى وهو بين الحياة والموت، ولكن الماكينة استطاعت أن تقضى على حياته وعلى فرحة أهله بعرسه وضياع السند والعائل الأول للعائلة.
استمعت الأم والمحامى لما حدث لإبنها ولكن صدمتها كانت أكبر من تنطق بكلمات سوى وداعها لإبنها البار، ليقاطعهم الحديث صوت الطبيب ممسكا بالتقرير الطبى عن سبب الوفاة والذى أوضح أنه مجرد إلتواء فى الرقبة.
وهنا هاج الجميع وأولهم المحامى فكيف إلتواء فى الرقبة هو السبب الوحيد وسط بقاع الدم السائل حول الجثة وكيف تم كتابت التقرير دون إجراء الكشف الطبى على الحالة ليتأكد الكافة أن هناك شئ خاطئ.
وانتقل المحامى على الفور لتحرير محضر بالواقعة الذى حمل رقم 5662 لعام 2018 إدارى هرم، وبدأ الإجراءات القانونية للحصول على حق الإبن الشهيد، رغم محاولات قيادات الشركة بوقف الإجراءات القانونية مقابل حصول عائلته على معاش شهرى، وهو الأمر الذى رفضه الجميع وأولهم الأم التى طلبت حق إبنها وإتخاذ الإجراءات القانونية ضد المسئولين بالشركة ومن قام بتشغيل الماكينة ليضيع روح إبنها البار العريس الذى استعدت لزفافه وحلمت بإرتدائه بذلة العرس لتجد نفسها تزفه شهيدا إلى رب كريم ملفوفا بالكفن.
تركت للمحامى المسئولية الكبرى فى الحصول على حق إبنها، وهو ما يسعى إليه حتى وقتنا هذا ولكن قيادات الشركة تعوق طريقه وطريق كل من يساعده فى معرفة الحقيقة، وطلب تقرير من الطب الشرعى يوضح سبب الوفاة وهو الطلب الذى نفذه أعضاء النيابة ليكشف التقرير الجديد عن تقطع أنحاء متفرقة من جسد الشاب وإلتواء رقبته داخل سكين الماكينة مما أدى إلى وفاته.
وبعدما اصطحب أحد زملاء الشهيد للنيابة العامة والإدلاء بأقواله عما رآه بأعينه وأكد تشغيل أحد الأفراد الماكينة أثناء وجود "أحمد" بداخلها ولم يستطع أحد معرفة مشغل الماكينة، وفى اليوم التالى توجه إلى عمله ليجد رؤساءه يجبروه على الإمضاء على الإستقالة ليفق عمله نظير شهادة حق، وأكد باقى الزملاء أنهم تعرضوا للتهديد بالفصل إذا أدلوا بشهادتهم فى الواقعة.
وأمام هذه التهديد تناثرت أقوال متضاربة من العاملين بالشركة عن سبب الوفاة فمنهم من يقول أن الشاب كان يتعاطى أحد أنواع المخدرات وكان شبه غائب عن الوعى فسقط فى الماكينة أثناء تشغيلها وآخرون يؤكدون وقعوه بالخطأ داخل الماكينة.
ليستكمل المحامى طريقه فى معرفة الحقيقة الكاملة رغم ضغط قيادات الشركة من كل الجوانب فى إنهاء الأمر مقابل مبالغ مادية شهرية للأسرة، وحرصهم على إخفاء الحقيقة كعادتهم مثلما أكد أحد العمال للمحامى أن هناك العديد من المخاطر التى تواجه العمال أثناء عملهم وحدوث العديد من الإصابات ولم يستطع أحد الحصول على حقه وإلا فقد مصدر رزقه الوحيد.