كيف تصاعد ملف "المفقودين" في بؤر الصراعات بالإقليم؟

الجمعة، 13 أبريل 2018 03:59 م
كيف تصاعد ملف "المفقودين" في بؤر الصراعات بالإقليم؟
مفقودين - أرشيفية

يعد ملف "المفقودين"، سواء كانوا مخطوفين أو معتقلين أو موقوفين، مدنيين أو مسلحين، برًا وبحرًا، أحد أكثر القضايا المعقدة التي فرضتها الموجة الحالية من الصراعات المسلحة في الإقليم، وخاصة في ليبيا واليمن ونيجيريا وسوريا والعراق، خلال السنوات السبع الماضية، لدرجة أنه تم تشكيل جهات محلية معنية للتعامل معها مثل رابطة الشهداء والمفقودين لثورة 17 فبراير بمصراتة في ليبيا والجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأى، وأخذت أيضًا أبعادًا دولية على شاكلة اللجنة الدولية لشئون المفقودين في العراق واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
 
وفي هذا السياق، تقوم اللجنة الدولية المعنية بالمفقودين بدور بارز ليس في الإقليم وإنما على مستوى العالم، وهى منظمة غير حكومية أسست في عقد التسعينات من القرن الماضي، في يوغسلافيا السابقة، ونقلت هذه اللجنة مقرها خلال عام 2016 من سراييفو إلى لاهاى، التي وفرت مختبرًا واعدًا مزودًا بتكنولوجيا اختبارات متطورة للحمض النووي يقتفي أثر الملايين من المفقودين بسبب ما تنتجه الصراعات العنيفة والكوارث الطبيعية من تداعيات.
 
وقد كشفت كاثرين بومبرغر المديرة العامة للجنة لوسائل الإعلام في 27 أكتوبر 2017، عن الأدوار التي قامت بها في نزاعات البلقان والكوارث الطبيعية التي وقعت في منطقة المحيط الهندي، حيث قالت: "هى بالنسبة لنا خطوة كبيرة إلى الأمام في إطار الجهود التي تبذل لإيجاد آلاف الأشخاص وحتى الملايين من المفقودين في العالم بسبب النزاعات وانتهاكات حقوق الإنسان والكوارث الطبيعية وظاهرة الاتجار بالبشر وآفات أخرى".
 
وتزداد الإشكالية حدة بالنسبة لبعض دول الإقليم مثل العراق لدرجة أن كيفن سوليفان المتحدث الرسمي باسم اللجنة أكد في 5 إبريل الجاري، على أن "الفشل في مواجهة قضية المفقودين في العراق سيزيد من صعوبة التسوية في مرحلة ما بعد الحرب".
 
وبوجه عام، انعكست التطورات التي شهدتها بؤر الصراعات المسلحة بدول الإقليم، خلال الثلث الأول من عام 2018، على ملف المفقودين، من زوايا مختلفة، وهو ما توضحه النقاط التالية:
 
اقتصاديات الظل:
1- احتجاز آلاف الليبيين على أيدى جماعات وميلشيات مسلحة: حيث تعرضوا، سواء كانوا من الرجال أو النساء، لأشكال من التعذيب المنهجي والانتهاك الجنسي، بحيث شمل ذلك سياسيين معارضين وصحفيين وأطباء ونشطاء، وفقًا لما ذكره تقرير حديث صادر عن مكتب الأمم المتحدة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في 10 إبريل الجاري. ونظرًا لذلك، قد يكون مصير هؤلاء المحتجزين الفقد في نظر أسرهم، لا سيما في ظل استغلالهم من جانب مهربي البشر والجماعات الإرهابية في "اقتصاديات الظل".
 
وطبقًا لما ذكره التقرير، فإن هناك مؤشرات تكشف عن وفيات بين الموقوفين في مراكز الاحتجاز، إذ أن جثث مئات الأشخاص الذين أوقفوا واحتجزوا على أيدي الجماعات المسلحة يتم العثور عليها لاحقًا في المستشفيات أو ملقاة في الشوارع ومكبات القمامة، وتحمل العديد منها علامات تعذيب أو إصابات بطلقات نارية، وهو ما دفع معدي التقرير إلى المطالبة بالإفراج الفوري عن المحتجزين بشكل تعسفي وضمان نقل الموقوفين بشكل غير قانوني إلى سجون رسمية، إلا أن ذلك يتعذر تنفيذه، بسبب تصاعد حدة الصراع على الشرعية والسيادة داخل ليبيا منذ انهيار نظام القذافي.
 
نواتج النزوح:
2- توجيه دعوات لإنشاء قاعدة بيانات خاصة بالمفقودين العراقيين: خاصة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم "داعش"، وهو ما عبر عنه وزير الهجرة والمهجرين جاسم محمد الجاف، لدى استقباله رئيسة بعثة اللجنة الدولية لشئون المفقودين في العراق لينا لارسون والوفد المرافق لها في 10 إبريل الحالي، بشأن دعم التعاون والتنسيق مع اللجنة لمساعدة العوائل النازحة والعائدة التي فقدت بعض أفرادها بعد سيطرة التنظيم على عدد من المدن العراقية خلال الفترة ما بين عامى 2014 و2017، وتوفير الخدمات اللازمة لهم عبر "الكوادر الميدانية".
 
وفي هذا الإطار، صدر بيان أخير عن وزارة الهجرة والمهجرين جاء فيه: "إن الوزارة ليس لديها قاعدة بيانات لأعداد المفقودين من النازحين بسبب صعوبة إحصاء هذه الأعداد وكثرة مخيمات النازحين وأعدادهم التي تحتاج إلى جهد مشترك من الجهات المعنية لإحصائها". وتجدر الإشارة إلى أن هناك تقديرات متضاربة بشأن تلك الأعداد داخل المدينة العراقية الواحدة، لا سيما في ظل عدم انتشال الجثث التي مازالت تحت الأنقاض. فعلى سبيل المثال، تشير بعض الجهات إلى أن عدد المفقودين في الموصل يصل إلى 11 ألف شخص، في حين تقدره إحصاءات أخرى بـ5 آلاف.
 
وهنا، ترجح عدد من المنظمات الحقوقية العراقية والدولية أن يكون معظم المفقودين سواء المعتقلين منهم أو المنقطع أثرهم أو الموجودين تحت ركام مدينة الموصل القديمة، من المدنيين الذين انقطعت سبل التواصل معهم، وأن جزءًا منهم فقط من العناصر المحلية في "داعش" أو المتعاطفين مع التنظيم. لذا، تقود أمل الجبوري رئيسة منظمة "صوتنا" حملة للفت الانتباه، وفقًا لما ذكرته صحيفة "الحياة" في 8 إبريل الجاري، بشأن التقصير في إعادة إعمار الموصل التي تهدم جزء كبير منها في المعارك التي خاضها الجيش العراقي بالتعاون مع قوات التحالف الدولي ضد "داعش".
 
إجلاء المقاتلين:
3- إبرام اتفاقات بين القوى المتصارعة داخل سوريا بشأن عودة المختطفين: سلطت عودة عدد من المختطفين لدى "جيش الإسلام" الضوء على ملف المفقودين نتيجة التداعيات التي خلفتها الحرب السورية منذ اندلاعها في عام 2011، سواء لدى نظام الأسد أو الفصائل المسلحة المعارضة، في حين يبقى مصير بعض المفقودين الآخرين مجهولاً. وبموجب اتفاق أعلن في 8 إبريل الحالي، أفرج "جيش الإسلام" في مدينة الغوطة الشرقية عن دفعة أولى من 50 مدنيًا تم اختطافهم من مدينة عدرا في شمال شرق دمشق منذ يناير 2013.
 
ومع تقدم قوات الجيش النظامي السوري في الغوطة الشرقية وسيطرتها على غالبية أراضيها وبدء تنفيذ اتفاقات إجلاء المقاتلين خلال الأسابيع الأربع الماضية، يتوافد بشكل يومي عبر المعابر المؤدية إلى الغوطة مئات الأشخاص الذين يبحثون عن ذويهم بعد غياب سنوات، حيث يتهم المرصد السوري لحقوق الإنسان "جيش الإسلام" باستخدامهم كدروع بشرية بهدف البقاء لأقصى مدة.
 
على جانب آخر، نجح مقاتلو "داعش" في السيطرة على حى القدم بجنوب دمشق وقتل 30 عنصرًا من قوات النظام والمسلحين الموالين له، بخلاف الجرحى والمفقودين، طبقًا لما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان في 20 مارس الماضي، حيث يهاجم مقاتلو "داعش" الجيش النظامي في المناطق التي سلمها مقاتلو "هيئة تحرير الشام" وغيرها بموجب اتفاق تم إبرامه في العام الماضي. وتحاول قوات الجيش النظامي السوري من خلال اتفاقات إجلاء المقاتلين المسلحين استعادة السيطرة على الجيوب المناطقية، في الوقت الذي تشن عملية عسكرية موسعة ضد مدن أخرى، وفقًا لاستراتيجية "القضم التدريجي".
 
سلام الوكالة:
4- إرهاصات مصالحة مجتمعية بين الزنتان ومصراتة في ليبيا: عقد ممثلون عن المدينتين اجتماعًا في 29 مارس الماضي، وهو اللقاء الأول بين أقوى جماعات مسيطرة على الغرب الليبي، منذ انتهاء المواجهات المسلحة بينهما للسيطرة على العاصمة طرابلس في عام 2014. وتجدر الإشارة إلى أن مصراتة والزنتان كانتا أولى المدن التي ثارت ضد نظام القذافي في فبراير 2011، على نحو يشير إلى رغبة القوى المجتمعية الصلبة في تسوية خلافاتها بمعزل عن الأطر السياسية الهشة.
 
ووفقًا لما ذكرته عدد من وسائل الإعلام الليبية والعربية، نقلاً عن تصريحات لرئيس بلدية الزنتان مصطفى الباروني ورئيس المجلس العسكري في مصراتة، فإن هذا الاجتماع يمثل خطوة أولى ستليها خطوات أخرى، بما يدعم المصالحة مع مناطق وقبائل أخرى في ليبيا، بحيث لا يتم اللجوء إلى السلاح لحل الخلافات. وقبل الاجتماع الثاني الذي سيعقد في مصراتة، شكل ممثلو المدينتين لجنة لتسوية القضايا العالقة مثل مصير السجناء والمفقودين. وقد شدد الجانبان في بيانهما الختامي على ضرورة توحيد الجيش والشرطة في ظل سلطة مدنية، إلى جانب مكافحة الإرهاب بمختلف أشكاله.
 
قوارب الموت: 
5- استمرار توافد المهاجرين غير النظاميين إلى اليمن وليبيا عبر قوارب البحر: خاصة من الصومال وإثيوبيا وإريتريا، وذلك على الرغم من اشتعال الحرب داخل اليمن، إذ قتل أربعون صوماليًا بينهم نساء وأطفال في 17 مارس الماضي، بخلاف الجرحى والمفقودين، وفقًا لما أعلنته الهيئة العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ويساهم عامل الهجرة الاقتصادية بدور كبير في استمرار تلك التدفقات، بحيث تعمل النساء كخادمات في المنازل بينما يعمل الرجال في قطاع الزراعة والبناء، ولا يتم أخذ المخاطر في الحسبان التي تتعلق بالوقوع في براثن الشبكات الإجرامية لمهربي البشر، التي صارت جماعة مصلحة اقتصادية ضخمة من الاستثمار في الفوضى الممتدة.
 
وقد تكرر ذلك مع المهاجرين غير النظاميين إلى ليبيا باعتبار أن الأخيرة تمثل الخيار الأول للراغبين في الوصول إلى الدول الأوروبية من أفريقيا بحرًا عبر قوارب مطاطية متهالكة، مما يؤدي إلى غرقهم أو فقدهم. ومع أنه تم إنقاذ عدد من قوارب المهاجرين قبالة سواحل ليبيا، إلا أن ذلك لم يؤد إلى تقليص حدة تلك المشكلة، لا سيما بعد أن تعطلت أو غرقت قوارب أخرى بحيث بات عدد المفقودين يتراوح ما بين 90 إلى 100 مهاجر على الأقل، طبقًا لأحد التقديرات السائدة.
 
سيناريو شيبوك:
6- المصير الغامض لعشرات التلميذات في نيجيريا: وذلك بعد الهجوم الذي نفذته حركة "بوكوحرام" على مدرستهن في شمال شرق البلاد في 20 فبراير الماضي، حيث تستهدف خطف النساء والأطفال، الأمر الذي دفع الأساتذة والتلميذات في المدرسة العلمية الثانوية للبنات إلى الهروب قبل وصول مسلحي الجماعة إليها خوفًا من تعرضهم للاختطاف كما حدث في هجوم شيبوك، قبل أربع سنوات، حينما أقدمت "بوكوحرام" على خطف 276 تلميذة من بلدة شيبوك في إبريل 2014. وقد أثار استمرار فقد عشرات التلميذات مخاوف عائلاتهن من تكرار سيناريو شيبوك، لا سيما مع فشل عدد من العائلات في العثور على بناتهن في القرى المجاورة.
 
خلاصة القول، تشهد بؤر الصراعات المسلحة في الإقليم ارتفاع عدد الأشخاص الذين باتوا في عداد المفقودين، بشكل يومي، حيث تسود لغة القوة المفرطة من جانب الجيوش النظامية والجيوش الموازية، وتتراجع في المقابل أطر التسوية لتلك الصراعات، لا سيما في ظل وجود جماعات مصالح اقتصادية من التنظيمات الإجرامية والإرهابية التي تضغط في اتجاه استمرار اشتعالها، بخلاف غياب العناصر المدربة والمتخصصة في البحث عن المفقودين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة