فوبيا القداسة
الأربعاء، 11 أبريل 2018 04:16 م
قالت لي مبتسمة : أخيرًا تغلبت على مخاوفي وجئت بكتاب " الخوارج " لطه حسين .
من ابتسامتها وتعبير "مخاوفي"، أدركت أن الحديث بيننا سيمتد وسيكشف لي عن الجديد الذي لم أكن أعرفه من شخصيتها .
قلت لها : طه حسين لم يكتب كتابًا بهذا العنوان .
جادلت قليلا ثم سكتت عندما قلت لها : أظنك تقصدين كتابه " الفتنة الكبرى" .
قالت : نعم هو الفتنة الكبرى ولكنه عن الخوارج .
ابتسمت وأنا أرد : في هذا المجال لا يصح اعتماد طريقة : إن لم تكن ملوخية فهى بامية ، موضوع كتاب الفتنة الكبرى أشمل من أن يكون مقصورًا على الخوارج .
سكتت لحظات ثم باغتتني بجملة غريبة :" عمومًا أنا لم أخرجه من مغلفه بعد".
قلت متعجبًا : لا حول ولا قوة إلا بالله ، تغلبت على مخاوفك ثم دفعت ثمن الكتاب ثم تزورين عنوانه وموضوعه ، ثم تعترفين أنك لم تطالعيه بعد كيف يكون كل هذا ؟.
ترددت قليلًا ثم قالت : الحقيقة أنا أكره طه حسين .
قلت ساخرًا : أكل ميراثك من عمتك التي ماتت بالبرازيل .
ردت غاضبة : يعني هم يقولون عن دينه أشياء .
قلت : مَنْ هم هؤلاء الذين قالوا في دين طه حسين ؟ ثم ما معنى أن نسمع لهم ونحاكم الناس بناءً على ما قالوه ، عمومًا لن أدافع عن دين طه حسين ، فهو بين يدي خالقه وهو تعالى الذي سيحاسبنا جميعًا .
سارعت بمقاطعتي قائلة: موضوع الكتاب نفسه مخيف .
قلت وأنا أطلب منه تعالى مددًا إضافيًا من الصبر : عن أي موضوع تتحدث السيدة وهى التي لم تقرأ الكتاب الذي ما يزال في مغلفه ؟.
قالت مرتبكة : أعرف بشكل عام أن الكتاب عن مشاجرات جرت بين الصحابة ، وأنا أريد معرفة حقيقة ما جرى وفي الوقت نفسه أرفض رفضًا مطلقًا تصديق أن الصحابة مثلنا ، يتشاجرون ويتصايحون ويخطئون .
واحد مثلك قد لا يعجبه كلامي وقد لا يتفهم أسباب مخاوفي ، ولكن هذه أنا.
الحق أن الحسرة قد ملئت صوتي وأنا أقول لها : الصحابة لم يتشاجروا فحسب ، لقد اقتتلوا يا سيدتي ، سيفًا لسيف ورمحًا لرمح ، الصحابة أحسن مني ومنك ومن غيرنا هذا ما أؤمن أنا به ولكنهم جماعة من البشر ، أهل العصمة من البشر هم الأنبياء والرسل فقط لصيانة رسالاتهم ولكن بقية البشر هم بشر من أصحاب الآمال والمطامع والأهواء والضغائن والهزائم والانتصارات والحقوق والمظالم .
لقد كانت هناك معركة سياسية بين الرعيل الأول من الصحابة ، سرعان ما تحولت إلى مواجهات مسلحة قُتل فيها من قُتل وجرى فيها تزوير لوقائع وتزيف لأحداث ، ثم نأتي نحن بعد كل تلك القرون ونقرأ ونقوم بفك الأحداث وإعادة تركيبها لكي تستقيم الصورة وتظهر الملامح واضحة جلية ، طه حسين وغيره قالوا كلمتهم ، تبقى كلمتنا نحن الذين سنقرأ ونفحص ونمحص .
قالت : حيلك حيلك ، أنا خائفة ، أنت تتحدث ببساطة عن مقدسين .
قلت : تلك هى الكارثة : الصحابة أنفسهم لم يصفوا ذواتهم بالقداسة ، الفاروق عمر الذي نباهي الأمم بعدله وحسن سياسته ، كان يقول :" ليت أم عمر لم تلد عمر ".
الرجل كان خائفًا من الخطأ الوارد جدًا في حياة البشر ، فكيف يلجمك أنت الخوف من قراءة كتاب عن وقائع غيرت وجه الكرة الأرضية .
قالت بحسم : لن أقرأ وأنا الآن نادمة على المال الذي دفعته ثمنًا لكتاب المخاوف هذا.