ادي الربيع عاد من تاني
الثلاثاء، 10 أبريل 2018 03:30 م
شم النسيم من اقدم الاعياد التي يحتفل بها المصريون هو عيد مختلف وله خصيوصية شديدة عن باقي الاعياد الوطنية والدينية هو العيد الاكثر زخما الذي يجمع شمل كل المصرين باختلاف طبقاتهم الاجتماعية وانتماءاتهم والسياسية والاهم انه يجمع بين مختلفي العقائد والمذاهب الدينية فشم النسيم يوحد بين الجميع في كيان واحد متجانس بطريقة تثير الاعجاب والدهشة في ان واحد فعلي امتداد الاف السنين وفي نفس اليوم يحتفل به الاحفاد بذات طقوس الاجداد في شكل يشبه الاعياد القومية الكرنفالية.
فهو رمزا للعيد المصرى الخالص والخاص بهم فقط الذي يشبههم ولا يشبه غيرهم خرج من رحم الطبيعة المصرية ليتاصل في الوجدان ليس كمورث حضاري اجتماعي ولكن كجزء من التركيبة الجينية للمصريين وتفاعل غريب بين المصريين وهذا العيد الذي يؤرخ له مع نشاة الانسانية وعلي بساطته الا انه يعكس عبقرية فريدة في الحفاظ على الهوية المصرية المتفردة التي لم يستطع احد ان يغيرها اويهزمها.
وشم النسيم ليس فقط أقدم احتفال شعبى فى تاريخ الإنسانية تداخلت فيه المعتقدات المصرية القديمة بطريقة مدهشة مع تعاليم الديانات السماوية الثلاثة على نحو يليق بتاريخ مصر وتراثها واستمر عبر اكثر من خمسة الاف عام ينتقل من جيل لاخر بنفس الطقوس والعادات والتقاليد. بل هو أسطورة وسيمفونية فرعونية برهنت علي قدرة الهوية المصرية علي الصمود في وجه كل من يحاول ان يعبث بالثوابت المتاصلة في الوجدان المصري وحتي ان استطاع ان يطمسه لبعض الوقت فما تلبث ان تنهض وتعلن عن نفسها امام المحاولات الهدامه.
فمصر استوعبت كل الثقافات الوافدة المتعاقبة عبر تاريخها والتي انصهرت داخل هوامش خصوصيتها الحضارية فهي الأقوى والأعمق ذهنيا وعلميا وحضاريا فهى لا تتغير بل تغير هي التى تمصر الغير فكانت تـمصر كل جديد تبتلعه وتهضمه وتشكله وتفرزه مشكلة اياه منتجا مصريا صميما ولذلك لم تستطع الموجات الأستعمارية التي توالت علي مصر ان تقهر الهوية المصرية فقد شكلت حائط صد منيع ضد كل من حاول الاقتراب من مفرداتها الحضارية.
حتى الدين مصرته فعندما اعتنق المصريون المسيحية أخرجوا منه نسختهم القبطية الخاصة بلون حضارتهم ومصريتهم وعندما دخل الاسلام مصر مصرت مصر الإسلام كما فعلت مع المسيحية فقرا القران باللهجة المصرية واعتنق المصريون الاسلام بخلفيتهم الحضارية فحافظوا علي ثوابت معتقداتهم الدينية لكن في اطار مخزونهم الحضاري وهذا هو سر من اسرار الشخصية المصرية التي استجابت للمتغيرات لكن في اطار مغلف من الخصوصية شديدة التفرد .
فجمعت الهوية المصرية الفرعونية علي امتدادها التاريخي بين مختلف الثقافات والديانات واستطاعت ان تتخطى الفوارق العقائدية والعرقية في بوتقة المخزون الحضاري المصري الخالص في دلالالة واضحة علي عمق تراثها الثري الذي حفظ لها طبيعتها المتميزة غير القابلة للتكرار اوالنسخ حتي لو اصابها الوهن وهي واحدة من تجليات العبقرية المصرية التي تفسر عظمة الشعب المصري
فالهوية المصرية ذات طابع متفرد وحالة انسانية ووجدانية خاصة جدايصعب بل يستحيل تشابهها وهي هوية غير قابلة للاختزال أو التجزئة وهو ما اكده واحد من عباقرة نتاج هذا المزيج الحضاري د.طه حسين في كتابه الابرز مستقبل الثقافة المصرية حيث يري ان الهوية المصرية ظلت تحافظ علي حريتها دون جمود تشكل ذاتها دون ان يستطيع احد تشكيلها عنوة او قهرا فهذا الاصيل علي مدار حضارته الممتدة الالاف السنين لم يتحول من نص مقدس الي مطية وللهوية المصرية فصول من العشق كل عام وانتم بخير