قصة منتصف الليل.. حضرة المتهم «فسيخ»
الأحد، 08 أبريل 2018 08:15 ماسراء الشرباصي
جلس "نور" يداعب فأره الالكتروني، يضغط على رأسه ضغطات متتالية لتتحرك شاشة الحاسوب وتظهر صور تذكارية اعتاد أن يتأمل فى تفاصيلها في مثل هذه الأيام من كل عام، ففي الوقت الذى يحتفل به الجميع بأعياد الربيع وشم النسيم وتناول أكلاتهم المفضلة من أسماك مملحة، يشرد ذهنه وسط تفاصيل صور زوجته لتذكره بسنوات الحب التي عاشها مرفرف القلب وانتهت بألم الفقدان.
تزوجها بعد 4 سنوات من قصة حب كانت كفيلة، أن تكون حديث الكافة في الجامعة، فلقد جمعهما القدر ليطلبان العلم من ذات الجامعة ومال قلب كل منهما إلى الآخر واتفقا على ألا يفرقهما شئ سوى الموت وهو العهد الذي جعل "نور" يتوجه لخطبتها من أهلها فور تخرجهم من الجامعة وبعد عامين من الخطبة وثق الرباط المقدس قصة عشقهما.
زواجهما كان محل نظر الكثيرين لما عاشاه من سعادة ومودة ملأت عش الزوجية، لم ينظر أحد إليهما إلا ودعا ربه أن يخوض تجربة عاشقة تمحى القصص المؤلمة عن الزواج التي تتبعثر هنا وهناك.
وبعد عدة أشهر من زواجهما بدأت زوجته التحضير للاحتفال بيوم شم النسيم مع أسرتها بصحبة زوجها، واتفقا على قضاء اليوم فى أحد الحدائق العامة التى فاحت بين جوانبها وأشجارها رائحة الفسيخ والأسماك التى لم تحاول الأسرة بأكملها تناولها من قبل لم سمعاه من حالات تسمم قد تصيب متناوليه.
وجلست العائلة وسط الحديقة تستمتع بالمناظر الخلابة، رغم تلوثها بآثار المقبلين على الحديقة بأطعمة متنوعة وترك مخلفاتهم، وبعد دقائق فوجئوا بجيرانهم الذين جاءوا إلى ذات الحديقة لقضاء يوم شم النسيم ومعهم أنواع عديدة من الأسماك لعل أبرزها الأسماك المملحة من فسيخ وملوحة، وصمم جيرانهم أن يتناولوا الغداء بصحبتهم فجلس الجميع وجلست زوجته بجوار جارتها، التي أقسمت عليها بأن تتذوق الفسيخ، فخجلت الزوجة وخشت أن تظن جارتها أنها مغرورة وترفض تذوق طعامها.
وتناولت الفسيخ فتلذذت بطعمه المميز رغم رائحته النفاذة فبدأت فى تناول كمية كبيرة منه دون أن تستطيع التوقف عن مد ايديها واختطاف رغيف خبز إضافى، وبعد إنتهاءها من تناول الطعام شعرت بإعياء شديد فى معدتها لم تستطع بسببه وقف صراخها من شدة الألم وهو الصراخ الذى بكى أمامه زوجها العاشق واصطحبها إلى المستشفى ليؤكد الطبيب هناك أنها مصابة بالتسمم نتيجة تناولها كمية كبيرة من الطعام الفاسد.
حاول الطبيب السيطرة على حالتها إلا أن حالات التسمم تتزايد فى المستشفى وبدأ الوضع يفلت من أيدى الأطباء فلم يستطيعوا إنقاذ الكافة، وبعد عدة ساعات لقت زوجته مصرعها، لتغير العائلة وجهتها من العودة إلى الحديقة ليبدأون فى تجهيز دفن إبنتهم فى مقابر العائلة وتحول عيد شم النسيم لديهم إلى ذكرى وفاة الإبنة العاشقة.
وامتنع "نور" عن الزواج مجددا واكتفى بحياته وسط ذكرياته مع حب عمره التى خطفها الموت من بين أحضانه ليبقى وحيدا بين صورها.