لا تنه عن شيء وتأتي بمثله
السبت، 31 مارس 2018 02:13 م
ما أسهل الأقوال وأصعب الأفعال .. الجميع يستطيعون التحدث بما يلقى إعجاب المستمعين فالكلام مجاني وسهل أما الفعل فليس بذات السهولة ، والفاصل بين الحقيقي والمزيف هو الأفعال لا الأقوال .
فمن المؤسف أن نجد شخصا يدعو للفضيلة وقال الله وقال الرسول ، يناقض كل ما يدعو اليه ، فإن تحدث كذب وإن اؤتمن خان وإن خلى بنفسه فسد وإن عرضت عليه رشوة قبل ! فهل مثل هذه النوعية من البشر كفء لأن نصدقها ونؤمن بما تدعونا له ؟ وهل تلك النوعيات أفضل من الصريح الذي لا يدَّعي لنفسه الفضائل ؟ فهو حتى وإن فسد فيكفي أنه واضح مع نفسه ومع الآخرين ولم يخادع منذ البداية .
أستعجب من ذوي الدعوات الرنانة الذين كثيرا ما يفاجئوننا بأنهم يقولون ما لا يفعلون ، وهنا تكمن المشكلة وهي عدم الاتساق مع النفس ومع الأفكار التي يدعون إليها .. فهناك من يوافق باطنه ظاهره أيا كان ، وهناك من يظهر ما لا يبطن .
وأيضا نجد كثيرين يتحدثون ويدعون لضرورة تصفية وتطهير النفوس من الغل والحقد ، وفي المواقف المختلفة تظهر نفوسهم الحقيقية الحاقدة على من هو أنجح او أفضل منهم ، وهنا تأتي الصدمة لأن الباطن خالف الظاهر تماما .
ومن البشر من يدعي أنه الصديق الصدوق ، ويعلي في أحاديثه من قيم الصداقة ، وفي النهاية نكتشف أنه مجرد (صاحب) يصحب في أوقات الفراغ والتسالي والمصلحة فقط ، لكنه لا يؤمن حقا بقيمة الصداقة ومعانيها الحقيقية ، ولا يبرز من الأفعال ما يليق بما يدعو إليه من قيم ، لذا دائما ما نقول عدو ظاهر أفضل كثيرا من صديق يخفي العداوة .
لِنَصِل في النهاية للرموز الشعبية الذين يتشدقون بأهمية الديمقراطية وحرية الرأي والاختيار المطلق ، ويوهمون من حولهم بأنهم الرعاة الرسميون لتلك المبادئ ، وللأسف يرسبون في كل اختبار ، فإذا ما خالفهم أحد الرأي لا تجد منهم سلاسة التقبل للآخر أبدا ، بل يبدون انفعالات وردود أفعال وتسفيه للآخرين لا تختلف أبدا عن من ينكرون أهمية تلك المبادئ ، بل هم يماثلون أي ديكتاتور ، فهذا يريد أن يجبر الآخرين على اتباع افكاره وإلا أصبحوا جهلاء ومغيبين ، وذاك أيضا يريد أن يجبر الآخرين على عدم مخالفته ويعتبر نفسه الفاهم والواعي الوحيد .
المشكلة هنا تكمن في عدم ( الاتساق) فإذا أظهر من لم ينتحل صفة (الديمقراطي) أفعالا غير ديمقراطية فهو أمر طبيعي ومتوقع ، حيث إنه متسق مع نفسه وربما يجد تقبل لشخصه ولأفعاله لأنه واضح وصريح ، ولم يدعو لشيء ويفعل نقيضه ،
أما راعي الديمقراطية عندما يناقض نفسه هنا تأتي الصدمة والاستعجاب فكيف لي أن أصدق شعاراتك وقد أكدت لي أنك شخصيا غير مؤمن بها ولا تطبقها على أرض الواقع؟ بل ربما إن تملكت زمام الأمور لأصبحت الأكثر ديكتاتورية ، فلا يوجد مبرر في الدنيا يجعل إنسانا يتخلى عن مبادئه إن كان مؤمنا بها فعلا ، وتأتي تبريرات بعض مدعيي الديمقراطية أنهم يردون على من يتهمهم باتهامات مماثلة ! ويقارنون رد فعلهم برد فعل من يخالفون أفكارهم ! وهم بهذه التبريرات يعترفون ضمنيا أنهم لا يختلفون عن غيرهم ، ولا يستطيعون تطبيق ما يدعون إليه حين يمسهم الأمر أو يختلف البعض مع رغباتهم ، بل هم في الحقيقة متساوون مع ذوي الأفكار المخالفة ولكنهم يرتدون أقنعة مزيفة .
وفي النهاية نجد تساويا بين الجميع ، إلا أن الفرق الوحيد أن هناك من هو صريح منذ البداية ، وهناك مخادع ومزيف يُكتَشَف في المواقف .
ولا مجال للمزايدة فلا فضل بين ديمقراطي ، وغير ديمقراطي إلا بالممارسة الفعلية على الأرض ، فلينظر كل منا في المرآه إلى وجهه الحقيقي ، وليحاسب نفسه ، ويراجع أفكاره قبل أن يحاسب الغير .
ولنتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان .