أين محمد صلاح في كلٍّ منا؟
الأحد، 25 مارس 2018 10:24 م
مما لا شك فيه أن المسلم يشعر بالفخر حين يرى من يُقلّد لاعب كرة القدم، النجم المصري والعالمي الكبير محمد صلاح، خاصة من الهواة غير المسلمين حين يسجد سجدة الشكر بعد تسديد هدف في شباك الفريق الخصم. وقد لفتت نظري بعض المقاطع المرئية التي تداولها الكثيرون والتي يظهر فيها لاعبو كرة قدم صغار في السن من غير المسلمين وهم يسجدون كمحمد صلاح أثناء لعبهم كرة القدم. البعض علّق على هذه المقاطع بالقول أن محمد صلاح أصبح أفضل داعية للإسلام اليوم.
بلا شك أن محمد صلاح قدوة عظيمة وحامل لرسالة شريفة. لكن لدي اعتراض على تبسيط الموضوع بأن المسألة هي مجرد أداء سجدة الشكر. الذي جعل من محمد صلاح قدوة وعملاقاً في مجاله وفخراً لنا جميعاً هو إخلاصه في عمله ومُثابرته للوصول للأعلى وتطلعه لأن يكون الأفضل في مجاله وكفاحه من أجل ذلك كله، فأصبح شهادة حية على أن المسلم ليس هو ذلك الإنسان السلبي المُستهلك بل هو من صُنَّاع الحياة ومن المتميزين بين البشر بعطائه وإيجابيته.
ولكن لكي تكون مع العمالقة في مجالك، فالطريق طويل وشاق مهما كنت موهوبًا، فطريق العمالقة هو طريق التعب والمثابرة والتضحية والصبر والكفاح ومراعاة الوقت والحرص على تحصيل الأفضل. كي تكون مع العمالقة لن يهد لك بال ولن ترض من نفسك أن تقدم القليل أو المتوسط، بل ستكون قاسياً في محاكمة نفسك، لن تحاول مجاملتها ولن تستمع لذلك الصوت الذي سيحاول إقناعك أنك وصلت لمستوى الكبار في مجالك، فلماذا إذاً المثابرة؟ لا، بل سترى نفسك دائماً مثل التلميذ في بداية طريقه، لديه الفضول كي يتعلم ولديه الطموح كي يتقدم أكثر فأكثر. نعم، هذا الطريق هو طريق التضحية، وستتعب كثيراً وربما لن ينالك الكثير من الراحة، ولكنك في أعماقك سوف تكون أسعد إنسان وستكون فخوراً لأنك أخلصت لعملك ولهدفك وبذلت المستحيل من أجل أن تكون من صُنَّاع الحياة.
محمد صلاح يُجسِّد كل هذه المعاني ولمصر الحق أن تفتخر به وبأمثاله من العمالقة في تخصصاتهم، من مسلمين أو أقباط أو غيرهم من أمثال الطبيب والجراح العالمي الكبير مجدي يعقوب أو عالم الكيمياء الفذ والحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء أحمد زويل وغيرهم كثيرون.
رسولنا الكريم عليه السلام قال مُخبراً عن المولى عزّ وجل: "إن الله يُحِب إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنه". محمد صلاح أتقن عمله وفعل بذلك ما يُحبه الله. لم أقصد في بداية المقالة أن أقلل من شأن السجود لله شكراً، فنحن مدينون لله بكل نَفَسٍ نتنفسه، فكلّ ذرة فينا تسجد لله شكراً، رسالتي التي أريد أن أوصلها هي أ نّ الإسلام ليس مجرد مظاهر، بل رسالته أعمق من ذلك بكثير، وإذا أردنا أن نكرم محمد صلاح فعلاً، فلنستمع لرسالة حاله لنا: "المسلم والإنسان العربي لن يرفع رأسه بين الأمم بمجرد رفع شعارات رنانة، أو الادعاء بأنه شعب الله المختار، بل المسألة هي مسألة جد واجتهاد ومثابرة وإخلاص في العمل وصناعة للحياة".
كم من رجل دين زارنا هنا في ألمانيا وتحدث لغير المسلمين عن تفوق الإسلام وعن مزاياه ولكن طرحه كان ضعيفاً وبعيداً عن ثقافة العصر، حيث تغلب العاطفة والحجج الأيدولوجية (هو كذلك لأنه كذلك)، فتكون النتيجة أن المستمع غير المسلم يخرج من اللقاء ولديه صورة غير مشرفة عن عمق الإسلام الفكري. الإسلام ليس إنساناً يتحدث، بل نحن المسلمون هم الذين يمثلون الإسلام، فالآخر يتعرف على الإسلام من خلالنا ويُحاكم الإسلام من خلال تصرفات أتباعه، كما أننا نحكم على الغرب من خلال تصرفاته وسياساته وأخلاق شعوبه وحكامه، لا من خلال قراءة نظرية لحقوق الإنسان ونظريات العدل والحريّة والديمقراطية. إذاً عظمة الإسلام في نظر الآخر تتوقف على عظمة أتباعه، أخلاق الإسلام يرسمها أتباعه، عمق الإسلام الفكري والحضاري يتوقف على عمق أتباعه الفكري والحضاري، موقف الإسلام من الخير والعدل والحب والتسامح والإنسانية يُحددها موقفنا نحن كمسلمين من هذه القيم جميعها في واقعنا المعاش، لا في حديثنا النظري. ماذا كان سيستفيد فريق محمد صلاح الرياضي ليفربول إذا ألقى عليهم محاضرات عن قدراته ومواهبه ثم إذا نزل إلى أرض الواقع كان لعبه ضعيف المستوى؟ المسألة ليست دعاوى وشعارات وتنظير، بل واقع وتطبيق. وهنا تتبلور عظمة محمد صلاح، فهو شاهد على قيم الجد والاجتهاد والمثابرة والإخلاص في الإسلام.
فأين محمد صلاح في كل منا؟ أين هذا الإنسان الجاد المكافح في كل منا؟ لو أردنا أن نرفع رأس الإسلام، فليبحث كلٌ منا عن ذلك الإنسان في داخله، كلٌ في مجاله وفي مختلف أدواره في الحياة. أين كان سيكون موقعنا كعرب وكمسلمين من الإعراب بين الأمم لو أن كلاً منا وضع لنفسه هدفاً أن يكون متميزاً في كل ما يقول أو يفعل، وذلك حتى في أبسط الأمور، حتى في ممارسته لهواياته، حتى في تخطيطه لقضاء وقت فراغه، حتى في اختيار نوعية طعامه، حتى في اهتمامه بصحته، حتى في تزيينه لبيته ومظهره الخ. فساعتها يُرِيد الأب من نفسه أن يكون أفضل أبٍ بين الآباء بحبه لعائلته وأخلاقه وحرصه على سعادتهم، وكذلك الزوج والأم والزوجة والعم والخال والابن والبنت والجار والعامل والموظف وصاحب العمل والمدير والمسؤول والرياضي والمهندس والمحامي والصحفي والطبيب الخ.
من تكريم الإنسان لنفسه ألاّ يرضى لها ومنها إلا الأفضل والأكمل والأرقى وذلك على جميع المستويات وفي شتى شؤون الحياة. فإن أرادت أمة أن ترفع رأسها بين الأمم فهذا متوقفٌ على أبنائها، إما أن يرفعوا هم رأسها بالعمل الجاد والمثابرة أو يتركوها في ذيل الأمم.
فشكراً لك محمد صلاح، لقد رفعت رأسنا!