منذ 8 سنوات القضاء الإداري حسم الموقف..
التصويت في الانتخابات الرئاسية كان حُلما فأصبح حقيقة
الأحد، 18 مارس 2018 11:00 ص
"ادخلوها بسلام آمنين".. يسافر المصرى إلى الخارج، بحثاً عن لقمة العيش الحلال، وفرصة العمل الكريمة الشريفة، مُتوجها إلى دولة عربية أو أجنبية فى آسيا أو أفريقيا أو أوربا أو الأمريكتين الشمالية والجنوبية أو استراليا، ولكنه عندما يغادر وطنه، يظل متعلقاً به ليل نهار، يحسب ويعد الأيام والليالى، ويحلم بيوم العودة إليه مرة أخرى، إلى الدرجة التى تدمُع فيها عينيه، عندما يسمع أغنية تتحدث أو تصف معالم فى مصر، لا يشعر بهذه "القشعريرة" ولا بهذا الحنين سوى من سافر أو اغترب عن "أم الدنيا"، ولك أن تتخيل أنّ أغنية الفنانة الراحلة شادية (ادخلوها آمنين.. ادخلوها سالمين.. مصر بلد الطيبين.. مصر بلد المؤمنين)، هذه الأغنية كانت ومازالت تُبكى كثير من المصريين المغتربين عند سماعها، كما كانت الأغنية مقدمة لبرنامج (رسالة مصر)، وهى رسالة صحفية إعلامية "ملخصة" عن أهم الأحداث خلال أسبوع فى المحروسة، كان يرسلها التليفزيون المصرى لتليفزيونات بعض الدول العربية لإذاعتها للعاملين المصريين فى الخارج قبل أن تتعدد القنوات الفضائية وظهور وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة ونقل الأحداث لحظة بلحظة.
فى البداية كان الحلم
منذ عام 2008، وضع عدد من المحامين الكبار المهمومين بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان قضية تصويت المصريين فى الخارج نصب أعينهم، وأخذ هؤلاء على عاتقهم أمانة ومسؤولية أن يكون للمصريين فى الخارج حق التصويت فى الانتخابات المصرية سواء كانت برلمانية أو رئاسية، وعلى الرغم من أن الفكرة والحلم كانت إرهاصاته قبل ذلك بسنوات طوال، إلاّ أن الخطوة العملية وطرق أبواب القضاء والمحاكم بدأت فعليا وعملياً عام 2010 برفع عدد من الدعاوى القضائية تطالب الحكومة بالبدء فى الإعداد لوضع تصويت المصريين فى الخارج موضع التنفيذ، غير أن الحكومة تعللت ــ وقتها ــ بعدد من الأسباب والمعوقات ولكن المحامين واصلوا طريقهم المحفوف بالمخاطر ووصلوا ــ أخيراً ــ فى عام 2011 إلى محكمة القضاء الإدارى التى قضت يوم الخميس 27 أكتوبر من نفس العام بتمكين المصريين فى الخارج من التصويت فى الانتخابات وثارت ــ وقتها ــ التساؤلات حول مدى ضمان نزاهة العملية الانتخابية بالخارج علاوة على كيفية توفير الإشراف القضائى.
تصويت المصريين فى الخارج أصبح حقيقة
جاء حيثيات الحكم ــ وقتها ــ (أن اللجنة العليا للانتخابات تتمتع بالاختصاص والسلطة اللازمين لتمكين كل مواطن مصرى من مباشرة حقه فى المشاركة فى الاستفتاءات والانتخابات فى وطنه)، فيما أعلنت وزارة الخارجية عن كونها ليست جهة اتخاذ قرار فى هذا الشأن وأنها ملتزمة بالتنفيذ فى حال إقراره عبر السفارات والقنصليات المصرية بالخارج، والتى سبق أن أرسلت تصورات عن إجراءات وترتيبات الانتخابات فى حالة ما إذا تقرر المضى قُدما فى منح المصريين بالخارج حق التصويت.
الحُكم واجب النفاذ
فى هذا الوقت من عام 2011 أكد المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس اللجنة العليا للانتخابات حينها، احترام اللجنة لحكم محكمة القضاء الإدارى وحق المصريين فى التصويت بالانتخابات، قائلا إن «الحكم واجب التنفيذ، وأن اللجنة لم تنكر من قبل حق مصريى الخارج فى التصويت»، غير أنه أشار إلى أن «التنفيذ يحتاج إلى آليات أكبر بكثير من إمكانيات اللجنة العليا» وأن اللجنة تنفيذية ومنوط بها تنفيذ ما تُكلف به من قبل القائمين على شئون البلاد، متابعا «نقل العملية الانتخابية إلى الخارج فوق إمكانات اللجنة ، ولا نملك أدوات لتنفيذها».
وتابع رئيس اللجنة العليا للانتخابات ــ وقتها، أنه سبق أن صرح مرارا وتكراراً أن تصويت المصريين بالخارج «قرار سيادى» فى المقام الأول ، ولا تملكه اللجنة العليا للانتخابات ، وأن المجلس العسكرى الوحيد الذى يمكنه تفعيل القرار ، لأنه مرتبط بإجراءات معينة ومحددة ، وأضاف: «حكم المحكمة يُنفذ فورا، ولكن كيف ننظم تصويت ملايين المصريين بالخارج ، ونحن لا نملك أموالا، وليس لدينا قضاة جاهزون للإشراف على العملية الانتخابية بالخارج ».
الإشكالية فى تطبيق الحكم
ووقتها أيضا أكد أحد الخبراء القانونيين، أن الحكم حول حق المصريين فى الخارج من الانتخاب والترشح «سليم» من الناحية النظرية، ولكن «الإشكالية تكمن فى كيفية تطبيق الحكم وفقا لنص القانون الذى لم يحدد فى أي من مواده أو يرد بها تفصيلا حول إجراءات وضوابط وآليات تصويت المصريين بالخارج».
وتابع الخبير القانونى: «تصويت المقيمين بالخارج حق أصيل للوصول إلى الديمقراطية الحقيقية، ولكن يجب التفريق بين حق المصريين بالخارج فى المشاركة بالعملية الانتخابية، وبين عدم وجود نص قانونى، يوضح وينظم إجراءاتها بطريقة نزيهة وشفافة، فالحكم يعبر فقط عن مدى أحقية المصريين بالخارج وإرادتهم فى التعبير عمن يمثلهم».
وأشار الخبير القانونى إلى إمكانية تطبيق الحكم بالنسبة للانتخابات الرئاسية ، مقابل صعوبة تنفيذه فى الانتخابات البرلمانية لـ«ضيق الوقت»، فضلا عن أن اللجنة العليا للانتخابات لا تملك الإمكانات اللازمة على الوجه الذى شملته حيثيات الحكم ، ولا يوجد تصور واضح يبين إجراءات أو تفاصيل العملية الانتخابية بالخارج ، وأضاف : «الأمر صعب من الناحيتين القانونية والعملية، ويجب على المشرع أن يسارع بوضع قواعد تنظم وتفعّل حق المصريين فى الخارج ، وتوصى بوضع الإجراءات القانونية بطريقة شفافة بحيث تضمن نزاهة العملية الانتخابية بالخارج».
عملية التصويت و بطاقة الرقم القومى
وأشار أحد أساتذة القانون الدولى العام بكلية الحقوق جامعة عين شمس، إلى أن الصعوبات التى تواجه عملية التصويت بالخارج، تتمثل فى أعداد المصريين الكبيرة فى بعض الدول واستحالة تجميعهم للتصويت فى مقر السفارات، إلى جانب صعوبة توفير مقار انتخابية بالخارج، ومن الناحية القانونية يجب أن تتم عملية التصويت ببطاقة الرقم القومى، وهذا لا يتوافر لدى الكثير من الموجودين فى الخارج، بحسب قوله.
وقال أحد المستشارين ، وهو نائب رئيس محكمة النقض سابقاً، إن الحكومة تحاول دائما أن تُصّدر للناس استحالة تصويت المصريين بالخارج على الرغم من أن هناك العديد من المقترحات للمختصين وقد و ضعت تصورات كاملة لعملية التصويت الإلكترونى، إضافة إلى منح السفراء السلطة الممنوحة للقضاة للإشراف على العملية الانتخابية وضمان نزاهتها، مؤكدا أحقية المصريين المقيمين بالخارج فى المساهمة فى مستقبل بلدهم ولا يجب أن يُحرموا من هذا الحق.
فرحة تصويت المصريين فى الانتخابات
اليوم وأمس، أصبح الحُلم حقيقة، وشهدت دول العالم التى يتواجد ويعيش بها مصريون، حدثاً استثنائياً وهو مشاركة هؤلاء المغتربين ــ عن أوطانهم ــ فى الانتخابات الرئاسية، وقد خرج المصريون بكثافة فى العواصم العالمية والعربية لممارسة حقهم الانتخابى وبصورة مُشرّفة فى اختيار رئيسهم وتحول هذا الاستحقاق الانتخابى إلى عُرس ديمقراطى يتباهى به المصريون، الذين شاركوا فى هذا الحدث وهذه المناسبة السعيدة.