سوزان الحاج... الجميلة التى سكنها الشيطان
السبت، 17 مارس 2018 06:00 معبد الفتاح على
من بين إخوة ذكور تسعة، ووالد مكافح يعمل «صول» فى الشرطة، خرجت سوزان الحاج التى تتجاوز الآن الواحد والأربعين ربيعًا، من قرية «فيع» التى تقع على بعد عشرة كيلومترات من جنوب طرابلس معقل طائفة «السنة» فى الشمال اللبنانى. كانت تلميذة مدرسة «المعارف الرسميّة» فى القرية النائية، وابنة لطبقة فقيرة، لم يكن راتب أبيها، أو معاشه فيما بعد يكفى؛ سوى لحياة متواضعة، بعيدة كل البعد عن حياة اللبنانيين التى تعكسها الأفلام والمسلسلات العربية.
عندما كانت طفلة، ظلت تتخيل نفسها كل ليلة، وهى تضع رأسها على الوسادة، أن تصبح عسكرية مرموقة، تضع حاجزا فى الشارع أمام بيتها، لتوقف المارة وراكبى السيارات، لتفتش فى أوراقهم، وتتأكد من شخصياتهم، هكذا قالت فى إحدى حواراتها الصحفية.
ورغم أنها خريجة كلية هندسة الاتصالات من جامعة البلمند، وحاصلة على درجة الماجستير فى علوم الكمبيوتر، إلا أن التحاقها بالشرطة، له مصادفة عجيبة، نتجت عن خطأ مطبعى فى إعلان لقوى الأمن عن حاجتها لضباط، وسقطت من الإعلان كلمة «ذكور».
انتهزت سوزان الخطأ، واستطاعت أن تصبح «رجل أمن» وليس سيدة، كما كانت تحب أن تنادى، وكما كانت تحكى لسيدات المجتمع عن قصة كفاحها ومقاومتها لقوى «الشر» الذكورية التى تسيطر على كل المناصب.
كانت القصة جديرة بمنحها «ميزة» القرب من صفوة المجتمع، وباتت زوجات الكبار السند الأقوى والأهم، فى مسيرة سوزان التى لم تخلُ أبدا من تخليها عن من خرج من السلطة، وبات عاجزا عن مساعدتها فى مشوار طموحها الذى أطاح بها فى النهاية.
ظلت بنت الـ «فيع» تترقى فى المناصب، ومن رتبة إلى أخرى أعلى وأهم، فبعد أن انخرطت فى صفوف قوى الأمن الداخلى عام 2001، تدرّجت حتى رتبة مقدم، ومن رئيسة الفرع الإدارى لمصلحة الاتصالات، إلى رئيسة الفرع التقنى لقسم مكافحة الإرهاب، ثم رئيسة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية.
ظلت تبحث عن الحياة فى ظل صاحب نفوذ، ثم تنتقل منه إلى ظل صاحب نفوذ أكبر وأخطر، حتى وقع ضالتها على فرد من عائلة «حبيش» المرموقة، سقط فى كمين حبها، بعد انبهر بقدراتها وطموحها.
وبعد هذا الحب، تبناها صديق زوجها اللواء منذر الأيوبى، رئيس فرع المعلومات فى قوى الأمن، وكان حاميها من رؤسائها الذين اكتشفوا حقيقتها مبكرا، ومن تصرفاتها المندفعة، التى كانت لا ترى سوى مصلحتها فقط.
رفضت سوزان التى كانت تدير 70 رجلا و5 سيدات، أن تنادى بلقب «ستنا» كما جرت العادة اللبنانية، وأصرت أن تكون مثل الرجال، فبات الكل يناديها بلقب «سيدنا»، وتنهر كل من يناديها بعكس ذلك، لتنال بعدها لقب أقوى شرطية، بعد حصولها على جائزة «الريادة فى الإدارة» من الإمارات.
كان العميد وسام الحسن رئيس فرع المعلومات يقف حائطا صلبا أمام ترقيتها الأهم، فى حين كان اللواء أشرف ريفى، مدير عام قوى الأمن الداخلى، أكثر المساندين لهذه الترقية، لكن «رفض» الحسن، لم يصمد كثيرا أمام «قبول» ريفى، فقد اغتيل الحسن بعد أشهر قليلة من هذا الرفض، فى حادث تفجير وقع فى منطقة الأشرفية ورقيت سوزان بعد ثلاثة أيام فقط من الاغتيال.
قبل العام 2012، لم يكن أحد يسمع باسم «سوزان» من العامة، فقد كان ذكره «حصريا» على طبقة سيدات المجمتع الراقى، التى لم تكن جذورها «الفقيرة» جزءًا منه، لكن الأغنياء والفقراء علموا باسمها بعد هذا العام، عندما تولت مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، ذلك المكتب الذى عرف فيما بعد بمكتب «مكافحة الحريات».
تحولت ذات الشعر الأسود الطويل، هدفا للصحف والمجلات، ومادة لأخبار المجتمع التى يحررها الصحفيون والإعلاميون، لكنها بادلتهم، الإعجاب بالترصد، والمتابعة بالتجسس، وضعوها بين سطور جرائدهم، فوضعتهم بين سطور محاضر تحقيقاتها.
فى عام 2013 أصبحت نجمة وزعيمة جبهة مقاومة احتكار الرجل للمناصب، وفى الوقت نفسه حولت فى هذه السنة وجهة مكتب المعلوماتية، من حماية الدولة من الإرهاب الإلكترونى، إلى جهاز تجسس على الصحفيين والإعلاميين والفنانيين والنشطاء.
ازدادت كراهية بنت «الصول» أكثر فأكثر، بعد أن باتت رمزا لقمع حرية التعبير، وبعد أن «جرجرت» عشرات الصحفيين والمدونين إلى التحقيقات، وأجبرتهم على التوقيع على تعهد بعدم نشر موضوع التحقيق.
البعض قبل وتحول إلى تابع لها، والبعض الآخر رفض، وقرر مواجهتها، وفى الأسبوع الواحد، يحتار القراء، ما بين مقال يمدح فى أقوى امراة فى لبنان، وآخر يصفها بعدوة الحريات، لكن الطرفين اتفقا على أمر واحد، جمالها.
البعض يتهمها صراحة بتهديدهم، عن طريق رسائل إلكترونية تأتى من أرقام ومواقع مجهولة، والبعض الآخر يتهم من يتهمها، بالعنصرية ضد المرأة، لأنه لا يريد أن يرى امرأة ناجحة كسوزان الحاج.
لكن هذه الازدواجية لم تدم طويلا، فالمرأة التى كانت تخرج على الناس تطالبهم بمساندتها لمكافحة الإدمان، والتوعية من مخاطره على الشباب، هى نفسها التى كانت تغض الطرف عن فيروس الفدية التى اجتاح لبنان والعالم لفترة، فقد كانت إدارتها مشغولة بأمور أخرى.
سقطت صورة السيدة الطموحة، فخر لبنان رجاله ونسائه محطمة المستحيل وقصة النجاح النموذجية لقطاع عريض من البسطاء والنبلاء، السذج والمخدوعين، فقد جرى الإطاحة بها من منصبها، بسبب «لايك» كانت «تجرجر» من أجله الصحفيين إلى المحاكم.
فقد ضبطت متلبسة به، وضعته على تعليق للمخرج اللبنانى شربل خليل يهاجم فيه النساء السعوديات ويتهمهنّ بالإرهاب، انتشر «اللايك» الشهير بشكل كبير على مواقع التواصل، ما أدى لاستدعائها للتحقيق بسببه، وجرى إقالتها سريعا من منصبها.
بعد الإقالة، ونشر التحقيقات، اكتشف الرأى العام أنها تلقت «تنبيهات» عديدة بسبب سلوكها المهنى والشخصى، وأنها لم تعر هذه التنبيهات أى اهتمام واستمرت المرأة «المبهرة»، والخارقة، فى تصرفاتها كأن شيئا لم يحدث.
ومثلما كانت تفتش فى سلوكيات الناس، وتحاكمهم أخلاقيا عليها، فتش رؤساؤها فى سلوكياتها وطريقة ارتدائها لملابسها فى السهرات الخاصة والعامة، بشكل لا يعكس وقار منصبها، ووقار كونها أما لثلاثة، وزوجة لرجل من عائلة مرموقة.
زوجها المحامى زياد حبيش، شقيق النائب هادى حبيش، وابن النائب والوزير السابق فوزى حبيش؛ عميد عائلة حبيش، التى أصبحت فيما بعد، جزءاً من تيار المستقبل، الذى يرأسه سعد الحريرى رئيس الوزراء اللبنانى.
لكن سوزان كانت تخرج من كل أزمة أقوى، ومن كل مصيبة، أشرس، ومن كل فخ، أكثر اندفاعا وأقل حرصا، حتى سقطت فى اتهام فبركة ملف أمنى للممثل الكوميدى زياد عيتانى معبود الجماهير اللبنانية ولفقت له أشرس تهمة قد تنسف أى شخصية عامة وهى تهمة (العمالة لإسرائيل).
آمنت المرأة القوية أن عيتانى كان وراء نشر «لايك» السخرية من السعودية ونسائها، فسخرت إمكاناتها للانتقام من الرجل الذى هز عرش السيدة التى أرعبت كل من تعامل مع وسائل التواصل الاجتماعى.
لا يمكن الوقوع فى فخ إصدار حكم أخلاقى على بنت «الصول» فما بالك بالحكم القانونى، فالقضاء اللبنانى كفيل به، لكن صورة الجميلة سوزان الحاج، تشوهت بشدة، ولم تعد تنفع معها عمليات تجميل، فى بلد الجمال «الصناعى»، خاصة بعد أن اكتشف الجميع أن هذا الجسد الجميل كان يسكنه شيطان.