المذهب الأشعرى.. قصة صدام الأزهر والوهابية وأزمة مرتكب الكبيرة

الأحد، 18 مارس 2018 04:00 ص
المذهب الأشعرى.. قصة صدام الأزهر والوهابية وأزمة مرتكب الكبيرة
احمد الطيب
عنتر عبداللطيف

أثار انعقاد مؤتمر «العقيدة الأشعرية وسؤال التجديد» والذى جرى بقسم الدراسات الإسلامية باللغات الأجنبية بكلية اللغات والترجمة العديد من التساؤلات عما هو المذهب الأشعرى؟ وكيف نشأ؟ خاصة إنه المذهب الرسمى للأزهر الشريف طوال عشرة عقود.
 
 
المذهب الأشعرى أسسه أبوالحسن على بن إسماعيل الأشعرى الذى ولد بالبصرة سنة 270 هـجرية، والذى مرت حياته الفكرية بـ3 مراحل، الأولى عاش فيها فى كنف أبى على الجبائى شيخ المعتزلة فى عصره، وتلقى علومه حتى صار نائبه وموضع ثقته، «والثانية» ثار فيها على مذهب الاعتزال بعد أن اعتكف فى بيته 15 يوماً- وفق كتابات إسلامية- يفكر ويدرس ويستخير الله تعالى حتى اطمأنت نفسه، وأعلن البراءة من الاعتزال وخط لنفسه منهجاً جديداً يلجأ فيه إلى تأويل النصوص بما يتفق والعقل وفى إثبات الصفات السبع عن طريق العقل، وهى الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام»، وجاءت المرحلة الثالثة لتثبت أن الصفات جميعها لله تعالى، وفى هذه المرحلة كتب كتاب «الإبانة عن أصول الديانة» الذى عبر فيه عن تفضيله لعقيدة السلف ومنهجهم الذى كان حامل لوائه الإمام أحمد بن حنبل، ولم يقتصر على ذلك، بل خلف مكتبة كبيرة فى الدفاع عن السنة وشرح العقيدة تقدر بـ98 مؤلفاً، توفى سنة 324هـ ودفن ببغداد، ونودى على جنازته بالقول: «اليوم مات ناصر السنة».
 
اللافت أن المذاهب الفقهية أربعة، هى الحنابلة والمالكية والشافعية والحنفية، لذلك فالمذهب الأشعرى هو مذهب عقائدى وليس مذهبا فقهيا يعنى بأمور العقائد الإيمانية.
 
فالمذهب الأشعرى- وفق أزهريين- منهج وسطى لا ينتمى للسلفية التى تأخذ بالنص، أو المعتزلة الذين يعملون العقل فقط وهو الأقرب لسنة النبى صلى الله عليه وسلم، لأنه منهج وسطى بين النقل والعقل، ولا يغالى فى العقل كما فعلت المعتزلة، ولا النص كما فعلت السلفية، ويجمع بين النص من جهة الدلالة والمقصد، وبين العقل إذا توافق مع النص وبهذا المنهج عبر عن وسطية الإسلام وواقعيته، فى أنه لا تفريض ولا إفراط.
 
ومن أمثلة الخلاف فى حكم «مرتكب الكبيرة» عند المذاهب السابقة يرى الخوارج بأن مرتكب الكبيرة كافر مخلد فى النار، أما المعتزلة فقالوا إن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر بل هو فى منزلة بين منزلتين، بينما يرى المرجئة أن صاحب الكبائر مؤمن كامل عند الله بعد أن يكون مقررا بالتوحيد، كما لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع الكفر طاعة، وهم يؤخرون حكم صاحب الكبائر إلى يوم القيامة، أما أهل السنة والجماعة فيرون أن صاحب الكبائر مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، تحت مشيئة الله تعالي، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه فى النار على ما كان من العمل ثم يخرجه منها فلا يخلده فيها.
 
لماذا ظل الأزهر الشريف يتمسك بالمذهب الأشعرى طوال 10 قرون؟ هذا ما أجاب عنه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، قائلا إن السبب الرئيسى أن هذا المذهب كان انعكاسا صادقا أمينا لما كان عليه النبى عليه الصلاة والسلام وصحابته وتابعوهم من يسر وبساطة فى الدين.
 
ووفق تصريحات للدكتور الطيب فإن ما فعله «الأشعرى» هو صياغة مذهب عقائدى ينصر فيه القرآن والسنة بدلالات العقول وببيان أن نصوص الوحى تستقيم على طريق العقل الخالص، إذا تجرد من شوائب الهوى ولجاج الجدل، حيث يقول الإمام البيهقى فيما ينقله ابن عساكر: «لم يحدث الأشعرى فى دين الله حدثا، ولم يأت فيه ببدعة، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة فى أصول الدين، فنصرها بزيادة شرح وتبيين، وأن ما قالوا فى الأصول وجاء به الشرع صحيح فى العقول، خلاف ما زعم أهل الأهواء من أن بعضه لا يستقيم فى الآراء».
 
ومن جهته، قال الدكتور يسرى جعفر، مدير مركز الفكر الأشعرى، وأستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إن الأزهر اختار المنهج الأشعرى ليكون أساسا للدارسة فى جامعته ومعاهده، مضيفا أنه لا فارق بين مذهبى «الماتريدية» «والأشعرية» إلا فى نقاط بسيطة، وأن المذهب الأشعرى يعبر عن وسطية الإسلام، كما أن الإمام الأشعرى اتبع منهج سلف الأمة من التابعين والصحابة.
 
ويرى «جعفر»، أن الأشعرية والماتريدية بمثابة المدافع عن العقيدة، وهؤلاء العلماء الذين ملأت شهرتهم الآفاق، حيث كانت الأشعرية فى الشرق منفتحة مع الثقافات الأخرى ولكن مع الضوابط الإسلامية، لافتا إلى أن الأشعرية هوجمت بشدة من قبل البعض، لأنهم أدركوا قيمة الأشاعرة العلمية والعقلية والكلامية الكبيرة، فهى قادرة على تجديد الخطاب الدينى مع المحافظة على الأصول بل مع تأكيد هذه الأصول.
 
وفق تصريحات للدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، فإن المذهب الأشعرى ليس مذهبا فقهيا على غرار المذاهب الفقهية الأربعة الحنابلة والمالكية والشافعية والحنفية، بل هو مذهب عقائدى يعنى بأمور العقائد الإيمانية، وهو المقابل لمذهب المعتزلة والمرجئة والسلفية، ويتميز بالجمع بين النقل والعقل، كما أنه يفسر الأمور المتعلقة بالعقيدة وفق العقل ودلالات النص.
 
ويؤكد كريمة أن مذهب الأشعرى يمثل الوسطية والاعتدال فى الإسلام ويجمع ما بين الثبات والمرونة، ويدحض كل المكائد والأفكار المنحرفة التى تحاول تشويه الإسلام وتتهمه بالجمود، مؤكدا أن من أبرز العلماء الذين يعتنقون هذا المذهب هو الإمام النووى‏ ‏‏شارح صحيح مسلم وصاحب رياض الصالحين، والإمام ابن حجر العسقلانى شارح صحيح البخارى فى كتابه الكبير فتح البارى، ومن العلماء من أهل التفسير وعلوم القرآن كل من القرطبى وابن العربى والرازى وابن عطية والسيوطى والآلوسى والزرقانى، ومن أهل الحديث وعلومه الحاكم والبيهقى والخطيب البغدادى وابن عساكر والخطابى وأبو نعيم الأصبهانى والعز بن عبد السلام والهيثمى وابن حجر، ولهذا السبب فإن الأزهر محق فى التمسك بهذا المذهب وتدريس علومه لطلابه.
 
سأل أحدهم عن حقيقة أن السواد الأعظم من المسلمين يتبعون المذهب الأشعرى، وجاءت الإجابة وفق موقع إسلام ويب السلفى كالتالى: «لا يصح القول بأن السواد الأعظم من الأمة الإسلامية على العقيدة الأشعرية، فإن كان المقصود بالأمة بمن فيهم العوام فإن الأصل فى العوام كونهم على الفطرة الصحيحة، ومن اعتقد منهم شيئا من العقيدة الأشعرية منهم لا يقال عنه أنه أشعرى، فهو مجرد مقلد فى ذلك، وأما العلماء فقد وقع كثير من المتأخرين من أتباع المذاهب فى هذه العقيدة متأثرين ببعض من تتلمذوا عليهم، ولكن لا يصح القول بأنهم السواد الأعظم، وإلا فماذا نقول عن الجمع الغفير من علماء السلف من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين ومن تبعهم بإحسان الذين لم يعرفوا شيئا عن العقيدة التى ينتهجها الأشعرية. هذا مع العلم بأن الأشعرى نفسه رجع إلى عقيدة السلف».
 
وفق فتوى سلفية فإن مصطلح أهل السنة له إطلاقان، عام وخاص  فالمراد بالعام؛ ما يكون فى مقابل الشيعة، فيدخل فيه من عداهم من الفرق الإسلامية كالأشاعرة والماتريدية وعليه يصح تقسيم المسلمين إلى سنة وشيعة، تتابع الفتوى: «قال شيخ الإسلام ابن تيمة- رحمه الله: فلفظ السنة يراد به من أثبت الخلفاء الثلاثة، فيدخل فى ذلك جميع الطوائف إلاّ الرافضة والمراد بالخاص؛ ما يكون فى مقابل أهل البدع، والمقالات المحدثة، كالشيعة، والخوارج، والجهمية، والمعتزلة، والمرجئة، والأشاعرة، والماتريدية وغيرها، فهؤلاء لا يدخلون فى مفهوم أهل السنة بالإطلاق الخاص.
 
تواصل الفتوى السلفية، قال شيخ الإسلام: «وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من أثبت الصفات لله تعالى، ويقول: إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يرى فى الآخرة، ويثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة»، وإليك بعض أصول الأشاعرة والماتريدية المخالفة لمنهج السلف الصالح، أهل السنة والجماعة: «أولا مصدر التلقى عندهم هو العقل، فقد صرح أئمتهم بتقديم المعقول على المنقول، بينما قدّم السلف المنقول على المعقول، ويرون أن الوحى هو مصدر التلقى، ثانيا التوحيد عندهم؛ نفى التثنية أو التعدد، ونفى التبعيض والتركيب والتجزئة، أما التوحيد وما يقابله من الشرك كما هو الشأن عند السلف الصالح فليست لهم عناية به، ثالثا الإيمان عندهم هو التصديق، واختلفوا فى النطق بالشهادتين، بينما الإيمان عند السلف: قول واعتقاد وعمل، رابعا: فرقوا بين لفظ القرآن ومعناه، فمعناه قديم واللفظ حادث، كما أحدثوا ما يسمى بالكلام النفسى.. خلافا لما عليه أهل السنة القائلون بأن القرآن كلام الله لفظا ومعنى، خامسا: الأشاعرة قالوا بالكسب، ومآل القائلين به القول بالجبر، وقد قال به بعضهم، خلافا لما عليه السلف.
 
تضيف الفتوى: «سادسا، أنكر الأشاعرة باء السببية فى القرآن، فكل من قال بأن النار تحرق بطبعها أو هى علة الإحراق فهو كافر عندهم، خلافا لما عليه السلف، سابعا، من لوازم التنزيه عند الأشاعرة نفى أن يكون لشىء من أفعال الله علة مشتملة على حكمة، حتى أنهم أنكروا كل لام تعليل فى القرآن، خلافا لما عليه السلف، ثامنا، اشتغلوا بتأويل نصوص الإيمان خاصة ما يتعلق بإثبات زيادته ونقصانه، وعطلوا آيات الصفات ولم يثبتوا سوى سبع صفات، والماتريدية جعلوها ثمانية، هذه أمثلة على خروج الأشاعرة والماتريدية عن منهج أهل السنة والجماعة، ولو دفع السائل نفسه فى التقصى عن مسائل الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية أنفسهم لوجدها قد جاوزت الستين فى الأصول والفروع، فكيف يجوز لنا القول بأنهم من أهل السنة والجماعة، مع ما تقدم ذكره من أن الأشاعرة مخالفون لإمامهم الأشعرى الذى ينتسبون إليه، وخير دليل على ذلك كتابه الإبانة، ورسالته إلى أهل الثغر وما دونه فى مقالات الإسلاميين».
 
تتابع الفتوى: «أما تصنيف السائل؛ الأشاعرة تساوى المالكية والشافعية، والماتريدية تساوى الأحناف والسلف تساوى الحنابلة، فهو تصنيف غير دقيق، وربما صدق هذا على المتأخرين من المالكية والشافعية والحنفية، أما المتقدمون منهم فهم على اعتقاد السلف. فالمالكية والشافعية والحنابلة والحنفية هم أتباع الأئمة الأربعة المشهورين، ومن هؤلاء الأتباع من وافق إمامه فقها ومعتقداً، ومنهم من انحرف عن جادة الطريق، وتبع الطوائف المخالفة لأهل السنة والجماعة، ولنضرب لذلك مثلاً: قال الإمام الشافعى: القول فى السنة التى أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم، وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن الله تعالى على عرشه فى سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا، فانظر رحمك الله إلى قول الشافعى فى ما أخذه عن مالك رحمه الله، وكيف أثبت علو الله على عرشه، وأثبت صفة القرب والنزول من غير كيف، خلافا للأشاعرة ممن يلتزم مذهبه فقها، الذين نفوا علو الله على عرشه، وأولوا الاستواء بالاستيلاء، وأولو صفات الأفعال الاختيارية كالقرب والنزول، قال الإمام الأصبهانى فى كتاب الحجة فى بيان المحجة معرفا بأهل السنة والجماعة: ما يدل على أن أهل الحديث (أهل السنة والجماعة) هم أهل الحق، أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم قديمهم وحديثهم، مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم فى الديار وسكون كل واحد منهم قطرا من الأقطار، وجدتهم فى بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد يجرون على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها قولهم فى ذلك واحد ونقلهم واحد لا ترى فيهم اختلافا ولا تفرقا فى شىء ما وإن قل كأنه جاء عن قلب واحد، وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة