بوركينا فاسو في مرمى نيران تنظيم القاعدة.. منطقة "رخوة" تحتضن بؤرة إرهاب جديدة
السبت، 10 مارس 2018 02:00 ص
تشهد منطقة الساحل الأفريقية والصحراء الكبرى، تصاعدا في العمليات الإرهابية خاصة في بوركينا فاسو، حيث شهدت بعض المقرات الرسمية والدبلوماسية عمليات انتحارية من بينها المقر العام للقوات المسلحة والسفارة الفرنسية والمعهد الفرنسي في العاصمة واجادوجو، سلسلة هجمات متزامنة وقعت في 2 مارس الجاري، وأسفرت عن مقتل 16 شخصًا من بينهم 8 من منفذيها، وإصابة نحو 80 آخرين.
وقال عرض بحثي لمركز المستقبل للدراسات المتقدمة، إن التنظيمات الإرهابية صعّدت في منطقة الساحل والصحراء من هجماتها، بدليل إعلان جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة" مسئوليتها عن هذه الهجمات.
يضيف المركز أن هذا التصاعد يرتبط بمجموعة متغيرات داخلية وإقليمية طرأت على الساحة مؤخرا، وذلك في ظل اتساع نطاق اهتمام المجتمع الدولي بمساعدة دول منطقة الساحل والصحراء في حربها ضد تلك التنظيمات، واستمرار العمليات العسكرية التي تشنها بعض القوى الدولية المعنية بالحرب ضد الإرهاب، مثل فرنسا، فضلاً عن تزايد التحذيرات من احتمال تحول بوركينافاسو إلى نقطة انطلاق جديدة للتنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة.
وفند المركز الحالة الإرهابية في بوركينا فاسو عبر مؤشرات، أبرزها العمليات المتواصلة، يقول: "لم تكن الهجمات الأخيرة المتزامنة التي وقعت في بوركينا فاسو الأولى من نوعها، حيث تعرضت العاصمة واجادوجو، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، لعمليات إرهابية متعددة شنتها بعض التنظيمات الخارجية والداخلية.
أنصار الإسلام
وتنشط داخل بوركينا فاسو جماعة "أنصار الإسلام" التي تعتبر إحدى أبرز الجماعات التي تستند إلى ظهير عرقي متمثل في قومية الفولاني، ويتزعمها مالام إبراهيم ديكو".
بحسب المركز عندما سعت الجماعة إلى الإعلان عن نفسها في 22 سبتمبر 2016، تمثلت أولى خطواتها في تنفيذ عملية إرهابية في منطقة ناسومبو شمال البلاد، أسفرت عن مقتل 12 جنديًا، ثم تكررت العمليات التي تبنتها بعد ذلك، على غرار الهجوم على مقرين للشرطة في منطقتى بارابولي وتونغوماييل في 27 يناير 2017.
التصعيد القاعدي
وشنت مجموعات إرهابية أخرى، تنمتي لتنظيم القاعدة، منها الهجوم على مطعم وفندق بالعاصمة في يناير 2016، أدى إلى مقتل 30 شخصًا، كما استهدفت بعد ذلك أحد المطاعم التركية بمنطقة كوامي نكروما في العاصمة في 14 أغسطس 2017، وهو ما نتج عنه مقتل 18 شخصًا من جنسيات مختلفة.
وإلى الآن لم تضح هوية التنظيمات الإرهابية التي قامت بتنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية الأخرى، مثل الهجوم على نقطتين للشرطة في مارس 2017، مما أسفر عن مقتل 3 أشخاص، والذي تزامن مع ارتكاب عمليات خطف وإحراق لبعض المؤسسات التعليمية.
منطقة رخوة
وهناك عدة دلالات للهجمات المتزامنة التي شنتها التنظيمات، أولها أن تلك المنطقة رخوة، وهو ما يشير له تعدد الهجمات الإرهابية في بوركينافاسو، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إلى أن التنظيمات الإرهابية باتت ترى أن الأخيرة تمثل هدفًا رخوًا يمكن عبره الرد على العمليات العسكرية التي تتعرض لها من جانب دول المنطقة والقوى الدولية المعنية بأمنها واستقرارها.
وشهدت بوركينا فاسو نحو 80 هجومًا منذ عام 2015، أدت إلى مقتل 133 شخصًا.
ويشير المركز إلى أن توقيت الهجمات الأخيرة جاء بعد أشهر قليلة من الإعلان عن تشكيل قوة عسكرية من دول منطقة الساحل (موريتانيا ومالي وبوركينافاسو وتشاد والنيجر) في ديسمبر 2017، لمواجهة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في تلك المنطقة، ما يعني أن تلك التنظيمات تريد توجيه رسالة للقوى المحاربة لها.
المصالح الفرنسية
العمليات الفرنسية في أفريقيا أحد أهم العوامل التي دفعت التنظيمات لشن عمليات متزامنة وهو ما فسره استهداف السفارة الفرنسية والمعهد الفرنسي في واجادوجو، على نحو يمكن تفسيره.
ودعت فرنسا إلى تأسيس قوة مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، فضلاً عن أنها تقوم بنشر قوة عسكرية لدعم الجيوش الوطنية في كل من موريتانيا ومالي وبوركينافاسو والنيجر وتشاد في مواجهة تلك التنظيمات، بحسب المركز: "لذا لا يمكن فصل تصاعد حدة الهجمات الإرهابية في الفترة الأخيرة عن التصريحات التي أدلت بها وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، في 23 فبراير 2018، وقالت فيها إن القوات الفرنسية تمكنت من تصفية 450 عنصر من التنظيمات الإرهابية منذ إطلاق عملية "برخان" في أغسطس 2014، وذلك بعد يومين من مقتل جنديين فرنسيين في مالي، مشيرة إلى قتل 120 منهم خلال الأشهر الإثنى عشر الأخيرة وتسليم 150 آخرين إلى السلطات المالية".
ونشرت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، قبل يوم واحد من وقوع الهجمات الأخيرة، مقطع فيديو للرهينة الفرنسية صوفي باترونا، التي كانت تدير جمعية خيرية لمساعدة الأطفال الأيتام في مالي، وتم اختطافها في أواخر عام 2016، بما يوحي بأن تلك الخطوة كانت مقدمة لتنفيذ العمليات الأخيرة التي تبدو موجهة لباريس تحديدًا.
وكشفت الهجمات الأخيرة عن تطور نوعي في العمليات الإرهابية، فالطرق التي نفذت بها في ظل تواجد كثيف لقوات الأمن بموقع الحادث يوحي بأن الهجوم كان أقرب إلى نمط العمليات الانتحارية منها إلى العمليات التقليدية، التي تقتضي وجود خطط للهروب بعد التنفيذ.
واختتم المركز أن التنظيمات الإرهابية التي تعتمد على تلك النوعية من العمليات تمتلك قدرات بشرية تمكنها من القيام بذلك، على نحو يزيد من خطورتها ويفرض ضرورة رفع مستوى التنسيق بين دول المنطقة والقوى الدولية المعنية بأزماتها، على المستويين السياسي والأمني.