عظم شهيدك.. عبد المنعم رياض رئيس أركان شهداء سيناء
الجمعة، 09 مارس 2018 01:36 ممصطفى الجمل
"قالوا ايه علينا دولا وقالوا ايه".. الصيحة التي هزت أرجاء مصر بما فيها من مشاعر صادقة تجاه أبناء الوطن الذين ضحوا بأرواحهم فداء للأرض والعرض، صاح بمثلها قبل عشرات السنوات، واحد ممن اعتقدوا في أن الحياة بكل متعها وزينتها لا تساوي جناح بعوضة، الشرف كان دائما نبراسا له فى الميدان، وحياته كانت أرخص تضحية فى عينه، اختصه المولى عزل وجل بالخلود على مسرح الحرب والعمليات، ضرب المثل الأعظم في التضحية والفداء بكل ما يملك من أجل رفعة وطنه وحماية أرضه.
هو صاحب اليوم الذي نحتفل به في 9 مارس من كل عام، إحياءً لذكرى استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، الذى استشهد وسط جنوده على الجبهة فى الضفة الغربية لقناة السويس عام 1969.
ولد الشهيد في 22 أكتوبر عام 1919، بقرية «سبرباي» محافظة الغربية، وكان والده «القائم مقام» عقيد محمد رياض عبد الله قائد كتائب الطلبة بالكلية الحربية، تلقى تعليمة الابتدائي في مدرسة السيدة نفيسة بالعباسية ثم بمدرسة العريش الابتدائية ثم انتقل إلى مدرسة الرمل الابتدائية بالإسكندرية.
التحق بكلية الطب بناء على رغبة أسرته ولكنه بعد عامين من الدراسة فضل الالتحاق بالكلية الحربية التي كان متعلقا بها وتخرج فيها عام 1938 برتبة ملازم ثان وحصل على شهادة الماجستير في العلوم العسكرية عام 1944 وكان ترتيبه الأول وأتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بامتياز في إنجلترا عامي 1945 و 1946 واجاد عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية وانتسب وهو برتبة فريق إلى كلية التجارة كما انتسب أيضا لكلية العلوم لدراسة الرياضيات البحتة.
«مكان الجنرالات بين جنودهم» أربع كلمات تلخص منهج الجنرال الذهبي، الذى أبى ألا يستشهد إلا واقفا بين جنوده، كاتما آلام إصابته بداخله، حتى لا يفتت عزيمة رجاله الذين كانوا مشغولين برد غارات العدو على مواقعهم.
المكان: المعدية رقم 6. الزمان 9 مارس 1969. الحدث: رئيس أركان القوات المسلحة يتفقد الخطوط الأمامية للجيش بالقرب من تمركز خطوط العدو.
على مرمى العين يبدو شريط القناة ينادى على رجالنا بالعبور، فهم للتو منتصرون فى معركة كبّدوا فيها العدو خسائر كبيرة، ونوايا الانتقام من جانب العدو قائمة وبشدة، والجنرال أدرى فرد بذلك، يعلم أن وجوده فى هذه المواقع المهددة دائما من العدو يعرض حياته للخطر، ولكنها العزيمة التى فطر عليها.
في تمام الثانية ظهرا، وصل البطل مرتديا زيه المدنى وبيده عصاه، يطلب من رئيس أركان التشكيلات، أن يمر على الوحدات ليقابل الرجال الذين حاربوا بالأمس، رافضا أن يصطحبه رئيس أركان التشكيل، مكتفيا بأن يذهب فى سيارة جيب قادها رقيب أول، وبالجوار رئيس أركان الجيش الثاني، وقائد المدفعية، وفى سيارة أخرى كان النقيب المرافق للفريق عبدالمنعم، وبعد أن سلكت السيارتان طريقهما إلى الكتيبة عند المعدية 6 وما حولها، قابله قائد الكتيبة ورئيس عملياتها، وحاول قائد الجيش أن يجعله يزور موقعا خلفيا لكنه قال له إنه سيذهب حتى ولو قطع الطريق إلى المقاتلين زاحفا، وأخذ ينتقل إلى مواقع المقاتلين، وطلب من قائدها أن يبقى فى غرفة العمليات تحسبا لأى طارئ، واصطحب معه رائدا من الكتيبة وطلب منه زيارة الموقع الأمامى ليلتقى جنوده ويناقش قادته، وبعد أن مكث معهم وقتا اتجه إلى الموقع رقم 6، وكان هذا الموقع يبعد عن مياه القناة سبعة كيلو مترات فقط وبين العدو على الشط الشرقى نحو مائة وخمسين مترا، وفجأة فتح العدو نيرانه وتجددت المعركة والتفت الفريق رياض إلى الرائد الذى كان يصاحبه وقال له «روح أنت وحارب فى كتيبتك»، بينما قفز هو فى حفرة حدثت نتيجة قذيفة منذ فترة، وقفز قائد مدفعية الجيش إلى حفرة مجاورة، وخلال ذلك سقطت دانة أصابت الفريق، ورئيس الأركان اللواء سعدى نجيب.
رغم الإصابة الصعبة إلا أنه لم يناد على أحد، وكتم آلامه فى صدره، رافضا أن يشرك فيها أحدا، حتى لا ينشغل الرجال عن معركتهم.
وجاء في بيان رئاسة الجمهورية الذى نعى فيه الرئيس جمال عبد الناصر البطل الفريق أول عبد المنعم رياض: "فقدت الجمهورية العربية المتحدة أمس جندياً من أشجع جنودها وأكثرهم بسالة وهو الفريق عبد المنعم رياض رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة وكان الفريق عبد المنعم رياض فى جبهة القتال وأبت عليه شجاعته إلا أن يتقدم إلى الخط الأول بينما كانت معارك المدفعية على أشدها وسقطت إحدى قنابل المدفعية المعادية على الموقع الذى كان الفريق عبد المنعم رياض يقف فيه وشاء قضاء الله وقدره أن يصاب وأن تكون إصابته قاتلة، إننى أنعى للأمة العربية رجلاً كانت له همة الأبطال تمثلت فيه كل خصال شعبه وقدراته وأصالته، إن الجمهورية العربية المتحدة تقدم عبد المنعم رياض إلى رحاب الشهادة من أجل الوطن راضية مؤمنة واثقة فى أن طريق النصر هو طريق التضحيات ولقد كان من دواعى الشرف أن قدم عبد المنعم رياض حياته للفداء وللواجب فى يوم مجيد استطاعت فيه القوات المسلحة أن تلحق بالعدو خسائر تعتبر من أشد ما تعرض له لقد وقع الجندى الباسل فى ساحة المعركة ومن حوله جنود من رجال وطنه يقومون بالواجب أعظم وأكرم ما يكون من أجل يوم اجتمعت عليه إرادة أمتهم العربية والتقى عليه تصميمها قسماً على التحرير كاملاً وعهداً بالنصرعزيزاً. مهما يكن الثمن ومهما غلت التضحيات".