في يوم عبد المنعم رياض.. فريق الشظايا القاتلة
الخميس، 08 مارس 2018 08:00 م
ربما لا يعرف البعض أن يوم الشهيد الذى تحتفل به مصر، يوافق ذكرى استشهاد البطل الفريق عبد المنعم رياض خلال حرب الاستنزاف عام 1969، وكرم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، اسم عبد المنعم رياض بمنحه رتبة فريق أول، ومنحه وسام نجمة الشرف العسكرية، وهى أرفع وسام عسكري، ليتحول يوم 9 مارس إلى يوم الشهيد في مصر.
فى 10مارس 1969.. نشر الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل مقالا مطولا في الأهرام نعى فيه استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض، ففي يوم 8 مارس قرر الفريق عبد المنعم رياض أن يزور أكثر المواقع تقدما ثم انهالت نيران القوات الإسرائيلية فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده ، لتنفجر إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة، ويستشهد البطل متأثرا بجراحه بسبب الشظايا القاتلة
ولد عبد المنعم رياض فى 22 أكتوبر 1919و شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، كما شغل من قبل منصب رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة المصرية وعين عام 1964 رئيسًا لأركان القيادة العربية الموحدة وفي حرب 1967كما عين قائدا عاما للجبهة الأردنية.
شارك الفريق عبد المنعم رياض في الحرب العالمية الثانية ضد الألمان والإيطاليين بين عامي 1941 و1942، وشارك في حرب فلسطين عام 1948، والعدوان الثلاثي عام 1956، وحرب 1967 وحرب الاستنزاف كما أشرف على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف خلال حرب الاستنزاف.
يقول هيكله في كتابه: «أغالب مشاعرى كلها الآن، لأكتب في آخر ما كنت أتصور أن أكتب فيه، وآخر ما كنت أريد أن أكتب فيه. ولقد كان السؤال الذي دهم حواسي كلها حين سمعت نبا استشهاد الفريق عبد المنعم رياض، فى موقع من أكثر المواقع تقدماً على جبهة القتال، وفى وقت ضج فيه الأفق بهدير المدافع – هو: – لماذا؟ لماذا ذهب؟ لماذا كان في هذا الوقت بالذات هناك وهو يعرف أكثر من غيره طبيعة ضربا المدفعية، خصوصاً من عدو لا يدقق فى التوجيه، ولا يهمه أن يدقق، لأنه على جبهة القناة، يعرف أن كل طلقة منه يمكن أن تصيب، بيتاً، مدرسةً، مسجداً، مصنعاً، موقعاً، أي شيء يستوي الأمر لديه، بينما مدافعنا نحن تحتاج لكي تصيب إلى تدقيق في التوجيه ضد عدو مستحكم في خلاء الرمال الواسعة على الضفة الشرقية حيث حفر لمواقعه، وأسدل عليها مختلف فنون التمويه والإخفاء!
يتساءل هيكل في مقاله لماذا ذهب، اليوم – الأحد – والتقديرات كلها بعد معارك يوم السبت تشير إلى أن العدو سوف يحاول فى الغد أن يثأر لخسائره المؤكدة، وأرجح الاحتمالات أن تتجدد معارك المدافع. وظللت أردد نفس السؤال، مختنقاً باللوعة، مشتعلاً باللهب وأنا أسمع التفاصيل الكاملة للمشهد الأخير في حياته، ولم يكن أساى لأني أعرف عبد المنعم رياض صديقاً قريباً وغالياً، ولكن – أيضاً – لأني أعرف قيمة الرجل وقيمة عطائه للوطن في وقت يحتاج فيه هذا الوطن إلى نفس هذا النوع من العطاء الذي يستطيع عبد المنعم رياض أن يعطيه.
يتابع هيكل، في مقاله، كان قد عاد بالطائرة قبل ساعات من بغداد، حيث حضر اجتماعات لرؤساء أركان حرب جيوش الجبهة الشرقية، وتابع معارك المدافع يوم السبت من مكتبه في القيادة العامة. وصباح الأحد ركب طائرة هليكوبتر في طريقه إلى أحد المطارات الأمامية للجبهة، ثم ركب سيارة عسكرية معه فيها مرافق واحد غير الجندي الذي يقود سيارة رئيس هيئة أركان الحرب.وانطلق يطوف بالمواقع فى الخطوط المتقدمة، يتحدث إلى الضباط والجنود، يسألهم ويسمع منهم، ويرى ويراقب ويسجل فى ذاكرته الواعية، وفى أحد المواقع التقى بضابط شاب، وكانت حماسته للشباب مفتوحة القلب ومتدفقة، وقال له الضابط الشاب، ولم يكن هدير المدافع قد اشتد بعد: – سيادة الفريق ..هل تجيء لترى بقية جنودي في حفر موقعنا؟ وقال عبد المنعم رياض، بنبل الفارس ، وبالإنجليزية التي كانت تعبيرات منها تشع كثيراً سلسة وطيعة على لسانه: Yes. By all means – أي: نعم، وبكل وسيلة.
وتوجه مع الضابط الشاب إلى أكثر المواقع تقدماً، الموقع المعروف برقم 6 بالإسماعيلية. وفجأة بدأ الضرب يقترب، وبدأت النيران تغطى المنطقة كلها، وكان لابد أن يهبط الجميع إلى حفر الجنود في الموقع، وكانت الحفرة التي نزل إليها عبد المنعم رياض تتسع بالكاد لشخصين أو ثلاثة. وانفجرت قنبلة للعدو على حافة الموقع، وأحدث انفجارها تفريغ هواء مفاجئاً وعنيفاً في الحفرة التي كان فيها عبد المنعم رياض، وكان هو الأقرب إلى البؤرة التي بلغ فيها تفريغ الهواء مداه، وحدث له شبه انفجار في جهاز التنفس.
يضيف هيكل في مقاله: وحين انجلى الدخان والغبار كان عبد المنعم رياض مازال حيث هو، وكما كان، إلا تقلصات ألم صامت شدت تقاطيع وجهه المعبر عن الرجولة، ثم خيط رفيع من الدم ينساب هادئاً من بين شفتيه، وتنزل قطراته واحدة بعد واحدة على صدر بذلة الميدان التي كان يرتديها بغير علامات رتب، كما كان يفعل دائماً حين يكون في الجبهة ووسط الجنود. ولم يكن لدى أطباء المستشفى في الإسماعيلية وقت طويل للمحاولة، برغم أمل ساورهم في البداية، حين وجدوا جسده كله سليماً بلا جرح أو خدش، لكنها خمس دقائق لا أكثر ثم انطفأت الشعلة، وتلاشت تقلصات الألم التي كانت تشد تقاطيع الوجه المعبر عن الرجولة، لتحل محلها مسحة هدوء وسلام، ورضى بالقدر واستعداد للرحلة الأبدية إلى رحاب الله».