هجين داعش.. نواة جيل أكثر إرهابا

هزائم متكررة دفعت بتنظيم داعش الإرهابي إلى الهاوية، أو بمعنى آخر لم يعد له وجود، غير عدة عناصر إرهابية لكن بدون معسكرات أو تجمعات.

الحال هكذا في العراق وسوريا – البؤر الرئيسية للتنظيم – وهو ما دفع عناصره إلى الهجرة إلى بؤر جديدة، ولكن بمسميات مختلفة، مرحلة "هجين داعش" كما تسميها مراكز الإسلام السياسي، تنذر بموجة إرهاب جديدة أو ما يسمونه الجيل الرابع من العنف.

وتمركز تلك الجماعات بشكل رئيسي في العراق وسوريا ممن لم يتمكنوا من الهروب، فأسسوا "الرايات البيضاء"، والتي اتخذت من إقليم كردستان والحدود المتاخمة للإقليم، كذلك في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز إحدى المناطق المرشحة لتصاعد نفوذ التنظيمات الإرهابية.

بحسب المراكز البحثية فإن التنظيمات الجديدة، تتسم بشراستها وخبراتها القتالية، فهي بمثابة تشكيلات عسكرية تجمع مقاتلين من جماعات عدة، تعزز من قدرتها على تأسيس بؤر «داعشية» جديدة فيها، وهو ما يمكن أن يزيد من احتمالات تمدد التنظيم إلى دول ومناطق أخرى.

كذلك اتساع نطاق العمليات الإرهابية، وهو ما أسهمت فيه عودة المقاتلين الدواعش إلى دولهم الأصلية في اتساع نطاق العمليات الإرهابية التي شهدتها تلك الدول.

وباتت تلك المجموعات الهجينية، نشطة بمجموعات مسلحة بمسميات جديدة في الآونة الأخيرة داخل العراق وسوريا، وهو ما تؤكده  تقارير ودراسات وأنها محاولات من داعش لإعادة نشاطها مرة أخرى بعد حصارها أمنيًا طيلة السنوات الأخيرة.

وتبرز هذه الجماعات تحت أسماء مختلفة مثل الرايات البيضاء، وخراسان والسفياني والمتطوعون، والتي تنشط أغلبها على الحدود وداخل المناطق الكردية، الأمر الذي عللته جهات أمنية بأن السبب هو غياب السلطات الأمنية في تلك المناطق، ووقوع نزاع  مع الأكراد عليها، فيما حذر خبراء أمريكيون من أن هذه المجموعات والتنظيمات التي استفادت من اضطراب العلاقة بين الحكومات المركزية والأكراد لا تقل خطورة عن تنظيم داعش وتشن هذه الجماعات عمليات شبه يومية على نقاط تفتيش أو مقرات للجبهة الحكومية.

و"الرايات البيض" أو "الرايات- البيضاء" كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة داخل العراق بعد توتر العلاقات بين أربيل وبغداد، وطرد تنظيم داعش الإرهابي في معظم المناطق التي كان يسيطر عليها، وتحمل هذه المجموعة راية "بيضاء" وهو ما يتناقض مع الراية السوداء التي يرفعها داعش، فيما قدرت تقارير عراقية أعدادهم بالمئات متخذين من الجبال والمرتفعات مقرًا لهم.

وتعالت الأصوات في البرلمان العراقي لحصار هذه الجماعات المسلحة التي قد تعيد تنظيم داعش إلى الحياة مرة أخرى، حيث قدر النائب في البرلماني العراقي حيدر الفوادي في يناير الماضي عدد المنضمين إلى الرايات البيضاء نحو 1200 عنصر منهم في مدينة أمرلي وأطراف كفري، مطالبًا الأكراد بالعمل على إنهاء وجود تلك الجماعة قرب مناطقهم، داعيًا الحكومة العراقية لإرسال تعزيزات عسكرية في تلك المناطق المتواجد فيها هؤلاء.

 

ونفذت جماعة الراية البيضاء عمليات خطف ونهب وإرهاب في المناطق التركمانية، ولفت قيادات تركمانية أن بعض الهاربين من داعش من مناطق الحويجة وجبل حمرين، التحقوا بهم لإعادة تكوينهم مرة أخرى، في المقابل فيما أكد المسئولين الأمنيين العراقيين أن عناصر هذا التنظيم هم من بقايا عناصر داعش.

المجموعة الأخرى التي لا تقل خطورة عن الرايات البيضاء وتنتشر في سوريا هي خراسان، والتي ظهر أسمها منذ إنشاء القاعدة في أفغانستان وتكاثرت مع اشتعال الأزمة في سوريا، حيث بدأت تتابع المخابرات الأمريكية هذه الجماعة منذ فترة وقالت عنها إنها أخطر من تنظيم داعش الإرهابي، حيث تضم هذه الجماعة خليط من أفغانستان واليمن وسوريا وأوروبا، وتشكل تهديدا مباشرا ومستمرا بشكل أكبر على المنطقة العربية حيث يعملون في تجنيد المتعاطفين مع التنظيمات المتشددة عربيين أو أوروبيين أو أمريكيين.

وبجانب هؤلاء برز على السطح في العراق من يطلقون على أنفسهم "خبخوشة" أو المتطوعون والتي تحدثت صحف عراقية وعربية عنهم بعدما دعوا للعمل "لتحرير" كركوك وطوزخرماتو، مشيرة إلى أن هذا التنظيم أعلن مسؤوليته عن استهداف القوى الأمنية.

ظهور تلك التنظيمات الإرهابية الجديدة، تسميه المراكز البحثية "الجيل الجديد من الإرهابيين"، وهو ما يعد نقلة نوعية في تطور الفكر، بشكل أكثر عنفًا عن الأجيال السابقة.

تقول مراكز أبحاث أمنية، مثل ستراتفور وراند ومعهد الحرب الأمريكي، إن الحالة التي تعيشها التنظيمات الإرهابية تفسر صعود أحد تنظيمات الجيل الجديد للإرهابيين لقيادة المشهد، أو اندماج فلول تلك التنظيمات لتكوين نواة تنظيم جديد على غرار تنظيم القاعدة في بداية تكوينه، وهو الأقوى.

يقول الباحث مصطفى زهران، في عرض بحثي له بعنوان "داعش قادم بنسخة جديدة أكثر صلابة!"، أن الحالة الجهادية تشهد حالة من التشظي الكبير لموجات العنف والتشدد، وذلك لعوامل هامة ورئيسة؛ منها حالة الإرباك التي حدثت لتنظيمات الإسلام السياسي عقب ارتدادها عن موقع السلطة وانكشافها أمام معتنقيها أولاً، ثم المجتمع الذي كانت تراهن عليه في الحشد والتعبئة والتوظيف ليدعمها، وهو من أتى بها إلى السلطة كونها لم تكن تحمل مشروعاً حقيقياً في إدارة الدولة، وأتت من دوائر مغلقة لتتولى تسيير تشكلاتٍ أكبر وأعمق من أن تدار بنظرة تنظيمية قاصرة وصغيرة لا تتماهى مع المفهوم الإداري للدولة، وهو المفهوم الأكثر عمقاً، فضلاً عن قصور في تفهم طبيعة المتغيرات القائمة في الداخل المجتمعي والسياسي أيضاً.

وأكد زهران أنّ خسارة تنظيم داعش جغرافياً لمساحات سيطر عليها سابقاً وإجباره على التراجع لا يعني انتهاءه، بل هو بصدد صياغة آليات جديدة تتناسب مع الواقع الجديد، وتجعله يتهيأ للعودة بشكلٍ أكثر صلابة، مضيفًا أنّ هذه التنظيمات "تتغذى من الواقع السياسي المضطرب ومن ممارسة السلطوية والاستبداد وما ينتج عنهما من عدم استقرار في الحالة المجتمعية"، ما يؤهلها لإفراز إرباك في مسألة الهوية، داعياً إلى إعادة إدماج هذه الحركات لصعوبة القضاء عليها نهائياً.