البدع.. لماذا اعتبرها مسلمون بمنزلة السنة النبوية؟
الجمعة، 02 مارس 2018 03:00 ص
يذهب بعض المشككين في السنة النبوية، إلى أن بعض تلك السنن التي عرفها المسلمون اليوم، ويؤدونها على اعتبار أنها سنة نبوية سنها النبي (ص)، لم يفعلها طوال حياته، بل أنها لم تكن تسن في زمن نبوته عليه الصلاة والسلام، بل إنها وجدت من بعده في زمن الخلفاء الراشدين، وتحديدا في زمن عمر بن الخطاب، كصلاة القيام في رمضان، حيث لم تذكر كتب السنن أن النبي صلاها جماعة مع الصحابة، بل أن أول من صلاها هو عمر بن الخطاب، وعندما قيل له: إنها بدعة، كان رده: إنْ كانت هذه بدعة، فنعمت البدعة.
وقد عرف عن الفاروق عمر بن الخطاب، بأنه أول من حفظت عنه الفتوى من الصحابة، فكان أول الـ 130 شخصا الذين حفظوا الفتوى عن النبي (ص)، كما كان الصحابي الوحيد الذي وافقه الوحي في مواضع ثلاث، حيث يقول عن نفسه: «وافقت ربي عز و جل في ثلاث، قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت «اتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى»، و قلت يا رسول الله إن نسائك يدخل عليهن البر و الفاجر، فلو أمرتهن بالحجاب، فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه و سلم، نساؤه في الغيرة، فقلت لهن «عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا»، فنزلت كذلك.
ولدرء شبهة البدعة عن «سنن عمر بن الخطاب»، فإن للنبي صلى الله عليه وسلم حديث شريف يقول فيه: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، وإن دل هذا الحديث فإنما يدل على أن الصحابة رضوان الله عليهم لهم سنة ويجب اتباعها على المسلمين.
ويذكر الليث بن سعد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من جند الأجناد، و دون الدواوين، و جعل الخلافة شورى بين ستة من المسلمين، و هم علي وعثمان و طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، ليختاروا منهم رجلا يولونه أمر المسلمين، وأوصى أن يحضر معهم عبد الله بن عمر، وليس له من أمر الشورى شيء.
التقرير التالي يرصد أبرز السنن التي لم تكن موجودة في زمن النبي (ص) وإنما وجدت في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
صلاة التراويح
تروي كتب السنن أن النبي (ص)، كان يقوم ليل رمضان حتى وقت السحور، حيث كان يقوم منفردا دون جماعة، وكان يتبعه الصحابة في القيام بليل رمضان، فلم تكن صلاة التراويح تصلى جماعة في زمن الرسول، وإنما كانت صلاة تطوع تصلى فرادا، فكان أول من سنها هو عمر بن الخطاب.
وسبب أنها لم تسن في عهد النبوة أنه كان عليه الصلاة والسلام يصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فأجمع أكثر منهم، فخرج في الليلة الثانية، فصلى فصلوا بصلاته، وأصبح الناس يتحدثون بذلك، وكثر أهل المسجد في الليلة الثالثة، فخرج رسول الله، فصلى و صلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن جموع المصلين، فلم يخرج إليهم، فنادى رجال يقولون: الصلاة!، فلم يخرج إليهم، حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الصلاة استدال إلى الناس، ثم تشهد و قال: أما بعد: فإنه لم يخف علي شأنكم الليلة، لكني خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها.
فكان عمر هو أول من صلاها جماعة، حيث يروي عبد الرحمن بن عبد القاري أنه كان من عمال عمر رضي الله عنهم، و كان يعمل مع عبد الله الأرقم، على بيت مال المسلمين، وأن عمر خرج ليلة في رمضان، وهو معه، فطاف في المسجد، و أهل المسجد أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، و يصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر رضي الله عنه: و الله إني لأظن، لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل.
ثم عزم على أن يجمعهم على قارئ واحد، فأمر أبي بن كعب رضي الله عنه، أن يقوم بهم في رمضان، فخرج عمر رضي الله عنه، و الناس يصلون بصلاة قارئهم، و معه عبد الرحمن بن القارئ، فقال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون «فسنت صلاة القيام في رمضان أول الليل منذ ذلك الحين».
السهرات الرمضانية وحد الردة
عرفت السهرات الرمضانية منذ عهد الفاروق، حيث كانت تلك السهرات تتم بعمل حلقات قرآن يتلوا فيها القارئ أجزاء من القرآن الكريم على الناس، فقد ورد عن أبي عثمان، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، دعا ثلاثة قراء في شهر رمضان، فأمر أسرعهم قراءة، أن يقرأ ثلاثين آية، و أمر أوسطهم، أن يقرأ بخمس وعشرين آية، و أمر أبطأهم أن يقرأ عشرين آية، حتى انتهى الليل، ودخل وقت السحور.
عرف الإسلام حد الردة في زمن عمر بن الخطاب، فلم يكن حد الردة موجود ومطبقا في عهد النبوة، فيروي محمد بن عبد الرحمن عن أبيه قال: زاحم الناس في عهد عمر بن الخطاب عند فتح «تستر»، فأقبل عليهم قائلا: هل كان شئ؟ فقالوا نعم، رجل ارتد عن الإسلام، فقال: ما صنعتم به؟ قالوا قتلناه، فقال: فهلا أدخلتموه بيتاً و أغلقتم عليه، و أطعمتموه كل يوم رغيفا، فاستتيبوه، فإن تاب، و إلا قتلتموه، ثم قال: اللهم إني لم أشهد، و لم أرض إذ بلغني.
الطلاق وجمع السنة
كان الطلاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ميسورا، فكان الطلاق الثلاث دفعة واحدة يكون طلقة واحدة، وكان الطلاق يتم بكلمة واحدة ثم يردها، ثم إن طلقها يردها، حتى الثالثة، فجرى على لسان الناس، فكان نسوة المسلمين يطلقون ويردون مرة أخرى في وقت قصير، فتعددت نسب الطلاق بين المسلمين، وظل كذلك في عهد أبو بكر الصديق، حتى جاء عمر بن الخطاب، فأغلظ من قسم الطلاق، بعد أن وجد الناس قد أكثروا منه مع مخالفته لشرع الله، فقال: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه اناة، فلو أمضينا عليهم؟ فأمضاه عليهم، تأديبا للمطلقين.
كانت السنة النبوية متفرقة في عهد أبو بكر الصديق، فأراد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن يكتب الناس السنن، فاستخار الله شهرا، ثم أصبح و قد عزم له، فجمع كافة الصحابة الذين أدركوا النبي وجعل بينهم كاتب يكتب ما سمعوه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
استطلاع الهلال
كان المسلون في زمن النبوة بعد فرض صيام رمضان يستخبرون عن هلال رمضان من خلال النبي عليه الصلاة والسلام، وفي عهد أبو بكر الصديق كانوا يعرفون الهلال بالحساب، ثم رؤيته جهارا في رمضان، أما في زمن عمر بن الخطاب، فقد جعل عددا من الرجال مكلفون باستطلاع وتحري هلال رمضان، من خلال رؤية الهلال نهارا، وعين عليهم عتبة بن فرقد، فأوصاه قائلا إذا رأيتم الهلال أول النهار فافطروا فإنه من الليلة الماضية، و إذا رأيتموه من آخر النهار فأتموا صومكم فإنه لليلة المقبلة.
منزلتها كالسنة
ويؤكد الدكتور أحمد سيد أستاذ الثقافة الإسلامية، بأن السنن إما تكون سنة نبوية وهي ما ورد من أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، أو أثر أي ما ورد من أعمال وأفعال الصحابة من بعده رضوان الله عليهم، وما كان من الخلفاء الراشدين من أفعال فهي في في منزلة السنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة».
وأوضح أستاذ الثقافة الإسلامية، بأن ما جاء من الحلفاء الراشدين فهي سنة صحيحة لأنهم أفهم الناس بالسنة، وافهم الناس بكتاب الله تعالى، وأقواله وأفعاله إنما كانت من قول وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، مبينا أن عمر بن الخطاب هو من وافقه لله تعالى في قوله في مواضع ثلاث، وإن دل هذا فإنه يدل على منزلة ما كان يقرره الفاروق رضوان الله تعالى.
وأشار أستاذ الثقافة الإسلامية إلى أن السنن الصحابية هي حجة شرعية، فصلاة التراويح أو القيام كانت موجودة في عهد النبي لكنه شق عليه أن يصليها جماعة مع الصحابة فيفرضها المسلمون من بعده فيقولون بأنه صلى النبي القيام فهي مفروضة، وإنما تركها للمسلمين من بعده فكان أعجلهم بها عمر.