غاب الأطباء فمات المرضى.. حكايات من "دفتر الوجع " بالمستشفيات
السبت، 24 فبراير 2018 12:00 مهبة جعفر
"مفيش دكتور موجود بالطوارئ" عبارة باتت متكررة وتكشف عن كارثة حقيقية تهدد حياة المواطنين، فعندما يذهب المريض إلي المستشفي فأنه يتعلق بقشة من أجل إنقاذ حياته، ولكن الأطباء يتهربون من مسئوليتهم بالمستشفيات إلي عملهم فى عيادتهم الخاصة، دون النظر لمعاناة المواطن البسيط، الذي لا يستطيع دفع ثمن "الفيزيته" بالعيادات الخاصة، فيأتى الموت سريعا دون انتظار وهى الوقائع التى كشفتها النيابة الإدارية و نرصدها في هذا التقرير
دخلت مريضة تعاني من ألم شديدة بالمعدة ونزيف حاد إلى المستشفى ولكنها لم تجد من ينقذها فتوفت في الحال، لتقرر النيابة الإدارية إحالة طبيب الباطنة المقيم بمستشفى الإسماعيلية العام للمحاكمة العاجلة.
جاءت البداية بتلقي النيابة الإدارية بلاغ من مديرية الشئون الصحية بالإسماعيلية حيال ما تضمنته مذكرة رئيس قسم الباطنة بالمستشفى العام بالإسماعيلية، بشأن دخول مريضة لقسم الباطنة الحريمي تعاني من نزيف شرجي، وعدم وجود طبيب مقيم أو تمريض بقسم الباطنة، أدى إلى وفاتها في صباح اليوم التالي.
التحقيقات في القضية
باشرت النيابة الإدارية بالإسماعيلية، القسم الثالث تحقيقاتها في القضية رقم 292 لسنة بمعرفة حمادة حسين، وكيل أول النيابة، تحت إشراف المستشار إسلام جبر، مدير النيابة.
وكشفت التحقيقات عن دخول الضحية لمستشفى الإسماعيلية العام، تعاني من نزيف شرجي حاد وتم عمل الإسعافات الطبية اللازمة لها بقسم الاستقبال والطوارئ وتحويلها للقسم الداخلي، باطنة، بعد تشخيص حالتها، إلا أن المتهم المذكور بصفته الطبيب المقيم النوبتجي بالقسم الداخلي، باطنة، في ذلك اليوم لم يتخذ الإجراءات الطبية اللازمة لمتابعة إسعاف المريضة.
تبين أنه تم تحويل المريضة للقسم الساعة 11.30 ليلًا بتذكرة دخول القسم موقع عليها من المتهم المذكور، وهي تعاني من نزيف شرجي حاد ومدون بالتذكرة العلاج اللازم إلا أنه لم يقم بمتابعة العلاج المدون بتذكرة الدخول إذ جاءت التذكرة خالية من إي متابعة للحالة، فضلا عن عدم قيامه باستدعاء الطبيب الأخصائي النوبتجي لكي يتم سرعة التعامل مع النزيف المستمر ومحاولة وقفه، نظرًا لخطورتها مما ترتب عليه أن ظلت الضحية تنزف باستمرار حتى صباح اليوم التالي حيث فاضت روحها إلى بارئها.
شهادة استشاري بالمستشفي
واستمعت النيابة إلى شهادة الدكتورة استشاري ورئيس قسم أمراض الباطنة بالمستشفى، والتي أكدت وجود قصور واضح في الرعاية الطبية للمريضة، إذ أن المريضة دخلت المستشفى بقسم الاستقبال الساعة 5.30 م وتم تحويلها لقسم الباطنة بتذكرة دخول للقسم الساعة 11.30 ليلًا إلا أن هذه التذكرة جاءت غير موضح بها أي متابعة للحالة أو حتى للعلاج المدون بها، وإنه كان يجب على المتهم أن يقوم المتهم باستدعاء الأخصائي بالنوبتجية على الفور لخطورة الحالة إلا أن هذا لم يحدث مما ترتب على ذلك استمرار النزيف حتى توفيت الحالة صباح اليوم التالي.
وفاة سيدة حامل لاصابتها بالنزيف
نفس الأمر تكرر مع السيدة "أ.ن" التى لم تكن تتخيل يوماَ أن روحها ستصعد إلى باريها بفعل الإهمال الطبي حيث كانت تعاني من نزيف شديد وإجهاض مبكر، وذلك نتيجة عدم إسعافها
البداية كانت، بإصابة السيدة «أ.ن» بنزيف شديد وإجهاض مبكر وهى في الأسبوع الثامن من الحمل، فاضطرت الأسرة إلى نقلها لمستشفى قوص المركزي، في محافظة قنا، وتم دخول المريضة إلى قسم الاستقبال بالمستشفى في حوالي الساعة السابعة والنصف مساء وكانت تعاني من نزيف حاد.
وبالفعل استقبل الحالة بالمستشفى أحد الأطباء بقسم الاستقبال والذي أفاد بأن الحالة تعاني من حالة إجهاض مع تسمم دموي، وقام الطبيب بعمل إنعاش لعضلة القلب، وطلب من الأطباء بضرورة إبلاغ كلا من «طبيب النساء والتوليد، مساعد أخصائي النساء والتوليد، طبيبة النساء والتوليد، طبيب النائب الإداري» كونهم المسئولين عن النوبتجية «الشفت» في ذلك اليوم، وأستمر طبيب الاستقبال في محاولاته لإنقاذ الحالة، إلا أنه نتيجة النزيف الشديد فارقت الحياة.
على الفور، قام أهالي المتوفاة، بتحرير محضر ضد المسئولين عن المستشفى، وقيدت القضية برقم 173 لسنة 2016، وأجرت النيابة الإدارية تحقيقاتها، والتي باشرها حسن فكار وكيل أول النيابة، وبإشراف المستشار عمر محمد عبد اللطيف مدير النيابة، بنيابة قنا القسم الثالث، – وأسفرت تحقيقات النيابة الإدارية، عن أن المتهمان الأول والثاني، وهما الطبيب المقيم بقسم النساء والتوليد وكذا أخصائي النساء والتوليد بالمستشفى لم يكونا متواجدان أثناء دخول الضحية، رغم كون اليوم هو النوبتجية المكلفين بها، ولم يستجيبا لاستدعاء التمريض لهما تليفونيا عقب وصول الضحية للمستشفى.
المفاجأة في التحقيقات كانت عدم قيام أيا من أفراد طاقم التمريض بتسجيل دخول الحالة، لعدم وجود أيضاَ 3 من طاقم التمريض ومساعد أخصائي بالمستشفى، وعلى الفور أمرت النيابة بتشكيل لجنة لفحص الواقعة مكونة من كلا من المفتش المالي والإداري بمديرية الشئون الصحية، والمفتشة بقسم التفتيش الفني بمكتب السيد وكيل وزارة الصحة بقنا، واللذان وضعا تقريرهما الذي انتهى إلى مسئولية كلا من المتهمين الأول والثاني عن تركهما مقر العمل في المواعيد المقررة لهما، مما أدى إلى وفاة السيدة كانت تحتاج إلي إسعافات ضرورية نتيجة النزيف الحاد.
التحقيقات تكشف غياب الطبيب سبب الوفاة
كشفت التحقيقات أيضا عن أن المتهمان الأول والثاني لم يكونا متواجدين بمقر المستشفى رغم كونه يوم النوبتجية المكلفين بها، وأن المتهمة الثالثة حضرت بعد مواعيد العمل الرسمية المقررة لاستلامها النوبتجية المكلفة بها حيث حضرت للمستشفى في تمام الساعة التاسعة مساء، وأن المتهم الرابع مكن الأطباء الثلاثة "المتهمين الأول والثاني والثالثة" من التوقيع في دفتر الحضور، بما يفيد حضورهم وتواجدهم بالمستشفى، وذلك على خلاف الحقيقة، حيث ثبت تغيب المذكورين عن عملهم في ذلك اليوم، بقصد محاولة لستر واقعة تغيبهما عن النوبتجية المكلفين بها في ذلك التوقيت.
وبالنسبة لأفراد طاقم التمريض "وهن المتهمات الخامسة والسادسة والسابعة"، أثبتت التحقيقات عدم قيامهم بالإجراءات المتبعة عند دخول الحالة، وعدم تسجيل حالة المريضة في السجل المعد لذلك.
توصيات النيابة الإدارية
أين تذهب توصيات النيابة الإدارية بشأن القضاء علي الإهمال الطبي داخل المستشفيات الحكومية؟.. رغم كافة المحاولات التي تبذلها للحد من هذه الظاهرة، تبقى التوصيات مجرد حبر على ورق لا ترقى إلى مرتبة التنفيذ، فقد طالب التقرير السنوي الذي أرسلته النيابة الإدارية لرئاسة الوزراء، ووزارة الصحة، بإصدار قانون بشأن تحديد المسئولية الطبية على أن يتضمن تحديد حالات الإهمال والأخطاء الطبية التي تشكل جريمة جنائية وفقا للمعايير المهنية والأصول الطبية، وبتفعيل اللائحة الأساسية للأطباء المقيمين فيما يتعلق بالمادة المسموح فيها للأطباء المقيمين القيام بالتخدير دون إشراف الاستشاري وعدم التغاضي عن ذلك على أي وجه كان، ووضع الضوابط الكفيلة لمنع تكرار مثل تلك الحوادث.