"عفرين".. معركة استنزاف الجميع

الجمعة، 23 فبراير 2018 08:16 م
"عفرين".. معركة استنزاف الجميع
السيد عبد الفتاح

مع مرور أيام على بدء الشهر الثاني للعملية العسكرية الضخمة التي شنتها تركيا على مدينة عفرين الكردية السورية، والتي حشدت لها عشرات الالاف من جنودها وضباطها بأحدث الأسلحة الثقيلة علاوة على القصف الجوي المتواصل لطائرات سلاج الجو التركي، بالإضافة إلى آلاف من مقاتلي ميليشيات محسوبة على تركيا وتابعة للجيش الحر. فإن الوضع الميداني على الأرض وبطء التقدم التركي وضآلة المساحات التي سيطرت عليها القوات التركية، يؤكد عدة أمور، لعل أولها أن "عملية عفرين" ليست نزهة أو سريعة وخاطفة كما توهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما أصدر أوامره للجيش التركي بشن الهجوم على المدينة الصغيرة القريبة من الحدود التركية. والثاني هو المقاومة والصمود البطولي للمقاتلين الكرد الذين يتولون الدفاع عن المدينة، على الرغم من عدم التكافؤ الواضح بين قوة الطرفين، فهؤلاء المقاتلين والمقاتلات الذين نجحوا في إفشال التقدم التركي، يواجهون واحد من أقوى جيوش العالم وحلف الناتو، كما يواجهون استخدامًا كثيفًا للطيران الحربي التركي الذي يصلي المدينة وأهلها بحمم من جهنم.

الأمر الثالث وهو في رأيي أكثر أهمية وتعبيرًا عن حقيقة هذه العملية العسكرية وما واكبها من مواقف إقليمية ودولية أثارت علامات استفهام. فواقع الحال أن معركة عفرين، هي بحق معركة استنزاف لطرفيها الأتراك والأكراد في المقام الأول، ليس لهما فقط، بل وكذلك لعدة أطراف إقليمية ودولية في نفس الوقت.

أما من حيث هي استنزاف للأتراك والأكراد، فإنها تأتي كإحدى جولات وحلقات الصراع التاريخي بين الطرفين ـ هذا من جانب الطرفين ـ لكنه في نفس الوقت استنزاف يسعى إليه أكثر من طرف غيرهما، يرى كل طرف أن مثل هذا الاستنزاف كفيل بخدمة أجندته الخاصة بسوريا وبالإقليم بأكمله، وكذلك في صراعه مع طرف أو أطراف أخرى. وللتوضيح نقول إن لدينا قوة إقليمية كبيرة هي تركيا، وقوة أخرى صاعدة في سوريا والمنطقة وهي قوة الكرد، وبالتالي فمن مصلحة كل من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وسوريا أن يندفع الطرفان في صراع مسلح لن يكون سريعًا أو قصيرًا بأي حال من الأحوال.

وللتفصيل نقول إنه على الرغم من أن الولايات المتحدة لديها علاقات مميزة ـ إلى حد ما ـ مع الطرفين التركي والكردي، فالأول حليف استراتيجي، والثاني شريك استراتيجي، فإنها رغم ذلك ترى أن صراعهما المسلح في عفرين يستنزفهما بالقدر الذي يخدم الولايات المتحدة ذاتها ومصالحها في سوريا والمنطقة. فهذه المعركة تضعف بلا شك من قوة الطرفين وهذا أمر يفيد واشنطن، فهو يدفع تركيا إلى التخفيف من ابتعادها عن الفلك الأمريكي، وفي نفس الوقت يضطر الكرد إلى مزيد من المرونة تجاه المطالب الأمريكية التي باتت تتجاوز التعاون في الحرب على الإرهاب. وباشتداد الحرب وطول أمدها ترى واشنطن أن الكرد ومن قبلهم الأتراك سيعودون إلى حضنها بما يسّرع من تحقيق أجندتها الخاصة بسوريا.

أما روسيا فهي مثل الولايات المتحدة مستفيدة من هكذا صراع بين القوتين التركية والكردية، فهو من جانب يدفع أنقرة/أردوغان إلى من التقارب مع توجهات ومواقف روسيا ومصالحها، وكذلك الكرد الذين ترى موسكو أنهم صاروا أكثر اقترابًا من الفلك الأمريكي. ولعل هذا يفسر الموقف الروسي الذي جاء مثيرًا ـ على الأقل من الكرد ومنا كذلك ـ تجاه هذه العملية العسكرية التركية التي تأتي ضد طرف له علاقة ليست عادية مع موسكو، طرف قام بدور كبير في القضاء على تنظيم الدولة"داعش" وتمكن من انتزاع مساحات كبيرة من الأراضي في سوريا كانت تحت يد "داعش"، دون أن يتحمل النظام والجيش السوري أي أعباء أوتضحيات في تلك المعارك، ما جعلهما يركزان جهودهما على المناطق الأخرى.

فقبل بدء العملية العسكرية التركية على عفرين، جاءت زيارة خلوصي أكار رئيس أركان الجيش التركي إلى موسكو ولقاءه بوزير الدفاع الروسي ورئيس الأركان، وهو اللقاء الذي تم فيه الاتفاق على كل ما يتعلق بالعملية، لتقوم بعده روسيا بسحب قواتها التي كانت موجودة في عفرين، ليخلو الميدان للأتراك. ولم تكتف موسكو بهذا حيث أنها تركت الطائرات الحربية التركية"تمرح" في سماء سوريا وتقصف مدينة عفرين بشكل يومي وكثيف.

وعلى قدر صدمة الكرد من الموقف الروسي، يكون التأكيد على أن موسكو تحركت وفقًا لمصالحها التي تراها في استنزاف الطرفين التركي والكردي.

فإذا حققت العملية التركية أهدافها تكون موسكو رابحة بفشل أمريكا في خلق حليف لها في سوريا وهم الكرد، أما إذا فشلت العملية فإن لذلك مكسب إيجابي روسي يتمثل في امتثال أنقرة لروسيا فيما يتعلق بالمحافظة على النظام السوري الذي يكفل بقائه معارضة قوية لفكرة الفيدرالية التي يطرحها الكرد لسوريا الجديدة.

وليس بعيد عن الولايات المتحدة وروسيا تأتي المصلحة الإيرانية في استنزاف الأتراك والكرد في عفرين، فأجندة طهران لسوريا والمنطقة تتعارض في نقاط عدة مع ما يريده الأتراك والكرد، كما أن مثل هذا الاستنزاف يؤثر كثيرًا على تركيا المنافس الإقليمي لإيران ويزيد من مساحة نفوذها وقوته في المنطقة. كما أن الهاجس الكردي يثير ويؤثر بشكل ملحوظ على إيران ونظامها السياسي ومخططاتها للمنطقة، ما يعني أن أي استنزاف للقوى الكردية يصب في صالحها لا محالة. علاوة على أن هذا النزاع التركي الكردي على أرض سوريا، يخفف من خطرهما على النظام السوري الذي تسعى طهران بكل قوة لبقاءه، فهو نزاع يشغلهما عن النظام السوري فيتمكن من التقاط أنفاسه استعدادًا لجولات مستقبلية .

ولا يخل هذا الاستنزاف من فوائد تعود على النظام السوري الذي يضع الطرفين التركي والكردي في خانة العدو، فكلاهما لهما أجندة تهدد بقاء النظام وبقاء سوريا بشكلها الحالي، لذا يرى بشار الأسد أن من مصلحته أن تستمر معركة عفرين لإضعاف الطرفين بما يبعدهما عن المضي قدمًا في مساعيهما الخاصة المهددة له. إذا لم يكن بشار مستفيد من العملية العسكرية على عفرين، فلماذا لم يصدر أوامره للجيش السوري بالتصدي لهذا الاعتداء على الأراضي السورية واحتلالها من جانب تركيا، ولماذا لم يتصد الدفاع الجوي السوري للطائرات التركية التي تقصف مدينة سورية ومواطنين سوريين؟ّ!

الموقف الرسمي السوري حكمته المصلحة، فلم يتحرك واكتفى بالتأكيد على شجب ورفض هذا الاحتلال واحتفاظه لنفسه بحق الرد عليه. لكنه في نفس الوقت يفيده أن "تطحن" هذه المعركة عظام طرفيها.

وفي النهاية نخلص إلى أن الولايات المتحدة وروسيا وإيران والنظام السوري، هم المستفيدون الأكبر من عملية عفرين، ولذا سوف يسعون لإطالة أمد المعركة نحو مزيد من الغرق التركي في مستنقع عفرين.

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة