اعترافات أبوالفتوح بخط يده
الجمعة، 23 فبراير 2018 03:59 م
مذكرات عبد المنعم أبو الفتوح واحدة من أهم الشهادات التاريخية على الحركات الإسلامية المتشددة في مصر، تضع حدا للمتشككين في علاقة الرجل بالإرهاب وجماعاته، بغض النظر عن علاقة رئيس حزب مصر القوية المباشرة بجماعة الإخوان ودوره في مكتب إرشاد الجماعة، وإسهامه في إنشاء تيار التجديد وهو ضد تيار "القطبيين"، وتدرج الرجل في المناصب داخل الجماعة، حتى حاز على عضوية مكتب الإرشاد، قبل أن يطيحوا به في 2009 لصالح عصام العريان، ويتم فصله نهائياً في 2011.
"شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر" تضع أيدينا على فترة جيل السبعينات، أقوى أجيال الحركة الطلابية المصرية حتى وقتنا هذا، وفترة تأسيس الجماعات المتشددة والإسلام الحركي داخل الجامعات المصرية.
تفتح وعي أبو الفتوح والمشروع الناصري في أوجِه، فقد كان عبد الناصر بالنسبة له المثل الأعلى والزعيم المخلص، هذا اعتراف أبو الفتوح نفسه، قبل أن ينقلب عليه بعد وفاة ناصر مباشرة عام 1970، والبداية الفعلية لتعريفه بجماعة الإخوان، وقد عكفوا على تصدير فكرة أن كل من كان ضد عبد الناصر كان على صواب، وأن كل ما يقال عن الجماعة وتشويهها هو محض كذب وافتراء، وأنهم أناس شرفاء لهم أغراض نبيلة، كل هذه محاولات لغسل يد الجماعة من العنف والدم.
كان لعبد المنعم أبو الفتوح دور بارز في إدخال وتوسيع نشاط الجماعة داخل الجامعة، محاولا الزود عن الجماعة وفكرها ضد أي فريق، فكان مما كتب أبو الفتوح عن دفاعه عن الجماعة في الجامعات المصرية "كانت لي نظرة سلبية للأزهر الشريف وكان تقديري أقل بكثير مما كنت أحمله لجمعيات دينية أصغر وأحدث مثل أنصار السنة والجمعية الشرعية، ثم زادت نظرتي السلبية للأزهر بعد دخولي الجامعة وبعدما اطلعت على موقفه من جماعة الإخوان وعدم نصرتهم أمام الثورة وانحيازه للثورة".
كتب أبو الفتوح كيف احتفل بلقاءه الأول مع قيادات الجماعة وشيوخها ممن اعتقلوا في الحقبة الناصرية بتهم الإرهاب وكانوا يعالجون في مستشفى المنيل الجامعي، ووقتها كان طالبا في السنة الابتدائية بكلية الطب "كان بالنسبة لي حلما أن ألتقي شيوخ الإخوان الذين كنا نسمع عنهم قصصا تثير الرعب والخوف، وجدنا مجاهدين ضحوا بأنفسهم من أجل الدعوة وكانت سعادة ما بعدها سعادة بلقاء هؤلاء والحديث معهم والاستماع إليهم وقد سعينا للاقتراب منهم والتعرف عليهم ما أمكننا".
من قصر العيني إلى جامعات مصر يحكي أبو الفتوح خطة سيطرتهم على اتحاد كلية طب قصر العيني عام 1937 "حين فزنا باللجنة الفنية في الاتحاد لم يكن لدينا أية رؤية عن الفن سوى أنه حرام، ومن ثم لم يكن لدينا أي تصور عن إدارة هذه اللجنة سوى إيقاف عملها تقربا إلى الله، ولا أتذكر لها نشاطا يذكر لسنوات حتى بدأنا من خلال الجماعة الإسلامية تبني مفهوم الفن الإسلامي الذي بدأ وقتها بالأناشيد الجهادية، كانت دفعة هائلة للعمل داخل جامعة القاهرة ومنها للجامعات الأخرى، فقد تحول مبنى اتحاد الكلية إلى المركز العام للنشاط، ويأتيه طلاب من كل مكان في الجمهورية، وكانت دفعتنا هي التي بدأت النشاط الإسلامي الفعلي، ثم جاءت الدفعة التي تلتنا وكانت أكثر نشاطا ومن أبرز رموزها الإخوة عصام العريان ومحمد عبد اللطيف، كنا لا نتوقف عن التنقل بين الجامعات للتواصل بين القيادات، وكنا نقضي الصيف كله في التنظيم لهذه اللقاءات.. أما تمويل تحركنا الشخصي فكان بالتبرع فيما بيننا".
لم تبدأ الجماعة الإسلامية، وفقا لمذكرات أبو الفتوح، تنظيما حركيا بالمعنى الكامل لكلمة تنظيم، وإنما بدأ التنظيم بشكل بسيط استجابة لمطالب العمل الإسلامي الذي شهد توسعا كبيرا في وقت قياسي، كتب أبو الفتوح "في عام 1976 بدأت الجماعة الإسلامية سنة إقامة صلاة العيد في الخلاء فنظمت في الإسكندرية الصلاة على أرض استاد الإسكندرية، وحضرها نحو أربعين ألف مصل، ونزل عدد من دعاة الجماعة انتخابات مجلس الشعب، وكان منهم في القاهرة صلاح أبو إسماعيل، وذلك تحت مطلب تطبيق الشريعة الإسلامية، وكانت الدعاية كلها تركز على أن تطبيق الشريعة هو بداية كل إصلاح، وأنه سيعيد وجه مصر المسلمة، ومن اللافتات التي رفعت وقتها (إني الله يا مصر.. معا من أجل الشريعة.. معا ضد الإلحاد والإباحية.. لا شرقية ولا غربية إسلامية قرآنية).. كما رفع المرشحون آيات قرآنية (إن الحكم إلا لله) و(أن أحكم بينهم بما أنزل الله)".
وما إن يبدأ الحديث عن الحركة الإسلامية في الجامعة في السبعينات حتى يبدأ الحديث عن أسطوانة الإسلاميين في أن الحركة الإسلامية نفسها كانت صنيعة السادات، وأنه كان يسيطر عليها ويوظفها لضرب الشيوعيين والناصريين، يعترف أبو الفتوح في مذكراته "كنت في موقع من لا تغيب عنه المعلومات التفصيلية لأي صفقة كان يمكن أنت تعقد بين السادات وبين الحركة الإسلامية في الجامعات، بل أقول جازما إنه لو كانت هناك صفقة لعقدها السادات معي شخصيا بحكم مسؤوليتي عن الحركة الطلابية الإسلامية. كنا بالأساس حركة اعتراض ورفض ضد الحكومات "المنحرفة عن الدين" التي لا تطبق شرع الله، فقد كنا مشروعا منذ بدايته لإزالة هذه الحكومات وإقامة أخرى تقيم شرع الله".
وبشهادته فقد تورط أبو الفتوح مع الجماعة الإسلامية في العنف داخل الجامعات، حيث كتب "دخلنا في مواجهات مع الشيوعيين في الجامعة بعضها تطور إلى استخدام العنف، حكمها منطق الصراع بين تيار ديني متشدد، وآخر كان دائما ما يعترض على الثوابت الإسلامية بالنقد، كانت مواجهتنا مع الطلبة الشيوعيين تعبيرا عن حسنا الجهادي أحيانا الذي كان يدفعنا إلى السعي لتغيير المنكر باليد أي بالقوة، أذكر أن اتحاد طلاب كلية الطب في عام 1973 أقام حفلا به رقص وغناء ماجن، ومنعنا إقامته بالقوة وباحتلال القاعة، ومرة أخرى أردوا إقامة حفل وأغلقوا الأبواب ولم يسمحوا بالدخول إلا لمن يحمل تذكرة.. ونظمنا مسيرة ضخمة واقتحمنا الأبواب بالقوة وتعالت التكبيرات وساد الجو نوع من الاضراب ومنعنا إقامة الحفل".
في عام 1977 آعلنت الحكومة رفع أسعار عدد من السلع الرئيسية ومن بينها الخبز، وجد عبد المنعم أبو الفتوح مع أقرانه في الجماعة الإسلامية ضالتهم، يقول أبو الفتوح "لقد شاركت إخوة كثيرين في المظاهرات، ضمن حالة السخط والغضب. نزلنا الشارع دون تنظيم"، ثم اجتمع السادات مع شباب الجامعات والمثقفين لدراسة الوضع وحدثت الواقعة الشهيرة مع عبد المنعم أبو الفتوح بأن تطاول على الرئيس الراحل حتى قال قولته الشهيرة "انت بتكلم رئيس الجمهورية يا ولد".
في أبريل عام 74 حاول بعض أعضاء الجماعات الإسلامية تنظيم هجوم مسلح على الكلية الفنية العسكرية والاستيلاء على أسلحتها، ومن ثم التوجه للسيطرة على مقر الاتحاد الاشتراكي والقبض على الرئيس السادات إلا أن ذلك كله باء بالفشل، استمات أبو الفتوح في الدفاع عن عناصر من المقبوض عليهم من تلك العملية؛ حيث كتب "باعتباري رئيسا لاتحاد الكلية التي يدرس بها عضوين من المقبوض عليهم في عملية الفنية العسكرية، وكلنا عبد الله رشوان للدفاع عنهما وقد حكم عليهما بالسجن، وفي ذلك الوقت كانت فكرة استخدام العنف في التغيير مقبولة عندنا، أو على الأقل لن تجد منا رفضا صريحا لها.. فالمسألة لدينا محسومة كما هي الآن، وكان أقصى خلافنا مع من ثبتوا العنف منهجا للتغيير أنهم يتعجلون بطرح أفكارهم في غير أوانها، وكان خلافنا حول التوقيت فقط والملاءمة، لقد كالنت أفكارنا مزيجا غريبا من السلفية والجهادية وبعض الإخوان المسلمين".
في عام 1980 بدأت ثقافة الإخوان تسود داخل شباب الجماعة الإسلامية ومنهم أبو الفتوح نفسه، فلم يخفي الرجل عشقه بالأب الروحي له وهو عمر التلمساني، بدأ أبو الفتوح يدعم اسم الإخوان على مطبوعاته وإصدارته، وكان معظم الدعاة الذين يأتون من المخيمات من الإخوان، وكان المتابع المدقق للجماعة الإسلامية في ذلك الوقت يشعر ويوقن أن الجماعة الإسلامية أصبحت من الإخوان المسلمين، بل كانت هناك بيعة شهيرة من عبد المنعم أبو الفتوح ورفاقه لمبايعة الإخوان والمصارحة بأنهم أصبحوا جزءا منهم بالفعل.
كتب أبو الفتوح كاشفا في مذكراته عن عمق علاقته بالتنظيم الخاص لجماعة الإخوان الإرهابية "إذا تحدثنا عن علاقتنا بالإخوان قبل الانضمام إليهم يمكنني القول إن أفكارنا ومنهجنا كان أقرب إلى المنهج وطريقة التفكير التي كانت تسيطر على إخوان تنظيم 65، فقد كانت لديهم منهجية الانقلاب والثورة، وكان لديهم رغبة في الانقلاب على جمال عبد الناصر انتقاما منه لما فعله بالبلاد، بل أكثر من ذلك فأرى أن إخوان النظام الخاص كانت لديهم منهجية قريبة منا، وأنهم حين خرجوا من السجون كانوا يحملون نفس الأفكار التي كنا نحملها، لكنهم كانوا أقرب لنفوسنا في ذلك الوقت من غيرهم من الإخوان القدامي الذين تربوا بالقرب من حسن البنا، ولعله من أقدار الله الطيبة أن نلتقي أولا بأفراد التنظيم الخاص المتشددين أصحاب الاتجاه الأصولي قبل لقائنا مع القيادات الكبرى الأكثر اعتدالا، فلو أن اللقاء الأول كان مع كبار الإخوان المعتدلين لكنا حسمنا أمرنا بعدم الانضمام للجماعة".
وكان أبو الفتوح أحد رسل جماعة الإخوان التي أرسلتها لأفغانستان، للتنسيق مع أعضائها هناك، لا يحب أبو الفتوح أن يذكر هذه القصة كثيراً، ولكنه لا ينكرها، ولم ينف الصورة التي تم تداولها له بجوار قيادات الجماعة في أفغانستان.
وبحكم تزعمه تيار التجديد داخل الجماعة، كان عبد المنعم أبو الفتوح منفتحاً على باقي التيارات السياسية قبل الثورة، فسوق نفسه بعد الثورة على أنه ثوري بنكهة إسلامية، ليبرالي بما لا يخالف شرع الله، أسس حزب سياسي "مصر القوية"، بدا الحزب جامعاً لمطاريد جماعة الإخوان، المنفصلين عنهم جسداً لا روحاً، فالتف حوله شباب الجماعة والطلبة، نظراً لأنه كان مسئول الطلبة وقت تواجده بالتنظيم، الأمر شكل قوته الضاربة حتى الآن داخل صفوف الجماعة.
في انتخابات 2012، حشر نفسه وسط زمرة المرشحين الـ13 وقتها، لم يكن له ظهير ولا داعم غير قلة من السلفيين المتمثلين في حزب النور، في الغفلة الثورية منح الرجل لنفسه لقب المرشح الجامع "الثوار – اليمين السلفي – منشقي الجماعة- شباب التيار الليبرالي"، ووقت الاختبار الحقيقي فضح أمره، فلم يحل ثانياً ولا حتى ثالثاً، بل رابعاً خلفاً لمرشح الجماعة محمد مرسي ومرشح انصارمبارك أحمد شفيق، ومرشح الناصريين حمدين صباحي، وأرجع السبب إلى هذا التراجع إلى فشله في تقديم نفسه كمرشح رئاسي في المناظرة التي جمعته بالسيد عمرو موسى رئيس جامعة الدول العربية الأسبق.
هذه سطور من مذكرات عبد المنعم أبو الفتوح كتبت على حياة عينه، وإنما قصدنا من إبرازها، إلقاء الضوء على حياة الرجل وعلاقته مع الجماعات الإسلامية وجماعة الإخوان، ومنهج العنف وشريعة التكفير القتل باسم الدين.