قبل تنقيطه في عهد معاوية.. كيف كان يقرأ المسلمون القرآن؟
الإثنين، 19 فبراير 2018 07:00 مكتب:حسن الخطيب
عندما نزل القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم تكن العرب تعرف النقط والتشكيل، حيث كانت اللغة العربية في ذلك الوقت خالية من وجود نقط الحروف، كنقط الباء والتاء والثاء والجيم والخاء، ونقط الإعراب والحركات، وهي النقط التي ترسم التشكيل أعلى وأسفل الكلمات لضبطها كالفتحة والكسرة والشدة والضمة والتنوين.
كان العرب لايعرفون تلك الحركات والنقاط، وقد ظهرت في وقت متأخر بعد وفاة النبي بعشرات السنين، حتى بعد أن جمع الخليفة أبو بكر الصديق القرآن الكريم، ونسخ في مصحف واحد في عهد الخليفة عثمان بن عفان، حيث كانت النقاط والتشكيل لم تعرف بعد، حتى أن هناك محاولات تمت في تلك الفترة لتشكيل القرآن إلا أن العرب وقتها كانوا يرون فيها الكراهة فكانوا لايذكرونها خوفا على التبديل الذي قد يطرأ على القرآن.
وقد كتبت المصاحف منذ زمن عثمان بن عفان وهي خالية من النقط و التشكيل، وذلك حتى يمكن قراءته بالأحرف السبعة التي نـزل بها القرآن الكريم، وعندما أرسلت نسخ القرآن الكريم إلى البلاد التي كان يفتحها المسلمون، نسخوها على هيئتها، وهي خالية من النقط والتشكيل .
وظل المصحف الشريف على هيئته خالية من التنقيط والتشكيل حتى جاء أبو الأسود الدؤلي، فشكل المصحف بالنقط، ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي فوضع ضبط أدق من ضبط أبي الأسود، ثم جاء الحجاج بن يوسف الثقفي فأدخل عليها علامات التوقيف والضبط والتقسيم لأرباع.
ولكن عند البحث عن مراحل جمع القرآن الكريم، وتاريخ نقط المصاحف فإن الروايات فيها تتعدد، وعند قراءة تلك الروايات تظهر اشكاليات كبيرة، أبرزها: كيف كان الصحابة يحفظون القرآن بدون تنقيط وتشكيل، وهل خلا القرآن من أي ألفاظ أخرى يحتمل أن تكون بلغة غير عربية كما كان سائدا في زمن النزول كاللغة السريالية، أو اللغة الأعجمية؟
لغة القرآن
يجيب الدكتور مصطفى السمين عميد كلية اللغة العربية الأسبق بجامعة الأزهر، على تلك الإشكاليات مؤكدا بأن القرآن الكريم بالفعل نزل غير مشكل وغير منقط، لأن العرب كانوا يرون بأن اللغة العربية لغة أصيلة معروفة بسليقتهم وخبرتهم بها، حيث كان العرب قبل وبعد الإسلام يعتزون كثيرا بلغتهم، ويعرفونها معرفة جلية.
وأشار أستاذ اللغة العربية إلى أنه عندما تغير الزمان، وتعددت وتوسعت الفتوحات الإسلامية، ودخل غير العرب من أهل الاقطار الأخرى إلى الإسلام، فبدأت محاولات بوضع نقاط تضبط الكلمات القرآنية بهدف الحفاظ على ضبط وآداء القرآن كما رسمه المصحف، وسمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، وخوفا من أن يؤدي تجرده من النقط والشكل إلى التغيير فيه.
وأوضح العميد السابق لكلية اللغة العربية، بأن أول عملية جادة لتشكيل القرآن الكريم ووضع علامات التضبط كانت على يد أبي الاسود الدؤلي، ثم الخليل بن أحمد الفراهيدي، أما عملية التنقيط فقد تمت في العهد الأموي، على يد الحجاج بن يوسف الثقفي، حيث كلف نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر لهذه المهمة، لأنهما كانا يعرفان علوم العربية وأسرارها، وفنون القراءات وتوجيهها.
فيما نفى أستاذ اللغة العربية العربية بجامعة الأزهر، بأن يكون التنقيط والتشكيل قد ظهر قبل الإسلام، مستدلا بكتب النبي صلى الله عليه وسلم، وكتابات الحديث الشريف وكتاب الوحي الذين كانوا يكتبون اللغة العربية بدون نقاط أو تشكيل، وهو مايقودنا للتساؤل الثاني هل سلم القرآن من وجود أي كلمات تحتمل نزولها بغير اللغة العربية؟
القرآن باللغة السيريالية
يذهب بعض الباحثين واللغويين إلى وجود كلمات بالقرآن الكريم لاتمت للغة العربية بصلة، ويرون بأن هناك لغات سريالية وأعجمية وردت بالقرآن الكريم، ويحتمل أن تكون قرأت بشكل مختلف لعدم وجود نقط وتشكيل يضبطها.
واستدل أصحاب هذا الإتجاه إلى أن في القران الكريم كلمات كثيرة لايزال المسلمون لم يفهموا معانيها لأنها كلمات لم يوجد لها مرادف في اللغة العربية، مبينين بأن اللغة الآرامية هي لغة منطقة العراق والشام قبل ان يتم تعريب لغتها بعد الفتوحات الإسلامية، كما كانت اللغة الآرمية هي اللغة التي نزلت بها كتب الأولين كالتوراة و الإنجيل.
ومن أبرز الذين تبنوا هذا الإتجاه اللبناني كابرييل صوما مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامپ لشؤون الشرق الأوسط، وهو ذو أصور آرامية وهو عالم متخصص في اللغة السريانية، بالإضافة إلى الباحث السعودي لؤي الشريف الذي أعد بحث متخصص في اللغة السريانية جاءت بعنوان "الجذور الآرامية للقرآن الكريم القديم ومدخل لفهم أفضل له"، والذي قال بأن 85% من كلمات القرآن الكريم من اللغة السريانية.
وطرح أصحاب هذ الإتجاه نموذجا على مذهبهم، عن سورة الإخلاص قوله تعالى "قل هو الله أحد، الله الصمد"، مفسرين كلمة "الصمد"، باللغة العربية تعني "من لا جوف له"، أما في اللغة الآرامية تعني الطريق وتلفظ "سامد" أي أن الله هو الطريق الذي أنا أقصده في طلب الحاجات، وأن قوله تعالى "قل هو الله أحد" تعني أن الله "واحد" وليس "أحد ما"، وهي من الآرامية "إيخاد" وتعني واحد.
عربية القرآن
الدكتور رمضان عبد العزيز استاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، أكد بأن لغة القرآن الكريم هي اللغة العربية، لأنه نزل عربيا مصداقا لقول الله تعالى "الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"، وقوله ايضا "قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"، أي ليس به لبس أو اعوجاج، فنفى الله تعالى أن يكون القرآن الكريم غير عربي، ولهذا قال في موضع آخر "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ، وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ۗ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ"، فلو كان القرآن نزل بلغة غير عربية لتسائل الناس كيف ينزل بلغة غير عربية ومحمد رسول الله عربي، مشددا أن كل تلك الآيات القرآنية تدحض فرية أن بالقرآن الكريم كلمات غير عربية.
وأوضح استاذ التفسير، بأن القرآن الكريم نزل باللغة العربية لأن اللغة العربية كان لغة العرب وكانوا يعتزون بلغتهم، اعتزازا كبيرا وكانوا يتبارون فيها، فنزل القرآن كإعجاز لغوي على العرب.
وحول كون القرآن الكريم نسخ في مصحف وقت أن كانت الكتابة بغير وجود للتنقيط والتشكيل، قال أستاذ التفسير، بأن القرآن جمع في مصحف واحد وقت أن كانت اللغة العربية كما نراها الآن، فقد كان القرآن الكريم محفوظ في صدور وقلوب الصحابة رضوان الله عليهم، وقد حفظوه عن النبي، فقد حفظوه سماعا، وظلت تلك الطريقة حتى يومنا هذا عن طريق السماع برغم تنقيطه وتشكيله، مستدلا بما جاء في سورة البقرة قوله تعالى " ألم " مع أنها ذاتها التي جاءت في سورة الفيل : " ألم "، مبينا أنه لم يعرف الفرق في النطق بين الكلمات إلا سماعا، فكل حفظة القرآن في عهد النبوة حفظوه إما عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو بسند يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم.