عبدالله بن زايد: قطاع التعليم يحتاج إلى قفزة استثنائية متميزة لمواكبة تطلعات المستقبل
الثلاثاء، 13 فبراير 2018 05:01 م
خلال اليوم الختامي للقمة العالمية للحكومات وضمن جلسة حضرها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حملت عنوان "كيف نجعل نظامنا التعليمي يخدم وظائف المستقبل"، أكد الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي رئيس مجلس التعليم والموارد البشرية أن دولة الإمارات حققت إنجازاً كبيراً في قطاع التعليم مقارنة بعمرها اليافع الذي يتجاوز الأربعة عقود بسنوات قليلة مقارنة مع دول وأنظمة عالمية أُسِّسَت قبل قرون.
وأشار إلى أن التوجه الراهن للقيادة الرشيدة هو العمل على تحقيق قفزة نوعية في هذا القطاع الحيوي الذي يدخل في كافة الخطط الاستراتيجية للدولة وفي مقدمتها "رؤية الإمارات 2021" وأجندتها الوطنية.
حضر الجلسة الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، والشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، والشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، والشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، ومعالي محمد عبدالله القرقاوي، وزير شئون مجلس الوزراء والمستقبل رئيس القمة العالمية للحكومات.
وقال الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان: "معايير اليوم لم تعد مِقياساً لِتَقَدُّمِنا في المجال التعليمي، ولا تَتَماشى مع طُموحاتِ دولة الإمارات، نحنُ اليومَ بصدد تطبيق الأنْظِمَةِ التَّعْليميةِ المتقدمة التي تُوَهِّلُ أبناء الإمارات للمنافسة العالمية، ليُصْبِحُوا رُوّاداً في تصديرِ العلوم. ولكي يتطور هذا المجال ولنحقق هذه الأهداف فإنما نحتاج إلى قفزات خارجة عن الإطار التقليدي".
وضرب سموه مثلاً في قصة بطل الوثب العالي فوسبري (Fosbury) التي تعود إلى العام 1968 بعد يومين فقط من تحطيم الرقم العالمي في الوثب الطويل في أولمبياد المكسيك، حيث بيّن سموه أن المشاركين بالمسابقة كانوا معتادين على طريقة مُعَيِّنَة لِلْقَفز العالي، وَكان الأبطال يِتْدَرِّبون عليها إلى أن جاء فوسبري بطريقة جديدة وقفز وَظَهْره إِلى العَارِضَة، رافضاً بِذَلِكَ القَفْزة التَّقْليدية، وَمُخالفاً بَقيّةَ المُتَسابِقين. وَبِهذه القَفْزِة، حَطَّم البطل الرَّقَم القِياسي العالمي آنَذاك وَتَخَطّى كِل المَعايِير المُتَعارَف عَليها. وأصبحت هذه القَفْزِة نُقْطَة التَحَوُّل الفارقة في عالَم أَلْعاب القُوَى في ذَلِك الوَقْت.
وأختتم سموه القصة بالتأكيد على أن دولة الإمارات بِحاجَة إِلى قَفْزَة مُشابِهَة في قطاع التعليم... قَفْزَة تُعيد النَّظَر كَلِّياً في المسيرة والأساليب التقليدية في التَّعْليم، وَتِتْخَطّى كِل المَعايِير المُتَعارَف عَليها وتُغَيِّر الطَّريقَة التي يتعلم بها الطلبة اليوم، وتغير أيضاً بمُسْتَقْبَل العِلاقَة بين التَّعْليم وَسوق العَمَل، مؤكداً أننا نحتاج لقفزة هَدَفْها السُّمو إِلى آفاقٍ غيْر تَقْليديَّة.
المسيرة الإنسانية
وانتقل سموه للحديث عن المسيرة الإنسانية حيث قال: "عَبْرَ قُرونٍ طويلة من تاريخ التطوُّر البشري، تميّز الإنسان بِقُدْرَتِهِ على النُّمو، من ابْتِكار الورق في الصين ومَصِرْ، مروراً بالاخْتِراعاتِ الكُبرى لِلْحَضارَة الإِسْلامِيَّة ومن بعدها الأوروبِيِّة، إلى أَنْ وَصَلْنا إلى الْكُمْبيوتر الشَّخْصي. وأَدَّت تلك الاختراعات إِلى إحداث تغييرات جذرية في طريقة عمل المجتمعات وإنتاجها، من خلال ثوراتٍ صناعيةٍ رئيسة، الأُولى سَخَّرَتْ قوة الماء والبخار وحولتها إلى طاقة ميكانيكية. وَالثَّانِيَة سَرَّعَتْ عمليات التصنيع والإنتاج من خلال استغلال الكهرباء. وتِكْنولوجِيا المَعْلومات فَكانَتْ ثالِثَها، وهي التي قادت تدريجياً إلى التَّشْغيل الآلي لِبَعْض عمليات الإنتاج. وَالْيَوْم، نَدْخُل ثورةٍ صناعيةٍ جديدةٍ ستُقَرِّب العالم المادي مِنَ العالم الرَّقْمي وَتربط الإنسان بالآلة بشكل غير مسبوق".
وأضاف سموه: "مِن أَبْرَز مَعالم الثَّورة الصِّناعِيِّة الرَّابِعَة: الحَوْسَبَة الكَميّة؛ وعُلوم الروبوتات؛ والسَّيارَة ذاتِيَّةِ القيادة؛ والتقنيات العصبية؛ والتعلم العميق؛ والتعديل الجيني؛ والطباعة ثلاثية الأبعاد؛ والذكاء الاصطناعي؛ وهي العلوم والتطبيقات التي ستدفع الحَضارَة الإِنْسانِيِّة إلى القفز لمسافات هائلة في فترة قصيرة".
وأكد سموه أن طرق التعليم والعمل ستتغير وأن الكَثير مِنْ مَهاراتِنا السَّابِقَة ستْكون عَديمَة الفائِدَة، وأنه ومن خلال الأنظمة الآلية (الأتمتة) (automation) سيتم تنفيذ العديد من العمليات والمهام التي تتطلب حاليّاَ مَجْهوداً بَشَرياً، وأن البشرية ستشهد بالتدريج اختفاء العديد من الأعمال الروتينية والإدارية، واستبدالها بِبَرامِج ونظم مُتَطَوِّرَة.
وتحدث سمو رئيس مجلس التعليم والموارد البشرية عن ميزة الثورة الصِّناعِية بالنسبة لدولة الإمارات موضحاً أنها أوَّل ثَوْرَة تستطيع دولة الإمارات أن تؤثر بها، مؤكداً أن التَّغْيير لن يبدأ في القِطاع الخَاص فَقَط بل سيبْدأ مِن القِطاع الحكومي.
وأشار سموه إلى دِراسَة قَامَتْ بِها شركة ماكينزي؛ وجدت أنه من المتوقع استبدال 1.9 مَليون وظيفة في مختلف القطاعات في الدولة. منوهاً بأن بعض الوظائف في قطاعات متعددة سيتم خسارتها ولكن في المقابل سيتم خلق وظائف جديدة ستدخل حيز الوجود تتطلب مَهارات مُتَقَدِّمَة وستكون مَفْتوحة أَمام المُنافَسَة العالَمِيِّة، مشدداً على أن نجاح الإمارات في ظل هذه الظروف الجديدة يحتم على الاقتصاد الوطني التركيز على قاعدة التنويع والعمل على جذب الصناعات وأنماط المعرفة الجديدة التي تؤمِّن النجاح المأمول.
وحول المهارات الجديدة التي تحتاجها القطاعات المختلفة في المستقبل، قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان: "نَحْنُ بحاجةْ إلى التخلّي عَن مَهارات مُعَيَّنَة وَإِلى اكتساب مَهارات مُخْتَلِفَة كالتفكير الناقد؛ والقُدْرَة عَلى التَّكَيُّف وَالصُّمود؛ وتكريس مَفْهوم التَّعَلُّم مَدى الْحَياة؛ وتَوْسيع الآفاق وَالسَّعي لِلتميز؛ ومهارات حَل المُشْكِلات؛ وَالذَّكاء العاطِفي"، مضيفاً: "هَذا يَعْني أَنَّ المَهارات الْأَساسِيِّة المُتَمَثِّلَة في مَعْرِفَة القِراءَة وَالكِتابَة وَالحِسابْ لَنْ تَكون كافِيَة، وَأَنَّ المَعْرِفَة العِلْمِيَّة، والتِقَنِيَّة، والمالية، والمَدَنِيَّة، والثقافية والفَنِيَّة أَصْبَحَتْ اليوم أَكْثَرْ أَهَمية مِن أَيِّ وَقْتٍ مَضَى".
رَأْس المَال البَشَرِي العامل الرئيس
وأكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أن رَأْس المَال البَشَرِي هو العامل الرئيس لدولة الإمارات في الثَّوْرَة الصِّناعِيِّة الرابِعَة، حيث تحتل الدولة حاليّاً الْمَكانَة الأولى عربياً وَالخامِسَةْ وَالْأَرْبَعين عالمياً في مَؤَشِّر رَأْس الْمال البَشَرِي. منوهاً أنه ولِهَذا السبب، أَطْلَقَت مؤخراً حُكومَة صاحِب السمو الشيخ محمد بِن راشد آل مكتوم اسْتراتيجِيةً لِلْثورة الصَّناعِية الرابعة، التي تهدف لِجَعْل الدولة أَحَد الْمَراكِز الْعالَمِيَّة لَها، مشيراً إلى أن المسعى إلى تحقيق الأهداف الموضوعة يحتم على الدولة إعادة النَّظَرَ في النِظام التَّعْليمي الحالي وتأهيلِهِ لِيَتَماشى مَعَ مُتَطَلّبات الثَّوْرَة الصِّناعِيِّة الرَّابِعَة.
وبالعودة إلى مسيرة التعليم الوطنية، أكد سمو رئيس مجلس التعليم والموارد البشرية أن دولة الإمارات قَطَعَتْ مَسافاتٍ كبيرة لِتَطْوير نِظامِها التَّعْليمي وَالاسْتِثْمار في الإنسان الإماراتي خلال العقود الماضية، حيث قدم سموه مقارنة لمسيرة التعليم: فمن 20 مِدْرِسِة في عام 1962، إِلَى 1200 مدرسة الْيوم. ومِن جامعة واحدة في عام 1976، إِلَى أَكْثَر من 70 مُؤَسَّسَة تَعْليم عالي الْيوم. وأن الدولة وضعت لنفسها أهدافاً طموحة لتحقيق أَفْضَل النَتائِج في الاختِبارات الدُّوَلِيِّة المُوَحَّدَة، وذلك بهدف النهوض بجودة التعليم، مبيناً أنه استناداً لآخَرِ المُؤَشِّرات، ما زال مستوى طلاب المرحلة الأساسية والثانوية في دولة الإمارات أَقَلْ من أقرانهم في الدول الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD) والتي تضم أكثر الاقتصادات العالمية تطوراً في العالم، وموضحاً أن ما يزيد من خطورة هَذا الْأَمر أن 36% مِنَ السُّكان، تَحت سن الـ 15.
وشدد سموه على ضرورة معرفة أبناء الإمارات بأنهم في منافسة مفتوحة مع أقرانهم من كل أنحاء العالم، منوهاً أن على الحكومة الاستمرار في تَنْويع المَناهِج مِن خِلال التَّشْجيع عَلى دِراسَة العُلوم وَالتِّكْنولوجِيا وَالهَنْدَسَة وَالرِّياضِيّات، وذلك بهدف تشجيع الطَّلَبَة عَلى الاسْتِعْداد لِسوقِ عَمَلٍ أَكْثَرَ تَنَوُّعاً وَتَقَدُّماً في المُسْتَقْبَلِ القَريب، وأوضح سموه أن بعض الطلبة لايزالون يِسْعون لِلحصول على شَهادات في الاقْتِصاد وَإِدارَة الأَعْمال، في حين أن هذه الشهادات كما وصفها سموه لا تساهم منفردة في بِناءِ اقتصادٍ مَعْرِفِيًّ مُتَنَوِّعٍ، مؤكدا ضرورة استمرار تَدْريس الفُنون وَالآداب مَعَ المَوَاد الأُخْرَى، وعدم الحاجة إلى أن يتحول كافة الخريجين إلى مهندسين لضمان المستقبل المنشود للدولة. مختتماً قوله: "كما نطْمَحْ ليكون لدينا فائِزِين بِجَوائِزِ نُوْبِلْ في العُلوم، فإنَّنا نَطْمَحُ كَذلِكَ للفوز بِجَوائِزِ نُوْبِلْ لِلْآداب".
وحول سوق العمل بالنسبة للمواطنين، قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان: "أكثر من 80% من المواطنين يعملون في القِطاع الحكومي، لِأَنهم يعلمون أَنَّ الوَظائِف الحُكومِيِّة توفر لهم حياةً مُسْتَقِرَّةً، ويعتقدون أنها لا تتطلب تَعَلُّمِ مَهاراتٍ جَديدة والتَّنافُسُ في سوقٍ دوليةٍ مفتوحةٍ. وهَذِهِ مُشْكِلَةٌ ثَقافِيَّةٌ نَحتاجُ لَيْسَ فَقَطْ كَمَسْؤولين حُكومِيّيْن لِإيجاد حُلول لَهَا، بَلْ حَتّى أَوْلِياء الأُمور عَلَيهم دور كِبير في غَرْس ثَقافَة جَديدة في أَبْنائِهِم وَبَناتِهِم، لِيَسْتَوْعِبوا مُتَغَيِّرات المُسْتَقْبَل. فمسْتَوَى مُشاركةِ القُوى العامِلَة لَدَيْنا مُنْخَفِضٌ جِداً إِذا ما قارَنّاهُ بِالمُعَدّلاتِ الدُّوَلِيّة. كما أن التقاعد يكون مبكراً في أحيان كثيرة مِمّا يُشَكِّلُ عِبْئاً مُتزايداً عَلَى مُجتمعنا عَلَى المَدَى الطِّويل. لِذَلِك عَلينا أَنْ نُطَوِّر بَرامِج التَّعَلُّم مَدَى الحَياة وَبَرامِج التَّدْريب العَمَلي التي ستؤهل أبناءنا لاقْتِصاد ما بَعد النِّفْط. عَلينا تَمْكين المواطنين مِن اكْتِساب وتَعَلُّمِ مَهاراتٍ جَديدةٍ. وعلينا أَن نتحدى أنفسنا، ونوسِّع آفاقنا، وَلا نَكْتَفي بِتَعَلُّم المَهارات المُناسِبَة لِلْعَمَل اليوم، التي لَنْ تُؤَهِّلْنا لِوَظائِف المُسْتَقْبَل".
وعن التحوّل إلى اقتصاد المعرفة، قال سمو رئيس مجلس التعليم والموارد البشرية: "في عامِ 2010، أَطْلَقَتْ حُكومةِ دولة الإمارات رؤيتها الطموحة لِعام 2021، وَمِن ضِمْنِها التَّعْليم. وَكان أَحَد العَناصِر الرَّئيسَة لِهَذِهِ الاستِراتيجيِّة هُوَ التَّحَوُّل إِلى "اقْتِصاد المَعْرِفَة". هَدَفُنَا هُوَ نَقْلُ دولة الإمارات لِتُصْبِحَ دولةً ذاتَ "مُجْتَمَعٍ مَعْرِفِيٍّ"، يكونُ الأفرادُ فيها هُم عوامِلَ التَّطْوير التي تْحدِّدْ مَلامِحْ اقتصادنا في المستقبل، بَدَلاً مِنْ أَنْ تَكونَ الحُكومَة هِيَ المُحَرِّكُ الرَّئيسْ للاقتصاد. وَلِتَحْقيق هَذا التَّحَوُّل الجَذْري، يجِبُ عَلَينا أَن نُعيدَ النَّظَرَ بشفافيةٍ تامةٍ وبجرأةٍ غَيْرِ مَسْبوقةٍ في جميعِ عَناصِرِ نظام التعليم والتدريب العملي وَالْمِهَني لِكَسر النَّماذِج القائِمَة. نَحنُ بِحاجةٍ إلى نظامٍ جديدٍ للتَّعليمِ عَلى أَسَاس التَّنافُسِيِّة وَالنَّظْرَة الْمُسْتَقْبَلِيِّة وَالمُرونَة، ويركز على الطفل ويأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الاقتصادية للدولة، وَيُعَزِّز التَّمَيُّز وَالتَّفَوُّق في كُلِّ الْمَجالات".
أربع مستويات
ووضح سموه أنه وفي إطار المسعى لتحقيق تلك الأهداف الطموحة يجب العمل على أربع مستويات: الأول: الْمُؤَسَّسَات التَّعْليمِيِّة حيث تحتاج الدولة إلى إِنْشاء نَموذَج تَعْليمِي جَديد، يَتَطَوَّر بِاسْتِمْرار وَيَتَكَيَّف مَعَ المُتَغَيِّرات في سوقِ العَمَل، وهذا يتطلب معرفة المهارات المَطْلوبَة في المُسْتَقْبَل وتكييف النِّظام التَّعليمي لِلْإِعْداد لَهَا، والعمل على تَجاوز نَصيب الفَرْد مِنْ الْإِنْفاق التَّعْليمي القائم حالياً في ِمجموعة الدُوَلِ السبع الـ(G7). والعمل كذلك على إعادة هَيْكَلَةَ نُظُمِ التَّعليمِ في الدَّوْلَة، ورفع مستويات الرقابة عَلى المَعايير التَّعْليمِيِّة الجَديدَة، وتأهيل المُؤَسَّسَات التَّعْليمِيِّة لكَوَادِرْها، وتطوير المَناهِج الدِّراسِيِّة لتتضمن المَهارات الجَديدة، وَالمَوَاضِيع التي تعزِّز الْإِبْداع وَالتَّفْكير النَّاقِد، مِثِل: الفُنون وَالموسيقَى وَمَادّةُ الأَخْلاقِ، التي رَعاها صاحِبُ السّمو الشيخ محمد بن زايد، وتوفير مسارات تعليمية أَكْثَرَ مُرُونةً وتوافقاً مَعَ قُدُرات وميول كُل طالِب، والعمل على تَعْزِيز الشَّراكات الدُّوَلِيَّة مَعَ مُؤَسّسات تَعْليمِيِّة مُتَخَصِّصَة وَمَعَ القِطاع الخَاص، بهدف الاطِّلاع عَلى أَهَمْ المُتَغَيِّرات.
التَقَنِيَّات التَّعْليْمِيِّة
وبيّن سموه أن المستوى الثاني يجب أن يركز على التَقَنِيَّات التَّعْليْمِيِّة، موضحاً الحاجة إلى مُعلِّمين مُتَمرِّسين وأصحابَ خِبْرَةٍ، وأنه من مسؤولية الحكومة أن تستثمر في تدريبهم وتطوير مهاراتهم، مؤكداً أن المُعلِّم الذي يعتقد بأنه لَيْسَ في حاجَة إِلَى التَّعْلُّم وَالتَّطْوير الشَّخْصي، فهو لا يَصْلُح أَنْ يُعَلِّمَ أطفالنا.
كما أشار سموه إلى أن الدولة تبنّت مَشْروع رُخْصَة المُعَلِّم وجَعَلَتْ الحِيازَة على الرُخْصَة شَرْط أساسي لمهنة الْتَدْريس، كما بيّن سموه ضرورة العمل على جمع العملية التعليمية في دَوْلة الإمارات بَين التدريس داخل الفصول وَالتَّدْريس الافتراضي، بهدف تطوير العَمَلِيِّة التعليمية.
وقد أوضح سموه ضرورة القيام بِتَجْميعِ وتَحليلِ البياناتِ الضَّخْمَة وَالسَّريعَة التي تنتج من العملية التعليمية لِتُساعِد الحكومة عَلى تَحْليل بَيَانات الطَّلَبَة وَالمُعَلِّمين، وذلك في إطار فهم قُدُراتِهِم وَنُقاط قُوَّتِهِم وَضَعْفِهِم، مما يتيح لها فهم كيفية تطَوّيِرُ العَمَلِيِّة التَّعْليْمِيِّة بِشَكِل مُسْتَمِر، بِما يَتَناسَب مَعَ احْتِياجات الدَّوْلَة وَمَعَ احْتِياجات الطَّلَبَة وَقُدُراتِهِم الفَرْدِيِّة. واختتم سموه المستوى الثاني بأن الذَّكاء الاصْطِناعِي لم يعد مِن الخَيَال العِلْمي، وَلِهَذا يجب توظيفه لِلْمَهام التي تِسْتَهْلِك وَقْت المُعَلِّمين مِثل رصد العلامات، وَبِالتَّالي سَيَتَسَنّى للمُعَلِّمين التَّفاعُل مَعَ الطَّلَبَة أَكْثَر وَتَطْوير أَنْفُسْهُم عَلَى الصَّعيد الشَّخْصي وَالمِهَني.
وفي المستوى الثالث تطرق سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى سوق العمل حيث أكد أن الشَّهادة الجامعية لا تَعْني الحُصول عَلَى عَمَل، منوهاً بأن بعض الدِّراسات تتوقع أن 65% مِن الأَطْفال الذين التحقوا بالمَدارِسْ الابْتِدائِيِّة العَام المَاضي سيعملون في مهن غير موجودة اليوم وستُستحدث في المستقبل، ما يعني أن عَلَى الحَكومَة وَالقِطاع الخَاص تَبَنِّي فِكْرَة التَّعَلَّم مَدَى الحَياة، حيث سيكون رَأْس المال البَشَري المعيار الوَحيد لِقِياس النَجاحِ.
وأشار سموه إلى ضرورة تعزيز مَفْهوم التَّدريب المِهَني لَدى الشَّرِكات وَإِقْناعها بِتَخْصيص هَذِه الاسْتِثْمارات الضَّرورِيِّة، الْأَمْر الذي يتطلب من الحُكومَة أنْ تكون الجِهَة المُنَظِّمة لِتَطْبيق مَعايير جَديدة في سوق العَمَل، تَضْمَن اسْتِمْرار عَمَلِيَّة تَطْوِير مَهَارات الْأَفْراد أَيْنَمَا كانوا. بالإضافَةِ إلى ذلك، أكد سموه ضرورة وجود عُقود عَمَل أَكْثَر مُرونَة تسمح للفرد أن يعمل في أَكْثَر مِن وَظيفِة في الوَقْت ذاته.
التَّغْيير الاجْتِماعي
وفي المستوى الرابع والأخير، تحدث سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان عن التَّغْيير الاجْتِماعي مؤكداً ضرورة الاحْتِفاءُ بِالتَّعَلُّمِ وتكريمُ النَّاجحينَ والسّاعينَ لِاكْتِسابِ العُلومِ والمَعْرِفَةِ، لِخَلقِ ثَقافَةِ التَّعَلُّمِ المُسْتَمِرِّ، موضحاً أهمية تمْكين أبناء المُجتمعِ الإماراتِيِّ وَتَشْجيعهم عَلَى البَحْث بِاسْتِمْرار عَن فُرَصٍ تعليميةٍ جديدةٍ ومُبتكرةٍ لِتَحْديد مَساراتِهِم التَّعْليْمِيِّة وَالْمِهَنِيَّة.
كما أشار سموه إلى أن تَشْجيع الاعْتِراف بِالفَشَل مِيزة، مؤكداً أن الرِّيادة في الْأَعْمال تِتْطَلَّب مُحاوَلات عَديدة، يُصيبُ فيها الشَّخْصُ وَيُخْطِئْ وَأن هَذا مَا تِعَلَّمْناه مِن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. واختتم سموه حديثه عن المستوى الرابع قائلاً: "في خِضَمِ كُلِّ هَذِهَ التَّغْييرات الْكَبيرة، عَلينا المُحافَظَة على هَوِيَّتْنا الإِماراتِيِّة، خاصةً في سوقِ عملٍ جديدٍ لَهُ طابِعٌ عالمِيٌّ، وَبِالتَّالي سَتْزيد أَهَمِيَّة القِيَمُ الوَطَنِيَّةُ في نِظامِنا التَّعْليمي".
وعلى صعيد متصل قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان: "لِدَعْمِ تَنْفيذِ رُؤْيَةِ التَّعليمِ الشَّامِلَةِ، أَنْشَأَت الحُكومة مَجْلِس التَّعْليم وَالمَوارِد البَشَرِّيَة. وفي الشَّهْر المَاضي أَظْهَرَ اسْتِبَيان لِأَكْثَر مِن 1200 مواطن، أعمارهم تتراوح بين 17 و25 عاماً، أَنَّ أَقَل مِن 10% يَطْمَحونَ للعمَلِ في القطاعِ الخاصِّ، وأقل من 14% مُهتمون بتأسيس عَمَلِهِم الخاص. في حين أن أكْثَر مِن 70% يُفَضِّلون الالتحاق بِالْعَمَل الحُكومِي. ونحن اليوم عِنْدَ مُفْتَرَقِ طُرُقٍ، ولِذَلِكَ رَكَّزْ المَجْلِسُ أَوْلَوِيَّاتِه لتكون أولاً على تَعْزيز عَمَلِيَّة التَّعْليم في مَرْحَلَة الطُّفولَة المُبَكِّرَة، حيث نَقوم حالياً بِدِراسَةِ قانونٍ اتحاديٍّ يَتَطَرَقُ لأوَّلِ ستِّ سنواتٍ مِن حياة الطِّفْل. كَما نَعْمَلُ على توحيدِ الأُطُرِ على مستوى الدولة لِتَقييمِ دَوْرِ الحَضانَةِ وَرَفْعِ مُسْتَواها. وثانياً تَطْوير التَّعْليم العَام وَزِيادَة تَنَافُسِيَّة طَلَبَة الدَولة عالمياً. فَالْمُؤَسَّسات المَعْنِيَّة تَقوم حالياً بِتَوْحيد المَعايِير مِن أَجِل الوُصول إِلى مُخْرَجات أَكاديمِيِّة مُوَحَّدَة. كما بَدَأَ الْمَجْلِس بِتَكْريم الْمَدارِسْ التي يحقق طلبتها أفضَل الْنَتائِج في اخْتِبارات الـ (PISA).
وأضاف سموه: "ثالثاً، أَطْلَقْنا اسْتِراتِيجِيِّة وَطَنِيِّة جَديدة لِلْتَعْليم الْعَالي لِدَعم الْمُتَغَيِّرات الّلي بِتْواجِهْنا في الدَّولة. وستقوم هَذِه الاسْتِراتيجِيَّة بِالتَّرْكيز عَلى تَزويدِ الطَّلَبَةِ بِالمَهاراتِ الفَنِّيَةِ والعَمَلِيَّةِ المَطْلوبة في القِطاعَيْنِ الْعام والخاص، وَالْوُصول لِأَجيالٍ مِنَ المُخْتَصّين والمُحْتَرِفين والباحِثين. ورابعاً سنطلق مُبادَرات تُشَجِّع التَّعْليم المُسْتَمِر وَتَرْفَع مُسْتَوى المَهارات عَنْ طَريق العُلوم المُتَقَدِّمَة التي نَحْرِص مِن خِلالِها على تَوفير فُرَص تَعْليميِّة وَتَدْريبِيِّة لِلأفْراد في مَسارِهِم التَّعليمي وَالمِهَني. خاصةً وأنَّ 39% من عَيِّنَة الاستبيان يتوقعون أنْ تَكونَ طَبيعة عَمَلِهم بعد 10 أعوام أعمال إداريَّةٍ، وأكثر من 55% يعتقدون بِأَنَّهُم سَيَسْتَمِرُّون في العَمَلِ في المَجالِ نَفْسِهِ والتَّخَصُّصِ ذاتِهِ طوال فترة حياتهم المِهَنِيَّة، وهو أمر غير مجد".
تفَعِّيلُ الشَّراكَة بين القطاعِين الحكومي والخاصِّ
وتحدث سموه حول أهمية التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص، وقال سموه: "سَنُفَعِّلُ الشَّراكَة مَعَ القطاعِ الخاصِّ في بناءِ وتَطْويرِ مَناهِجِ التَّدْريسِ في الجامِعاتِ تَماشياً مع مُتَطَلَّبات سُوق الْعَمَل، بِالْأَخَص في زِيادَةِ فُرَصِ العَمَلِ عن بُعد والتَّركيزِ على خَلْقِ فُرَص عَمَلٍ في القطاعِ الخاص. في عام 2016، قام 66% مِن طَلَبَة الجامِعات الاتِّحادِيّة بِتَأْدِيَةِ تَدريبِهِمُ العَمَلِيِّ في الجِهات الْحُكومِيِّة فَقَط، لِذَلِك أَصْبَحَ إِشْراكُ القطاعِ الخاص أَهمْ مِن أيِّ وَقْتٍ مَضى".
وأختتم سموه كلمته بالقول: "آنَ الأَوانُ لِلقَفْزَةِ القادِمَة. قَدْ تَخْتَفي الْعَديدُ مِنَ الوَظائِفِ في المُسْتَقْبَلِ، وسَتَتَغَيَّرُ مَفاهيمٌ عَديدة، لَكِنْ سَتَظْهَر فُرَصُ عَمَلٍ أُخْرى جَديدَة، وَسَتَتَنَوَّعُ خيارتنا في الحياة. مِنَ المُهِّمِ جِداً أن نكون، حكومةً وشعباً، مُؤَهّلينَ لِهَذِهِ التَّغْييراتِ الحَضارِيَّةِ. الثَّوْرَةُ الصِّناعِيَّةُ الرَّابِعَةُ فُرْصَةٌ عَظيمَةٌ لَنا في الإماراتِ العَرَبِيَّةِ المُتَّحِدَة لِنُثْبِتَ مِن خِلالها أننا قادِرونَ عَلَى صِناعَةِ الحَياةِ وَالحَضارَةِ والتَّسامُح والسّعادة والأمَل... لِذَلِكَ أَقولُ لَكُمْ بعونِ الله سَنَكون مِن المُساهِمِين فيها، مِن أجلِ مُسْتَقْبَلٍ جَميلٍ لِلْأَجيالِ القادِمَة... مستقبل حَلُم به زايد ".