رؤية بحرينية للتعامل مع السياسة الأمريكية
الأحد، 11 فبراير 2018 07:46 م
في جميع مراحلها، لا تبدو السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط واضحة المعالم، فما تخفيه الغرف المغلقة أهم بكثير من التصريحات المعلنة التي يتم تصديرها في الخطاب الأمريكي الإعلامي، إذ إنه من الخطأ الربط بين السياسة الأمريكية ورئيس البيت الأبيض، كما لو كان الأخير هو صانع هذه السياسة.
ويقوم المرتكز الأساسي في السياسة الأمريكية، لاسيما تجاه منطقة الشرق الأوسط، على ركيزتين أساسيتين، الأولى: هي تجربة جميع الخيارات والبدائل، كما يقول الزعيم البريطاني ونستون تشرشل أن "الأمريكيين يفعلون الشيء الصحيح بعد تجربة جميع البدائل" والركيزة الأخرى في صناعة القرار تقوم على الاعتماد على دور المؤسسات الأمنية والاستخباراتية، وهي المؤسسات التي تعمل انطلاقا من ثوابت هدفها الرئيسي خدمة المصالح الأمريكية بغض النظر عن مصالح دول المنطقة.
ومع قدوم الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب البيت الأبيض، ومن سابق تصريحاته، توقع الجميع أن يختلف نهج الأخير عن نهج سلفه "أوباما"، لاسيما تجاه منطقة الشرق الأوسط، فمنذ اليوم الأول لحملته الانتخابية، وقد أعلن أنه سيكون معارضا "صلبا" لجميع سياسات "أوباما" الديمقراطي، كما بدأ ولايته الأولى بتصريحات إيجابية تجاه المنطقة، من إعلانه نقض الاتفاق النووي مع إيران، وتغريدته الشهيرة التي قال فيها "إنه على قناعة بكون قطر وراء جميع الجماعات الإرهابية"، فضلا عن تصريحاته دائما بمحاربة الإرهاب وتنظيم "داعش" وليس التعاون معه كما فعلت الإدارة السابقة ، وهي المواقف والتصريحات التي أبدى الجميع في المنطقة تفاؤلا إزائها.
هنا ورغبة منه في استثمار هذه الأجواء الإيجابية، وفيما يعكس قراءته الدقيقة للتطورات العالمية ورغبته الدائمة في تطويعها للمصالح العربية، عقد رئيس وزراء مملكة البحرين صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة والتي جاءت في أعقاب تنصيب ترامب رسميا، عقد اجتماعا مهما لمجموعة عمل بهدف دراسة العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة وما الذي ينبغي عمله لفتح صفحة في العلاقات مع أمريكا بما يخدم مصالحنا.
أدرك رئيس وزراء البحرين أن المنطقة أمام تطور تاريخي مهم عليها أن تفكر جيدا في كيفية التعامل معها بما يخدم مصالحها ووضع استراتيجية شاملة تحقق ذلك إلا أنه يبدو أن العرب حتى اللحظة قد فوتوا هذه الفرصة.
لهذا، طغت السياسة الأمريكية "الثابتة" على جميع تصريحات دونالد ترامب "المتغيرة" لنجد أنفسنا مجددا أمام السياسة الأمريكية القديمة، التي لم تختلف باختلاف رئيس جمهوري أو ديمقراطي، وهو ما اتضح كثيرا في الدور الأمريكي المباشر في الأزمة الخليجية والملف النووي الإيراني.
فيما يخص الأزمة الخليجية، كانت تصريحات ترامب تصب في صالح الدول العربية المقاطعة لقطر "مصر والسعودية والإمارات والبحرين"، ففي مايو 2017 وقع "ترامب" اتفاقية ضحمة لبيع أسلحة إلى السعودية، فيما وصف وقتها بأنها خطوة دعم مسبق من واشنطن للعقوبات التي فرضتها المملكة العربية السعودية على قطر، وصرح وقتها الرئيس الأمريكي بأنه لا يشك في أن قطر حاضنة الجماعات الإرهابية، لكن بعد يومين من هذا التصريح خرج وزير خارجيته "ريكس تيلرسون" ليعلن أن واشنطن لا تدعم بشكل مباشر العقوبات ضد قطر، وهو التصريح الذي مهد لتوقيع اتفاقية بين الدوحة وواشنطن لبيع أسلحة أمريكية إليها أيضا؟
هذا التحول في السياسة الأمريكية من دعم دول التحالف العربي إلى دعم قطر؛ كشف عنه مؤخرا تقرير نشرته صحيفة "ناشونال إنترست" الأمريكية، مشيرة إلى أن الرئيس ترامب أصبح يميل إلى قطر على حساب الدول المقاطعة.
الموقف الأمريكي من قطر انعكس بدوره على موقف واشنطن من طهران، فإذا كان الرئيس الأمريكي وصف "علانية الاتفاق النووي مع ايران بأنه الأسوأ في التاريخ ، إلا أنه لم يتخذ خطوة فاعلة باتجاه طهران ولا يبدو أنه يسير في طريق مخالف لطريق أوباما في هذا الملف ، وهو ما يجعل التحليل يتجه ناحية دور قطر في العلاقات الأمريكية- الإيرانية، حيث تشير صحيفة "ناشونال إنترست" إلى أنه نظرا لصغر دولة قطر، فمن شأن العداء مع طهران أن يضع مستقبل الدوحة في خطر، بالإضافة إلى أن تمتع قطر بموارد طاقة هائلة تجعلها أهم مصدري الغاز الطبيعي إلى حلفاء واشنطن في أوروبا، فضلا عن استعداد الدوحة لتغطية حصة كبيرة من نفقات القاعدة الجوية الأمريكية في قطر.
كل هذا جعل واشنطن تغض الطرف عن العلاقة بين الدوحة وطهران، بل إنها قد تدعمها إذا ما لزم الأمر، حماية للمصالح الأمريكية التي ترعاها قطر، ويؤكد هذا أيضا ما ذكره البيان الرسمي للحوار الاستراتيجي بين واشنطن والدوحة، بأن أميركا أعربت عن استعدادها للعمل مع قطر لردع أي تهديد خارجي يضر بسلامة أراضيها.
كما صرح دومينيك دودلي، الصحفي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، بأن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها قطر للالتفاف على الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض عليها فعالة، في ظل تأكيد الولايات المتحدة الآن على دعمها للدوحة، فيما تواصل دعوتها كافة الأطراف للتوصل إلى تسوية، مضيفًا أن تلك الجهود تؤتي ثمارها بالفعل.
قد يكون الوقت قد تأخر، لكن أن تأتي متأخر خير من أن لا تأتي أبداً، وهو ما يفرض على الدول العربية أن تنتهج ذات النهج لرئيس وزراء مملكة البحرين الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة في إدارته للأمور السياسية بأن تجلس فيما بينها وتتفق على رؤية واضحة واستراتيجية شاملة للتعامل مع إدارة ترامب بما يحقق المصالح العربية ويضمن لها التصدي لكافة الأخطار التي تهددها ويكفل وحدة الصف والكلمة.