التجربة الأفغانية وتغول الإسلاميين.. استراتيجية أمريكية للحكم

الثلاثاء، 06 فبراير 2018 02:41 م
التجربة الأفغانية وتغول الإسلاميين.. استراتيجية أمريكية للحكم
علي رجب يكتب:

متابعتي لتيارات الإسلام السياسي، فرضت ألا يمكن إغفال دور حرب جماعات المسلحة لفصائل الإسلاميين ضد السوفيت، أو الحرب السوفيتية في أفغانستان، والتي دامت عشر سنوات "24 ديسمبر 1979 – 15 فبراير 1989"، وهي المعركة التي كانت أشبه بمصنع لإنتاج جماعات العنف المسلح للإسلاميين، من غالبية الدول العربية والإسلامية، لحكم المنطقة.

أغلب قادة التيار الإسلام السياسي المؤثرين في دول المنطقة الآن "رجب طيب أردوغان في تركيا"، أو من قادة الجماعات الإسلامية "عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية- راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في تونس وغيرهم" شاركو أو تواجدوا في الحرب الأفغانية بصورة أو أخرى، وتدل الصورة الشهيرة التي تجمع زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني نجم الدين حكمتيار وأردوغان والغنوشي عام 1990، على أن حرب أفغانستان التي قادتها الولايات المتحدة لإسقاط الاتحاد السوفيتي كانت مصنعا ومختبرا لوكالة المخابرات المركزية "CIA"، لرسم طريق وصول تيار الإسلام السياسي في الحكم بمختلف درجاتهم، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، المنتج الأحدث تنظيم "داعش".

أغلب قادة أبرز التيارات الإسلامية أو المتواجدين في مناصب حكومية الآن كان لهم دور في حرب الجهاديين، والتي كانت وقتها تحظى بدعم الولايات المتحدة الأمريكية، كما شكلت فترة الحرب الأهلية الأفغانية، وهي حرب أهلية دارت رحالها في أفغانستان، وكان سببها تأزم الوضع بين الفصائل الأفغانية المختلفة المحاربة ضد الغزو السوفيتي لأفغانستان في الثمانينات بعد النجاح في إخراج السوفييت.

"الحرب الأفغانية" وتعظيم دور جماعات الإسلام السياسي والحشد الإعلامي والديني الرسمي للدعوة إلى الجهاد في أفغانستان خلال السبعينيات، عظمت من دور الإسلام السياسي في المنطقة وخاصة في الدول العربية، ومنذ اندلاع الحرب الأفغانية ضد السوفيت باعتبارها حرب مقدسة ضد "الكفار" المحتلين، شكلت الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط وهي الحرب التي شهدت سقوط النظام البهلوي في إيران وتولي آيه الله الموسوي الخميني على الحكم وإعلان الجمهورية الإسلامية في إيران لتبدأ معها بلاد فارس سيطرة آيات الله على الحكم حتى اليوم، والتي تشهد الآن تظاهرات تطالب بإسقاط حكم ولايه الفقيه.

مرحلة "حرب استخدام الجماعات الإسلامية المسلحة أو حرب أفغانستان ضد السوفيت" شهدت أيضا اغتيال الشهيد الرئيس محمد أنور السادات في 6 أكتوبر 1981، على يد إسلاميين متشددين متأثريين بفكرة إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، كما خاضت الدولة السورية بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد حربا ضد تنظيم الإخوان في سوريا في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين. بلغ التمرد المفتوح ذروته بعصيان مسلح في مدينة حماة في عام 1982، والذي انتهى بتدخل الجيش السوري وإنهاء التمرد المسلح للإخوان، وفي  نوفمبر 1979، وقعت للمرة الأولى محاولة الاستيلاء على الحرم المكي من قبل 200 مسلح، مدعين ظهور المهدي المنتظر، وذلك إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز. هزت العملية العالم الإسلامي برمته، وغيرها من الأحداث التي شهدتها الدول العربية والإسلامية تزامنا ومتأثرة بحرب "الجهاديين في أفغانستان" أو بعد انتهاء الحرب كما وقع في مصر خلال مواجهة للجماعات الإرهابية في تسعنيات القرن الماضي، والتي كان حادث الأقصر نوفمبر 1997، أكثر الضربات الموجعة للدولة المصرية.

نتائج الحرب وصعود موجة الإسلاميين في الإعلام  والثقافة والسياسية والشارع العربي والإسلامي لعب عاملا مؤثرا في وصول تيار الإسلام السياسي للحكم في الجزائر عبر انتخابات 1991، ما أدى إلى حرب دخلها الجيش الجزائري ضد فصائل الإرهاب المتعددة تتبنى أفكار موالية للجبهة الإسلامية للإنقاذ والإسلام السياسي، وتعرف تلك الفترة بالعشرية السوداء في الجزائر "1992م/2002".

بقيت جماعات الإسلام السياسي تنمو وتزدهر وكأن هناك مشروعا استراتيجيا يقوم عليه صناع فكر، والمستفيد الأكبر ليست الدول الإسلامية بل الدولة التي أطلقت يد الإسلاميين في المنطقة والعالم "الولايات المتحدة الأمريكية"، فظهرت طبقات متعددة للإسلاميين ما بين "مودرن" وسلفي متشدد وشيعي عصري، وشيعي متزمت، وهنا ظهر التكفير مع الحرب الإيرانية العراقية خلال الثمانينات أيضا، ومع نهاية التسعنيات كنهاية للمرحلة الأولى من المشروع الاستراتيجي في إطلاق وحش الإسلاميين بكل طبقاته "المودرن-المعتدل- والمتشدد" والوجه السياسي ما يسمى بالمعتدل، كلها كانت منظومة تعمل بصورة متصاعدة ومتوازية في التغول داخل الشارع العربي والمؤسسات العربية للسيطرة على الحكم، فكان وصول حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان إلى حكم تركيا في مايو 2002، ثم سقوط نظام صدام حسين في العراق 2003 بفعل الاحتلال الأمريكي ليطلق وحش التكفير والحرب المذهبية، لتبدأ مرحلة جديدة من تغول الإسلاميين في الحكم بشقيه "السني والشيعي"، وجاءت المرحلة الثالثة من الاستراتيجية الأمريكية لصعود الإسلاميين بعد تظاهرات 2011.

تجربة حرب أفغانستان توضح مدى الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الإسلاميين وجماعات العنف والإرهاب كأداة في تنفيذ استراتيجيتها في السيطرة والحكم، فلكل عقد من الزمن نقلة متغيرة لخريطة صعود الإسلامييين في المنطقة، وصولا إلى تظاهرات 2011 والتي خرج بها المجتمع طالبا لإصلاح اقتصادي وسياسي، ليضع الإسلاميين يدهم على التظاهرات ويحولوها بفعل وقوة التغلل والتواجد في العقل المجتمعي عبر آلاف المنشورات والمواقف السياسية لعقود طويلة ضد الأنظمة الحاكمة إلى واقع في السطلة، والفوز في الصناديق ليحكموا الدول الإسلامية ومعها تبدأ مرحلة إنهاء الدولة الوطنية، وبدأ مرحلة الدويلات الطائفية والمذهبية ليست "سنية وشيعية فقط"، ولكن أيضا سنية بمختلف درجاتها وشيعية بمختلف درجاتها، بمعنى تفتيت خريطة الدول العربية إلى دول كرتونية أو إمارات لكل قائد مليشيا أو جماعة يحكم مدينة ويجعلها إمارة له، حتى 30 يونيو 2013 وسقوط الرمز الأهم لجماعات الإسلام السياسي والملهم والمعبر، وهي جماعة الإخوان والتي سقط بفعل المخزون الحضاري للشعب المصري والذي وجد في حكم جماعة يشكل ضرب للهوية الحضارية التي يمتلكها لآلف السنين حتى لو اعتلى هذه الهوية بعض الصدأ.

تظاهرات إيران مع الذكرى الـ39 لانتصار آيات الله وتأسيس الجمهورية الإسلامية، وفقدان الإسلام السياسي رونقه وقوة الدفع الذاتي داخل الشارع العربي والإسلامي، مع فشل نموذج حكومات الإسلام السياسي في تقديم نموذج قوي اقتصادي وسياسي مؤثر، وتغير الأجيال الحالية وشيخوخة قادة التيار الإسلامي ووجود ثورة التكنولوجيا وأجيال تفكر وتنتج بطريقة مختلفة، جعل من نموذج الإسلاميين التقليدي في تراجع وسقوط صورته في الشارع العربي والإسلامي.

مرحلة "حرب إسقاط السوفيت في أفغانستان" بحاجة إلى دراسة عميقة لتوضح مدى تأثيرها على حضور الإسلاميين في الشارع والمؤسسات الدولة العربية وتفادي تكرار وجود بيئة خصبة لاستمرار أفكار تهدد الدولة الوطنية، وتعمل على تغير الهوية التاريخية لهذه الدول.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق