استراحة الملك فاروق في الأهرامات: "مبولة الجمال والخيول" (صور)
الإثنين، 05 فبراير 2018 05:48 م
أجرت "صوت الأمة" جولة إلى منطقة الأهرامات لرصد ما تبقى من مقتنيات أخر ملوك مصر "فاروق" باستراحته في منطقة الأهرامات.. خاصة بعد سرقة غرفة نوم الملك من استراحته بحديقة الحيوان بالجيزة وعرضها في صالة مزادات لبيعها وحديث العارض عن متانتها وخشبها الماهونجي وتماثيلها المذهبة وكأنه في سوق الجواري يعدد محاسن ومفاتن جارية وليس جزء من تاريخ شعب من أقدم شعوب الأرض حضارته وجدت قبل أن يكتب التاريخ وفي بدايات الزمان.
على بعد أمتار من الهرم الأكبر تقبع استراحة الملك فاروق منذ عام 1946 وربما لو زرت منطقة الهرم ستشاهدها وبسبب طرازها الذي صمم بشكل يلائم منطقة الأهرمات على الطراز الفرعوني بأعمدتها الحلزونية والتماثيل التي تعلو النوافذ تعتقد أنك أمام معبد فرعوني قديم وكان تصميم الاستراحة بهذا الشكل فكرة الملك فاروق في أن تشيد كمعبد ليعيش فيها على طريقة الملوك القدماء وكان يذهب بنفسه للمعابد والمتاحف ويختار النماذج التى يريدها ويعهد بها إلى المهندسين المصريين ليعملوا على غرارها.
تصميم الاستراحة
بدأ العمل فى بناء هذه الاستراحة أواخر عام 1942 وانتهى أول عام 1946 وقدرت تكاليف مبانى الاستراحة بأربعين ألف جنيه علاوة على الأثاث البالغ قيمته 30 ألف جنيه وأشرف على تصميمها وبنائها المهندس المعمارى مصطفى فهمى باشا، جد النجمين حسين ومصطفى فهمي، وكانت تحتوي على تماثيل لملوك فراعنة ولوحات جدارية للصيد عند قدماء المصريين واعتاد الملك فاروق زيارة الاستراحة ليلًا للاستمتاع بجمال منظر القاهرة من فوق هضبة الأهرامات ويتأمل هرم خوفو أحد عجائب الدنيا السبعة ومقبرة أعظم ملوك الأسرة الرابعة الذي حارب المتمردين في سيناء وعلى الحدود الغربية، ومثلما هوى فاروق ووقف على حافة التاريخ ولم يدير مملكته مصر والسوادن بالحكمة حتى انهار حكمه وحكم أسرة محمد علي يد الضباط الأحرار في يوليو عام 1952.. استراحته أيضا في منطقة الهرم على حافة الهاوية ومعرضة للسقوط في أي لحظة على مرأى ومسمع من الدكتور خالد العناني ونوابه.
اسطبل لعربات الخيول
صُدمنا عندما ذهبنا إليها بجوار الهرم الأكبر مكسرة النوافذ محطمة الأبواب هنا ربما تتخيل أن التاريخ يبكي على استراحة أخر ملوك مصر التي تحولت إلى إسطبل لعربات الخيل ومكان لتبول الجمال والخيال بمنطقة الهرم والنوم في ساحتها.. والغريب أن وزير الآثار قال في تصريحات صحفية إنه سيفتتح المرحلة الثانية من تطوير منطقة الأهرام في منتصف 2018 ألم يشاهد استراحة الملك فاروق الآيلة للسقوط بسبب المياه الجوفية والتي يحاصرها الإهمال من كل اتجاه بعدما افتتحها الرئيس جمال عبد الناصر كمتحف لمقتنيات الملك فاروق ومع مرور الوقت بدأ إهمال المكان بشكل واضح كما تعرض لسرقة العديد من محتوياته خاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة حتى تم إغلاقه تماما وتحطمت جدارانه.
وتقول ريهام زكي، باحثة في الأثار المصرية، على ما تتعرض له استراحة فاروق بالهرم للإهمال: "في حين يتجه العالم إلى الاهتمام بالمناطق الأثرية وتطويرها لتكون متاحف مفتوحة لجذب أكبر قدر ممكن من الزوار، إلا أن مناطقنا الأثرية ما زالت تعاني من الإهمال، وعلى سبيل المثال لا الحصر الإهمال الشديد والمتعمد الذي تتعرض له استراحة الملك فاروق بمنطقة الهرم الأثرية.
وتضيف: رغم أن الاستراحة تحمل قيمة تاريخية وفنية مهمة، إلا أن هذا لم يشفع لها حيث تعاني من المياه الجوفية وتحويلها إلى مخزن واسطبل تلتف حوله الدواب من الخيول والجمال المنتشرة في المنطقة الأثرية والأخطر من ذلك التشققات في مبنى الاستراحة والتي تهدد بسقوطه في أي وقت بالرغم من وجود تجارب ناحجة في مصر بمشروعات الترميم للمباني التاريخية وإعادة تأهيلها واستخدامها، إلا أنه لم يتم الاستفادة من مبنى الاستراحة رغم أهميتها التاريخية والفنية فمن الممكن تحويل المبنى لمتحف بعد إعادة محتوياته الأصلية التي نقلت منه إلى "ركن فاروق بحلوان" أو حتى استغلاله كمركز ثقافي أسوة بما حدث لبعض البيوت الأثرية والتاريخية مثل بيت السحيمي وبيت السناري وبيت الكريتليه "متحف جاير أندرسون" وغيرها أو يتم ترميم المبنى حيث إنه معرض للانهيار في أي لحظة خاصة أنه يقع في أهم المناطق الأثرية على مستوى العالم.
ووصفت الاستراحة بشكلها الأصلي كما في الكتاب النادر "قصور الرجعية"، للدكتور محمود محمد الجوهرى، المشرف على مصادرة القصور الملكية المصرية بعد قيام ثورة يوليو، وفيه الوصف الكامل والذي جاء فيه أن هذه الاستراحة تقع شرقى الهرم الأكبر وتشغل مساحة قدرها 3600 متر مربع تقريبا.
الشكل الأصلي للاستراحة
المبنى الرئيسى للاستراحة مشيد على الطراز الفرعونى ومساحته 513 مترًا مربعا وأرضيته مرتفعة عن منسوب الرصيف ويتكون من دورين أرضى وأول وحجرة بالسطح وجميعها مبنية بالدبش والطوب ومكسوة بالحجر الصناعى و بالواجهة البحرية على يمين ويسار المدخل الرئيسى تمثالين كبيرين للملك تحتمس الثالث من الموزاييك المصقول تقليد الجرانيت واقفين على قاعدتين من الجرانيت وفى منسوب الدور الأول بالواجهات البحرية والغربية والشرقية 12 تمثالا للملك توت عنخ آمون من الموزاييك المصقول أيضا والمدخل الرئيسى بالواجهة البحرية مكسو بالجرانيت بارتفاع شبابيك الدور الأول ويوجد بالجهة الخلفية مدخل ثانوى لرجال الحاشية.
وصالة المدخل بها أربعة أعمدة على طراز فرعونى مكسوة بالمازايكو المصقول وأرضيتها من الرخام الملون وبحائطها الغربى والشرقى لوحتان تمثلان منظرا للصيد عند قدماء المصريين ملونتان بالبوية والذهب ويعلو كل منهما الشعار الفرعونى النسر والحيات ملونة أيضا، أما السقف فيوجد به تجويف مستدير للإضاءة المختفية ومزخرف بزخارف ونقوش فرعونية.
وتوجد بها منضدة منحوتة تحمل نموذجين دقيقين لمعابد الكرنك وقصر أنس الوجود ويصل بينهما طريق الكباش وفى أركانها وضعت التماثيل منها ما يحمل تاج الوجه القبلى ومنها ما يحمل تاج الوجه البحرى.
أما السلم الرئيسى فمصنوع من الرخام الملون وعلى جانبيه عمودين من الألبستر أمر الملك فاروق بإحضارهما من منطقة أثار سقارة وعليهما كرتان من الألبستر مجوفتين لوضع إنارة مختفية ويمتاز هذا النوع بأنه إذا أضيء من الداخل ظهرت تعاريجه الوردية كأنما الجو يداعب بعضه بعضا فى رقة وحنان وهو من النوع الذى بنيت منه أعمدة معابد الكرنك.
أما غرفة المكتب فإن أثاثها كله على الطراز الفرعونى وأما المكتب وأدواته فإنه من حجر الجرانيت الذى أحضر خصيصا من أسوان لهذا الغرض وعثر بالمكتب على عدة هدايا منها ساعات ذهبية وأقلام حبر وبعض التحف وأدوات اللعب من المرمر والعاج.
وفى مواجهة غرفة المكتب، غرفة الاستقبال وبها بعض الأثاث الفاخر وأروع ما فيها راديو عجيب الشكل مصنوع فى إيطاليا على الطراز الفرعونى ولوحة تمثل إحدى حفلات المحمل الشريف من عمل الفنان الألمانى أيكوهمان فازت بالجائزة الأولى فى المانيا بمعرض عام 1896 وأرضية هذه الغرفة كسابقتها من خشب الباركيه والسقف والحوائط مزخرفة بنقوش وأحرف فرعونية.
وإذا صعدنا الدرج للدور الأول وجدنا فى مواجهتنا لوحة رائعة من صنع الفنان زينينى على زجاج إنجليزى ملون باليد بمناظر فرعونية تمثل الاحتفال بوفاء النيل عند قدماء المصريين وعلى جانبى السلم لوحتين ملونتين بالبوية والذهب تمثلان منظرا للصيد لرمسيس فى عربته الحربية يطارد غزالا.
والسلم مفروش بالبساط الفاخر ووضعت على الجانبين تماثيل صغيرة أما صالة الاستقبال فى الدور الأول فبابها من خشب القرو بضلفتين متحركتين داخل الحائط وهى تحتوى مقاعد ومناضد ومباخر كلها على الطراز الذى كان يستعمله الملك توت عنخ أمون.
ويتوسط صدر القاعة كرسى مذهب كبير هو نسخة ثانية من كرسى عرش الملك توت عنخ أمون ويوجد على الحائط صورة كبيرة لمصرى من عصر الفراعنة يحمل غزالا وأرنبا فى طريقه إلى فرعون لتقديمهما قربانا له.
وسقف الغرفة مرسوم عليه منظر لمواقع النجوم بيضاوى الشكل وملون باللون الأزرق وبالحوائط إنارة داخلية كما يوجد تمثال كبير مصنوع من الألباستر المرصع بالمينا الفاخرة يمثل زنجية من عصر الفراعنة تعزف على القيثارة أنه من أثمن التماثيل الموجودة بالاستراحة وهو من عمل المثال الإيطالى كورديير.. كل هذا الجمال والتاريخ معرض للانهيار فى لحظة علينا أن لا نحزن عندما يسرق تاريخنا الغرباء ويحتفوا ويعرضوه في المزادات ما دمنا لا نهتم به.