العرب بين المؤامرة والإصلاح.. البحرين نموذجا
السبت، 03 فبراير 2018 03:39 م
هناك سيل هائل من الكتب والدراسات التي تتحدث عن الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الأمريكية في إثارة الاضطرابات التي شهدتها بعض الدول العربية والتي رفعت مطالب اجتماعية واقتصادية سرعان ما تحولت للمناداة بإسقاط النظم الشرعية الحاكمة باسم الديمقراطية والحرية والإصلاح.
ومن أوائل المؤلفات الوثائقية حول الدور المشبوه الذي لعبته واشنطن من خلال أجهزة مخابراتها وسفاراتها ومؤسساتها ومعاهدها ومنظماتها في تأجيج القلاقل في الشارع العربي بهدف اسقاط أنظمة الحكم، يأتي (أرابيسك أمريكية: الدور الأمريكي في الثورات العربية) (Arabesque Americaine: Role des Etats Unis dans les revoltes de la rue Arabe) الذي تم إطلاقه بمكتبة العالم الثالث بالجزائر في شهر مايو 2012، وهو من تأليف الأكاديمي الكندي من أصل جزائري أحمد بن سعادة والذي استند إلى وثائق مهمة توكد بكل وضوح هذا الدور الأمريكي الخطير وأنها لعبت دوراً بارزاً في تدريب وتمويل من يسمون نشطاء سياسيين في تونس ومصر وغيرها من الدول العربية عبر مؤسسات عدة مثل (الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية) (USAID)و(الصندوق الوطني للديمقراطية) (National Endowment for Democracy) ومؤسسة (فريدوم هاوس) (Freedom House) ومؤسسة (Open Society Institute) ، حيث كانت الأموال المخصصة لتمويل هذه البرامج تأني من الكونغرس الأمريكي بينما تقوم وزارة الخارجية الأمريكية بتوزيع هذه الأموال، وكانت ترفع شعارات براقة جاذبة مثل الإصلاح والتعددية وتحقيق الرخاء وغيرها.
هناك الكثير من الشواهد التي تكشف النية الأمريكية المبيتة للتخطيط لأحداث 2011، ونكتفي منها بإعلان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في يناير 2010 تخصيص مبلغ 30 مليون دولار أمريكي للشركات المتخصصة في صنع البرمجيات لمساعدة منظمات المجتمع المدني والنشطاء المعارضين الذين يعيشون في ظل أنظمة استبدادية على كسر الرقابة وتشفير رسائلهم ومحو آثارهم حتى يصعب بعد ذلك على الأجهزة المختصة في بلدانهم تعقبهم.
سياسة واشنطن إذن استندت إلى تكوين شبكة واشعة من النشطاء ودعاة الإصلاح من أجل إحداث التغيير والثورة في العالم العربي. وعندما وجدت أن سياستها بدأت تثمر في العالم العربي، قامت منذ شهر سبتمبر 2011 بإنشاء مكتب خاص في واشنطن بالمنسق الأمريكي الخاص بعملية الانتقال في الشرق الأوسط وترأسه آنذاك دبلوماسي معروف عنه انه متخصص في الثورات وهو (وليام تايلور).
وقد كان لافتا أن يحذر الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس وزراء مملكة البحرين من فرض نموذج معين وموحد من الإصلاحات ومن مخاطر الحديث عن هذه المهمة وهي الإصلاح دون فهم لأبعادها ومتطلباتها ومقومات نجاحها واستمرارها، ففي مقابلة مع صحيفة "دير شبيغل" الألمانية، في ابريل 2012 م، (بعد نحو عام من الأزمة التي شهدتها البحرين)، شكك في اهداف من يرفعون هذا الشعار، وقال :"إن كان الأمر يتعلق حقا بالإصلاحات فإننا قد بدأنا بها منذ زمن طويل وأقدم من أي بلد عربي آخر".
لقد اعتاد العالم العربي على الشعارات التي ساقتها الإدارة الأمريكية طوال عهدها، والتي تحتمل في جوهرها رسائل عدائية تتلقفها الخلايا النائمة في الدولة، من هنا فعلى القائد المحنك أن يعي جيدا الفارق بين الشعارات الوطنية والأخرى الأجنبية الواردة لتحقيق مآرب أخرى وأهداف غير معلومة، وهو ما تجسد في رئيس وزراء البحرين الذي فطن لمؤامرات الأعداء، وحذر من الانسياق وراء الخطاب الدعائي الخارجي، وقدم توصيفا حقيقيا لما حدث في البحرين، بأنه حراك إرهابي مدعوم من إيران وحزب الله.
أما عن الحوار ومن يتشدقون بأهميته في حل وتجاوز الأزمات وتحقيق الإصلاحات، فإنه لا يمكن أن يكون حوارًا في الهواء بلا ثوابت واسس واهداف، وهو ما أكده أيضًا الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة في المقابلة المذكورة إذ اشترط أن يكون هذا الحوار أداء بناء وليس معول هدم، قائلا "يجب على الجهة المطالبة بالحوار أن تُبقي في عين الاعتبار ضرورة مشاركة جميع أطياف وقطاعات المجتمع البحريني بهدف التوصل لنتائج مثمرة"، وهو ما يفرق بين الدعاوى الجادة لصالح الشعب، والدعاوى المأجورة لصالح الأعداء.
ولم ينس الأمير خليفة بن سلمان، رئيس الوزراء البحريني، في استراتيجية في التعامل مع الأزمات، مسؤولية الدولة والجهاز الإداري في تحقيق الرفاهية التطور والنمو للمواطنين، من تعليم ورعاية صحية مجانية، فضلاً عن الإعانات المالية وبدل السكن والمعيشة وإعانات البطالة.. الخ، وهو الدور الأهم الذي يجعل المجتمع ملتفا حول الدولة ولا يثق في المعارضة المخربة، المدعومة من الخارج، وهذا ما نجح سموه فيه.
من هنا يجدر القول، أنه في زمن المؤامرة على الدول العربية، ومخطط فرض الوصاية الأمريكية على المنطقة، فإن الأمير خليفة بن سلمان، رئيس الوزراء البحريني، يقدم نموذجا يحتذى في التغلب على التآمر وتجاوز الأزمات مهما كانت شدتها وحدتها، ومن المهم لقادتنا أن يتمثلوا استراتيجيته في التعامل بحنكة وذكاء مع الاستراتيجية الأمريكية التي تقوم على تصدير شعارات الديمقراطية والإصلاح وحقوق الإنسان والتغيير.. الخ، لتحقيق أهداف ومآرب أخرى تمكن في النهاية الإدارة الأمريكية من تحقيق مخطط الشرق الأوسط الكبير في المنطقة العربية.