ما يسمى بالمعارضة المصرية
السبت، 03 فبراير 2018 01:53 م
من مميزات الحقبة الحالية، أن من عاصرها حصد فرصة تاريخية لمعايشة كل الأجواء الصعبة التي قرأنا عنها في أسفار التاريخ، ما يجعلنا أمام فرصة تاريخية للمقارنة والمقاربة وتفهم ما بين سطور التاريخ، خاصة إذا ما كان صاحب التجربة إنسان سوي وليس هؤلاء الذين نشرح لهم في بديهيات منذ يناير 2011 لليوم دون جدوى.
يمكن القول إن أغلب حوادث السياسة في بلادنا اليوم تبدأ في 23 يوليو 1952 يوم قامت ثورة مهما اختلفنا حولها أو بالأحرى بكل أخطائها أو نتائجها إلا أنها كانت لازمة، فالأوساط السياسية والحزبية وقتذاك كانت قد شاخت وترهلت، شيخوخة مصطفى النحاس فيروس أصاب حزب الوفد، وتوريث السلطة لفؤاد سراج الدين لم يكن ليجدي نفعًا، بينما حزب الأحرار الدستوريين قد أصبح جماعة أدبية أكثر مما هو حزب سياسي وذلك على ضوء تولي جناح صناع جريدة السياسة داخل الحزب للقيادة برئاسة المفكر الكبير الدكتور محمد حسين هيكل رئيس مجلس الشيوخ.
مكرم عبيد وحزبه الكتلة الوفدية انزوا بعد أن طرده النحاس من الحزب، كذا حزب الهيئة السعدية بعد اغتيال أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي على التوالي، بينما أغلب الأحزاب الأخرى كانت موالية للقصر، وبدوره كان الملك فاروق قد استنفذ خياراته حينما راهن على الزعيم الألماني أدولف هتلر في الانتصار على بريطانيا وخسر الرهان.
بعد يوليو 1952، جرى تطور عجيب في تاريخ المعارضة المصرية، إذ أنها قبلت بنسبة تصل إلى 99% الذهاب إلى تلقي دعمًا أجنبيًا.. الليبراليون قبلوا دعمًا أمريكيًا، والإسلاميون دعمًا بريطانيًا، واليساريون دعمًا سوفيتيًا، وبالطبع كان البعض يتلقى دعمًا من أكثر من جهة خاصة الليبراليين والإسلاميين، ولكن في نهاية المطاف قبلت الأغلبية العظمى من المعارضة المصرية أن تكون ذراع الدول العظمى في حرب بالوكالة ضد مصر وليس النظام الحاكم فحسب.
كما فعلها أيمن نور وجوقة من الليبراليين والإسلاميين في ائتلاف شاذ بالهروب إلى قطر وتركيا وبريطانيا وتأسيس القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف، كان هنالك إذاعة مصر الحرة، وبعض الصحف التي تصدر بالخارج بأقلام ورئاسة مصرية في الخمسينات والستينات، وكان هنالك أنظمة إقليمية أيضًا تدعم هذا الاتجاه.
وحينما بدأ العدوان الثلاثي على مصر، أيضا هنالك من تحرك بسحب الشرعية عن الرئيس الحاكم في زمن الحرب، واجتمع أقطاب السياسة المصرية وقرروا حال دخول البريطانيين للقاهرة أن يتم تسليم الرئيس جمال عبد الناصر للسفارة البريطانية وتأليف وزارة مؤقتة إلى حين إجراء انتخابات لجمعية تأسيسية تنتخب رئيس ووزارة جديدة.
ربما كانت من مميزات عصر الرئيس جمال عبد الناصر أنه أسدل الستار الحديدي على هؤلاء، صحيح كان هنالك كوارث جرت حيال حرية الصحافة والمناخ السياسي العام، ولكنها اليوم كوارث لم تعد قابلة للتكرار، بينما الستار الحديدي قد أصبح ضرورة للأمن القومي.
والحاصل أنه في سنوات "عبد الناصر" يتم الكشف أكثر من مرة عن محاولات لاغتياله أو الذهاب إلى ثورة مسلحة على النمط الإسلامي الذي رأيناه لاحقًا في أفغانستان خلال الحرب الباردة أو سوريا خلال حروب الربيع العربي، وكانت واحدة من تفاصيل تلك المؤامرات كافية لإعدام الإرهابي سيد قطب وغلمانه.
أتت هزيمة يونيو 1967، وحققت هدفا مهما في زعزعة استقرار الدولة المصرية من الداخل، خاصة أن المؤامرة في شقها الرئيسي لا تعتمد إلا على أخطاء الإدارة الحاكمة، وبالفعل كان خنق المجال العام والحريات وصناعة مجتمع اشتراكي منزوع السياسة من الأخطاء التي لعبت المؤامرة عليها لتسخين الرأي العام.
حينما توفى الرئيس عبد الناصر، وأتى الرئيس أنور السادات، وعقب ثورة التصحيح في 15 مايو 1971 جرى أمر فريد، مثلما نرى اليوم بعض مؤيدي الرئيس الأسبق حسني مبارك ينضمون إلى غلمان المؤامرة ويرددون جنبًا إلى جنب مع أبناء الإخوان والنشطاء ديباجات التآمر على مصر، فأنه عقب مايو 1971 رأينا اشتراكيين وناصريين ينخرطون في الأمر ذاته مع الإسلاميين والليبراليين ضد السادات.
إن نموذج سامي عنان ومن قبله أحمد شفيق في تأليف حملة انتخابية يقرع طبولها التنظيم الدولي للإخوان، وتحظى بدعم آلة الإعلام القطري والتركي، بل ويكون أغلب رجالاتها والمتحدثين باسمها من تنظيم الإخوان أو غلمان يناير ليس بالنموذج الأول من نوعه في تاريخ ما يسمى بالمعارضة المصرية، فأن الخارجين من جنة النظام في سنوات السادات فعلوا الأمر ذاته.
أمر غريب أن يقبل اليسار الناصري بل واليسار عموما أن يدخل في ائتلاف مع تنظيمات الإسلام السياسي، على ضوء العداء الرهيب في سنوات عبد الناصر، وحقيقة أن الإسلاميين ينظرون إلى كافة مكونات المشهد السياسي باعتباره مجرد سلم للسلطة، ويتحركون على هذا النحو بشكل مكشوف للغاية، فلا يقبل أن يتحالف معهم إلا الباحثون على من يعتليهم سياسيا فحسب.
ومن المقزز أن هؤلاء حركوا انتفاضات الطلبة في 1972 و1973، فلا تعرف كيف يجرؤ البعض على التظاهر في زمن الحرب، كمن يطالب اليوم بينما الإرهاب يحاول الوصول إلى القاهرة عبر شمال سيناء، وبينما مصر تقع داخل طوق إقليمي من الحروب الأهلية، بأن تشهد ميادين العاصمة ثورة شعبية!، من المستفيد، ومن الذي سوف يتسلل، ومن الذى سوف يقود من خلف وأمام الستار، ومن الذى سوف يتأثر بفاتورة المظاهرات وثقلها داخل الميزانية المصرية ووقعها على الدين المحلي والخارجي وتأثيرها على أسعار كل شيء؟
المبهر أن زعماء الحراك الطلابي في السبعينات يقسمون حتى اليوم، أن الرئيس أنور السادات لم يكن ليتخذ قرار حرب أكتوبر 1973 لولا ضغط الشارع، ويتحدثون بافتخار في أفلام وثائقية بعضها أنتجته الدولة في سنوات مبارك أنهم انتزعوا قرار العبور من الرئيس المتردد!!
لك أن تتخيل لو ردد البعض اليوم مقولة إن الرئيس السيسي لم يكن جادا في محاربة المؤامرة والإرهاب ولكن ضغط الرأي العام أجبره على ذلك!!، تصور الموقف وأخبرني برأيك في هؤلاء.
لاحقًا أصبح من هؤلاء كتاب ومؤرخين، كما جرت العادة في ترقية غلمان المؤامرة من نشطاء ميدانيين إلى صحفيين وإعلاميين وكل ما له علاقة مباشرة بتخريب الوعي وإنتاج رواية هزيلة هزلية عن الواقع بل والماضي إذا ما لزم الأمر، تحقيقًا لمقولة جورج أورويل "من يتحكم في الماضي يتحكم في المستقبل"، بالتالي من يصيغ لك الماضي من جديد في نسخة مشوهة أو يقدم لك رواية مشوهة عن الحاضر لتصبح لاحقا كتب عن الماضي هو في واقع الأمر يخدم رؤية استعمارية في تشويه الماضي وسلب شعورك بالثقة في ما فات حتى تفقد الثقة في الحاضر والمستقبل ضمن لعبة الإبادة الثقافية للشعوب.
وما التشويه الذي تعرض له السادات على يد هؤلاء سوى نسخة طبق الأصل من النسخة الحالية للمؤامرة التي تنهش في سيرة قطز وبيبرس وأحمد عربي ومصطفى كامل واخناتون ورمسيس الثاني.
لاحقًا قال لك هؤلاء في ثوب المؤرخين إن السادات اختار وزير دفاعه المشير أحمد إسماعيل على لأنه يسمع الكلام ولا يناقش، وأنه – المشير إسماعيل الذي كان مديرًا للمخابرات الحربية في أصعب أوقات السبعينات – لم يكن له شعبية داخل القوات المسلحة.
هكذا يحقن هؤلاء في رأسك أن القائد الأعلى للقوات المسلحة يختار القائد العام على ضوء شعبيته الضعيفة في الجيش، وعلى ضوء أنه كان متقاعدا لفترة قبل تولى المسؤولية وعلى ضوء أنه يسمع الكلام!، وكل ذلك في زمن الاستعمار الإسرائيلي رابط في سيناء على بعد ساعتين عن العاصمة، في زمن الحرب يريدون منك أن تصدق هذا الهراء.
ويلاحظ أن نفس نمط تزييف الوعي لا يزال جاريًا، وأن المؤامرة في نسختها الحديثة تطلق بين الحين والأخر الشائعات نفسها حيال نفس المؤسسة العسكرية العريقة، لذا يجب التنبه إلى أن اللعبة ذاتها مارستها المؤامرة سابقًا.
وحينما ارتكب الرئيس السادات غلطة عمره بالإفراج عن الإرهابيين الإسلاميين، فإنه عكس ما يردده اليسار، حدث ائتلاف سريع ومرن بينهم، فاليسار وجد في الإسلاميين الحضن الدافئ والتمويل الخليجي – ولاحقًا الإيراني ثم حاليًا القطري والتركي – والدولي الرهيب عكس التمويل السوفيتي وتمويل القومية العربية – من سوريا والعراق وليبيا والجزائر – الشحيح، وقدم اليسار ثم انضم إليه غلمان الليبرالية أعتى ظهير مدني للإرهاب في التاريخ الحديث.
وجرى ما جرى من غربلة للمنصة واغتيال الرئيس الشهيد السادات، وسارع الليبراليون قبل اليساريين واليساريين قبل الإسلاميين لليوم في تقديم كافة التبريرات لأنه ما جرى ليس له علاقة بالإسلاميين، فالبعض أكد أن نائب الرئيس أو وزير الدفاع مسؤولين عن العملية، ولا أعرف إلى اليوم أي عاقل قد يصدق أن الرجل الثاني والثالث في الدولة الجالسين بجانب الرجل الأول كانوا على علم بأن المنصة سوف تتعرض لإطلاق وابل من الرصاص العشوائي قبل أن يتم قصفها بالقنابل ويبقى القاتل الحقيقي في مكانه هادئ ولديه ثبات انفعالي تاريخي نحن لا نتحدث عن بشر هنا نحن نتحدث عن مصاف الرسل والأنبياء!
وخرج الفريق سعد الشاذلي – النسخة الأولي من سامي عنان – يؤكد أنه القاتل ضابط شجاع ويعلن تحمل المعارضة التي ينتمي إليها – بحسب وصفه – المسؤولية! وذلك في فيديو شهير موجود في القضاء الرقمي لمن يريد الاطلاع عليه، كل ذلك بينما لا يأتي ذكر للجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد الإسلامي وحلفائهم تنظيم الإخوان رغم أن أغلب قادة الجماعات الثلاث في تلك المرحلة باركوا الاغتيال وأكدوا ضلوع التنظيمين في الاغتيال تنفيذًا لأفكار الإرهابي سيد قطب!
أتت مرحلة الثمانينات، حيث أفرج الرئيس مبارك عن كافة معتقلي سبتمبر 1981 بما فيهم غلمان وقادة تنظيم الإخوان، واستقبلهم باعتبارهم جزء من المعارضة في القصر الجمهوري بينما فراش الرئيس الشهيد لم يبرد بعد في الدور العلوي من القصر، وبدأت الدولة الحنون في التعامل مع الإخوان باعتبارهم "فصيل سياسي" فكانت لهم حصة في برلمان 1984 و1987، تارة بالتحالف مع حزب الوفد الليبرالي، ثم حزب العمل الاشتراكي.
ولما لا؟ طالما الإسلاميين جاهزين بالتمويل، والدعاية، وطالما أن العدو الخارجي أمر بذلك فلا عجب أن يدخل الاشتراكيون والليبراليون في تحالفات مع قتلة ماهر والنقراشي والسادات، الذين حاولوا قتل عبد الناصر مرارًا.
في سنوات مبارك أصبحت المعارضة المصرية في بيت الطاعة الحكومي، بل وقام نظام مبارك بتسليم الوسط الثقافي والصحفي والإعلامي لليسار والإسلاميين، حتى أصبح الوطنيون في هذه المجالات قلة مندسة لا تتلقى أي دعم من الدولة مقابل دعم مادي وإعلامي رهيب من آلة المؤامرة، وحتى مشروع القراءة للجميع كان لليسار والإسلاميين كوتة في الكتب والنشر.
وقد امتدت الكوتة إلى المجال الاقتصادي، عبر رجال أعمال الإخوان، الذين كونوا ثروات هائلة، وصنعوا إمبراطورية اقتصادية لا تزال الدولة المصرية حتى عام 2018 تتكشف شركاتها، كافة تلك الشركات تأسست ما بعد عام 1981، في سنوات الحضن والدفء الأسري لنظام مبارك حيال المعارضة عمومًا وتنظيم الإخوان الإرهابي خصوصًا.
صحيح كان هنالك اعتقالات وأشياء أخرى تجري، ولكن ذلك لمن تجاوز الخط الأحمر للعبة فحسب، غير ذلك كان هنالك قطاعات كاملة تم تسليمها للمعارضة عموما والإخوان واليسار خصوصا، أو حصة الأسد في قطاعات أخرى.
عام 2005 دخلت المؤامرة وبالتالي المعارضة مرحلة جديدة، قبلت لجنة السياسات بالحزب الوطني الدخول في معترك ما يسمي بالإصلاحات السياسية، على أمل أن تفرز تلك الإصلاحات يوما ما يعزز تمكين مشروع التوريث، وأن يصبح ذو شرعية ديمقراطية وانتخابية ودستورية أمام الغرب والشعب، خاصة أن أمريكا تفهمت مبكرًا أن أخطاء النظام في تصعيد شلة التوريث هو دوحة أخطاء مبارك التي يمكن أن تستغلها ما يسمى بالمعارضة.
وبدفعة بسيطة من كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية وقتذاك ومستشارة الأمن القومي سابقًا التي تحدثت عن حتمية وجود انتخابات متعددة، ومن قبلها مبادرة كولين باول للديمقراطية، هرولنا لإعلان قيام أول انتخابات رئاسية متعددة وعقد انتخابات برلمانية بالشروط التي تريدها المعارضة، وقتذاك تحول أيمن نور إلى تاجر نشطاء حقيقي، فلا يوجد غلام من غلمان يناير إلا وكان نور قد صعده أو ساهم في تصعيده، وقد تحولت تجارة لملمة الغلمان من مقاهي وسط البلد وتدريبهم سواء محليًا أو تسفيرهم إلى الخارج إلى واحدة من أهم طموحات السرسجية مطلع القرن الحادي والعشرين.
انشغال الدولة فيما يسمي بالتجربة الديموقراطية سهل أمور كثيرة، مثل عودة الإرهاب لضرب مصر عام 2005، ومن بوابة سيناء للمرة الأولى في تاريخ الإرهاب الحديث، وهي عملية استخباراتية غربية لم تنتهِ حتى اليوم ووصلت للذروة في يناير 2011 ثم يونيو 2013.
فتحنا الباب وظل صاحب الباب أنه يقود، ولكن حراك أو ربيع القاهرة 2005 كان مفتاح كل ما جرى للوطن بعد ذاك، نشطاء أيمن نور لعبوا دورا مهما في إضراب المحلة، ومن قبلها حركة كفاية ومن بعدها في حركة 6 أبريل وتاليا أصبحوا شباب كل حزب جديد يؤسس في البلد منذ عام 2005 وحتى اليوم.
صحيح تجاوز تنظيم الإخوان الحصة المتفق عليها في انتخابات 2005 وتمت معاقبته، إلا أن التعامل معه باعتباره فصيل سياسي استمر بكل أسف.
وحينما اندلعت 25 يناير 2011، أتت الفرصة على طبق من ذهب لما يسمى المعارضة المصرية، لتطبيق كافة الأفكار التي نادت بها، ولكننا فوجئنا بأنه القسم مدعي المدنية في المعارضة يشكل ظهير مدني وشبابي وثوري للقسم الإرهابي الديني فحسب، حتى مطالب الشعب في ميادين يناير تمت خيانتها، لم يتم الالتفات إليها.
لا يوجد مطلب واحد في ميادين يناير سعت المعارضة المصرية لتنفيذه، ولا يوجد مطلب واحد للمعارضة المصرية عقب يناير إلا وكان ليس له علاقة بما جرى في يناير، هذه حقيقة لو فهمتها لعرفت لما انحاز لاحقًا الظهير الشعبي ليناير إلى الوطن والدولة ومؤسسات الدولة في ثورة 30 يونيو، لأن الشعب وثورته تعرضوا لأقسى درجات الخيانة على يد نشطاء وغلمان يناير.
نصبوا أنفسهم متحدثين عن الشعب دون أن يتحدثوا عن ماذا فعلا يريد الشعب؟، بالنسبة لهم يناير تكية، ثورة تمت مصادرتها من أجل تحسين دخل ما لا يزيد على 10 آلاف شخص أغلبهم بالفعل حقق طموحاته الطبقية سواء بالعمل خارج البلاد أو الإقامة في كومبوندات المدن الجديدة والساذج منهم وجد طريقه للسجون.
لم يتركوا حجرا على ظهر كوكب الأرض إلا وبحثوا أسفله عن سبوبة تلائم لقب ثائر من مصر أو ثوار يناير، لم يتركوا أمسية أدبية على ضفاف نهر البلطيق أو وجبة غذاء على ضفاف الخليج وشواطئه القطرية إلا وذهبوا، إلا وباعوا وصنعوا يناير أخرى في عقولهم ليس لها علاقة بيناير الشعب.
وبينما حاولت الدولة احترامهم وأخيرا وجدنا أهم رجالات المؤسسة العسكرية تجلس مع الشباب بل ويكتبون خلفهم بالورقة والقلم كانت المطالب كلها مستوردة من الخارج، في شكلها المبدئي البراق حلوة وثورية وفى تفاصيلها مؤامرة كاملة لهدم الدولة.
خانوا يناير وطموح الشعب في حياة كريمة، وصنعوا ظهير ثوري وشباب للإرهاب الإخواني، أتت لهم الفرصة للحكم فتصرفوا باعتبارهم في المعارضة!، وأتت لهم الفرصة للتصرف كأسوياء فتصرفوا باعتبارهم خارجين عن القانون!
في المرحلة الانتقالية الأولى، كل فصيل منهم على خلاف مع الفصيل الثاني يدعو لمليونية في ميدان التحرير وميادين الثورة، من دفع فواتير المليونيات الأسبوعية طيلة عامي 2011 و2012 غير الشعب المصري؟ غير الاقتصاد المصري والبنية التحتية المصرية؟ هل دفع هؤلاء أي شيء؟ بالعكس لقد أصبحوا من نجوم المجتمع ونجوم الربيع العربي في كبريات الفضائيات والمحافل السياسية الدولية.
حينما تحولت اليمن إلى مخيمات للشعب على أنقاض الثورة هل أقامت توكل كرمان في مخيم أم وجدت أكبر جامعات العالم توظفها وأكبر الأجنحة الفندقية تفتح لها؟ المعارضة السورية اليوم هي تقيم في مخيمات حلب ودير الزور أم تحظى بخدمة سبع نجوم في كبريات الفنادق الأوروبية والأمريكية والقطرية والتركية؟
لو انقلب الموقف في مصر إلى خيام، هل تتصور ولو للحظة أن إسراء عبد الفتاح ووائل غنيم وباسم يوسف وعبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي وخالد على سوف يقيمون معك أم سوف يجدون المأوى والسلوى خارج الديار في خدمة فندقية سبع نجوم كما الحال مع من فلت في الدوحة وأنقرة وما الصور المسربة لأيمن نور في تركيا إلا 0.0001% من الحياة المخملية التي توفرها المؤامرة لغلمانها في الداخل والخارج.
وبعد تحويل الشعب إلى مجرد قطع شطرنج في مباريات تنس المرحلة الانتقالية الأولي بين الإسلاميين والعلمانيين تحت مظلمة المؤامرة، مفاجأة يا شباب!، نحن فريق واحد ويجب أن نتكاتف لعصر اللمون، بعد أن حققت المعارضة سبقا تاريخيا، للمرة الأولى في التاريخ تقوم قوى ما يسمى بالقوى الثورية بالدخول لانتخابات رئاسية بست مرشحين رئاسيين اغتصبوا بعضم البعض في صناديق الاقتراع وخسروا جميعا وكان الفائز الوحيد هو الشخص الوحيد الذى تثق تمام الثقة أنه لا يحمل الأهلية الفكرية أو القانونية للنزول لوحده في ميدان التحرير يناير 2011.
فجأة أصبح الإخوان رفقاء ميدان بعد صراع المرحلة الانتقالية الأولي، وخلفنا مع شفيق جنائي ولكن الإخوان سياسي، والأهم هو إزاحة طنطاوي وعنان، ثم ذهبوا لتوقيع بروتوكولات حكماء فيرمونت، حيث وزع الإخوان الوعود الهزلية على كافة الحاضرين من يسار لشباب لغلمان لليبراليين لعلمانيين.
للمرة الأولى في التاريخ يتم انتخاب قوة رجعية من أجل التغيير، للمرة الأولى التقدميين ينتخبون الرجعية من أجل التغيير!
ويلاحظ هنا أنه طالما تنظيم الإخوان الإرهابي له مرشح أو مصلحة تغدو الانتخابات دائما في نظر المعارضة المصرية شريفة ونزيهة وأخت توأم "ملتزق" لمجيدة، لنذهب للتصويت لصالح الإخوان في انتخابات دستورية وبرلمانية ورئاسية عقب يناير 2011 لأنه الذهاب للانتخابات حق دستوري وإنساني، ولكن هل للإخوان مرشح في انتخابات الرئاسة 2014؟ لا؟ إذن هي باطلة ويجب ألا نشارك فيها.
هل للإخوان مصلحة في انتخابات التعديل الدستوري يناير 2014؟ لا؟ إذن هي باطلة ويجب ألا نشارك فيها.
هل نجحوا في إحراج المؤسسة العسكرية لتمرير ترشيح عنان 2018؟ هل نجحوا في إحراج الدولة المصرية لتمرير ترشيح شفيق 2018؟ هل نجحوا في ابتزاز الشعب بسيرة شهداء يناير ولوجو الثورة مستمرة ونجحوا في لملمة توكيلات لازمة لدخول الانتخابات الرئاسية 2018؟ لا؟ إذن هي باطلة ويجب ألا نشارك فيها.
الانتخابات مهمة لو شارك الإخوان فيها، وقتذاك يطلب على كوبري الأحزاب المدنية والديمقراطية أن تقرع طبول الليبرالية والعلمانية والمشاركة السياسية ويجب أن نشارك جميعا، ويجب وقتذاك أن يتم الحشد ضد الدولة دون الإشارة إلى الإخوان ثم أن يفاجأوا لاحقا أن الإخوان هم الفائزين!
اليسار.. جارية الربيع العربي، تارة في فراش الإسلاميين وتارة في فراش الأنظمة، بعد أن شاركوا في ثورة يونيو 2013 عادوا للتأوه والبكاء لدى الإسلاميين بعد أن العمل مع الوطن في زمن الحرب الباردة الجديدة والإرهاب الذي ينهمر علينا من حدودنا الأربع لا يكسبهم، لقد اعتادوا أن لكل شيء ثمن، لذا هرولوا مجددًا إلى أحضان الإسلاميين وشباب يناير.
هكذا أصبحت يونيو بأثر رجعي انقلاب، وفض بؤرة رابعة الإرهابية مذبحة، بل وحتى الانتخابات التي شاركوا فيها عام 2014 غير معترف بها، رغم أن الدولة سهلت الأمور وللمرة الأولى في تاريخ الدولة المصرية الممتد لعشرة آلاف سنة يتم فتح أبواب المصالح الحكومية يوم الجمعة حتى يسهل للمرشح الناصري أن يكمل توكيلاته، في انتخابات رئاسية شارك فيها اثنان ومع ذلك حصد المرشح الناصري المرتبة الثالثة!
لا يوجد بند من بنود التآمر على مصر منذ يونيو 2013 إلا وشاركوا فيه، المشروعات التي أعادت مصر إلى الحياة أصبحت مشاريع قومية "مالهاش لازمة"، أصبح تسكين أهالي العشوائيات في ظروف آدمية مشاريع لا لزوم لها، أصبح الاكتفاء الذاتي من الغاز حتى لا ننفق سنويا مليارات الدولارات مشاريع لا لزوم لها، أصبح تنمية محور قناة السويس وإنشاء أكبر منطقة صناعية في تاريخ مصر على ضفاف قناة السويس الثانية واعتماد المنطقة رسميا النقطة الرئيسية لنقل بضاعة الشرق إلى الغرب في مشروع طريق الحرير الصيني الجديد مشروع لا لزوم له.. وغيره وغيره.
واليوم يتأهب الغرب لإعادة سيناريو ربيع القاهرة 2005 على وقع الانتخابات الرئاسية 2018، واللعبة الرئيسية هي سحب الشرعية، حتى تبدأ ألاعيب الفوضى في اليوم الثاني للانتخابات الرئاسية إذا ما أتى الإقبال ضعيفا.
لذا تألف كيان الحركة المدنية الديمقراطية، وتحدث من فشل في حصد 25 ألف توكيل لـ 55 مليونا مصريا ممن يحق له التصويت من أجل مقاطعة الانتخابات، لأنه هنالك انسداد سياسي ما، وتم اتهام النظام بأنه ديكتاتوري، وهكذا أصبح من يدعو للانتخابات ديكتاتور ومن يطالب بإلغائها أو مقاطعتها بسبب عجزه في دخولها هو ديمقراطي ثوري.
بالطبع جرى تغييب متعمد لحزب مصر القوية لصاحبه الإخواني عبد المنعم أبو الفتوح، على أن يتم إلحاقه مع باقي الأحزاب الإخوانية لاحقًا، ثم ان تحمس الآلة الإعلامية لقطر وتركيا خاصة عبر سوشيال ميديا واللوجو الفوري والأبواق الفورية يوضح بجلاء أن ما يسمى بالمعارضة في الخارج ليست بعيدة عن المشهد.
كان هذا تاريخ ما يسمى المعارضة المصرية، تذكروا وذكروا أولادكم كيف طعن هؤلاء وحتى اليوم في الرئيس وقادة الجيش في زمن الحروب والفتن من أكتوبر 1973 لحروب وإرهاب الربيع العربي، كيف أهدروا فرصة يناير 2011 بالسير خلف المؤامرة لا خلف مصلحة الوطن، كيف حولوا يناير 2011 إلى أكبر سبوبة في التاريخ الحديث.
كيف صنعوا من الشعب والثوار كرة تنس رخيصة في المرحلة الانتقالية الأولى ووقت الجد كلهم إخوان الهوى والتمويل، تذكروا كيف كانت مصر تحاول لملمة الاعتراف الدولي بحقها الطبيعي في الحياة والانتصار عقب ثورة 30 يونيو بينما كان هؤلاء في صف أهل الشر ضد الشعب المصري.
تذكروا أنهم بكل صفاقة ودون كلل أو ملل يحاولون تكرار سيناريو ربيع القاهرة 2005، السيناريو التمهيدي لفوضى الربيع، بكل هدوء لأن الفوضى هي هدفهم، الفوضى هي الخلاص والربح الأكبر بالنسبة لهم.
رؤية بلادنا مجرد خيام، تتم تسوية القاهرة بالأرض كما الحال مع طرابلس وحلب والموصل هو طريقهم إلى خدمة فندقية دائمة سبع نجوم في كبريات دول العالم، هدم المؤسسة العسكرية وهدم مؤسسات الدولة هو طريقهم إلى جنيف وبروكسيل وفيينا في مؤتمرات عبثية لمناقشة وقع إطلاق النار بين الفصائل المصرية على الطريقة السورية.
هؤلاء مجرد مرتزقة لا أكثر، يقتاتون بتدميرنا، حفاة يلتحفون بفنائنا ومصائرنا وأرزاقنا.
مصر ليست وإن كانت قوية برجالاتها، إلا أن تكرار فوضى 2005 و2011 لن تمر بخير كما نحاول أن نذهب اليوم، وهم يدركون ذلك ومن يحركوهم يدركون ذلك، يمهدون الطريق للإرهاب القادم، على أمل أن ما فشلوا في تحقيقه منذ سبع سنوات أن يحقق اليوم كما قالها الرئيس عبد الفتاح السيسي صريحة واضحة يوم افتتاح حقل ظهر.
يدرك العالم حقيقة واحدة لا يدركها أغلب أبناء مصر بكل أسف، مصر رمانة ميزان ليس الشرق الأوسط بل العالم، ومن ينجح في مصر ينجح في العالم ومن يسقط في مصر يسقط في العالم أجمع، قالها إمبراطور فرنسا يوما بونابرت "من يحكم مصر يحكم العالم"، لم يكن يقصد الحاكم المباشر بل الفكر والاستراتيجية ومن يهيمن على مصر.
يوم أسقطت مصر التتار سقطوا حتى ديارهم شمال الصين، يوم أسقطت مصر الصليبين أدت إلى خارطة جديدة في أوروبا وتحرير كافة إمارات سوريا الكبرى منهم، يوم أسقطت مصر الاحتلال البريطاني والفرنسي عبر العدوان الثلاثي أصبحوا قوة قديمة أمام الأمريكان والسوفييت.
يوم أسقطت مصر المشروع الإسلامي في يونيو 2013 سقط لاحقًا في ليبيا وغزة وتونس بل وهو اليوم محاصر في قطر وتركيا.
لا تستهينوا بمصر ولا تستهينوا بالمؤامرة على مصر، العدو يعرف قدرها أكثر من أبنائها بكل أسف.
من هنا ينطلق كل جيد وخبيث حول العالم، والعدو أدرك منذ يناير 2011 أنه لا العراق 2003 استطاع أن يفرض رؤية أهل الشر ولا حتى سوريا 2011.
صراع أبدى بين الخير والشر، بدأ على هذه الأرض منذ آلاف السنين، لذا استخدم الرئيس عبد الفتاح السيسي مصطلح أهل الشر لا ليتجنب ذكر أسماء دول بعينها، بل إشارة إلى تاريخ الصراع وأبديته، وقد حاول بعض ساسة الغرب استغلال الصراع نفسه، مثلما أطلق الرئيس رونالد ريجان مصطلح إمبراطورية الشر على الاتحاد السوفيتي أو الرئيس جورج بوش الابن محور الشر على العراق وإيران وكوريا الشمالية.
هو مصطلح سياسي في زمن شعوب لم تعد تفقه في السياسة وأصبح الإفيه هو المسيطر على عقول الشعوب.
ختاما.. قدر مصر أنه ليس لديها معارضة، هذه حقيقة، نحن لدينا عملاء إلا من رحم ربي، لدينا ظهير مدني وشبابي وثوري ويساري تقدمي وليبرالي بل وعلماني وفى بعض الأحيان اشتراكي وناصري للإرهاب وتنظيمات الإسلام السياسي، جميع الحركات السياسية في مصر رسمية أو غير رسمية تخدم على الإخوان وغلمانهم.
ليس لدينا يسار بل الجناح اليساري للإخوان، ليس لدينا علمانيين بل الجناح العلماني للإخوان، ليس لدينا ليبراليين بل الجناح الليبرالي للإخوان، ليس لدينا أي قوة مدنية بل مجرد الجناح والظهير المدني للإخوان.