موت وخراب ديار.. تعرف على تكلفة الموت في مصر (صور)
الخميس، 25 يناير 2018 04:00 ص
يدخل على جده السبعيني فيجده يقف في كبرياء أمام خزانة ملابسه الخشبية، التي رافقته طوال رحلته، ليضع- كما في الماضي، ما يكفي من الأموال بين طيات ملابسه، بداخل ظرف ورقي، زين بعبارة: «فلوس الخارجة».. ما لبث أن عاجله بقوله: «إيه الفلوس دي.. ويعني إيه فلوس خارجة؟»، لينظر إليه جده بحنية وشموخ وييجيبه: «دي فلوس بحوشها من فترة عشان لما أموت تدفنوني وماكنش تقيل على حد في العيلة وأزنقهم في فلوس». هذا المشهد يحدث يوميا وتمر به العائلات المصرية، وسط ارتفاع للأسعار والخدمات غير مسبوق، لم ينج منه الموت بالتأكيد، فالرحلة التي يحتاجها المتوفي إلى مثواه الأخير غالية التكاليف كما كانت حياته غالية.
تكلفة «التغسيل»
لا يقتصر الأمر على دفن الميت فحسب.. فمنذ لحظة إعلان الوفاة تبدأ الأسرة الاستعداد للمساهمة في تكاليف رحلته إلأخيرة، وحينها يكون «المغسل» أول ما تبحث عنه، تلك المهنة التي تفاوت الأسعار فيها حسب المنطقة، وفي كل الأحوال يكون متوسط الأسعار نحو 150 جنيها، على أن بعض الأماكن الراقية يطلب سكانها من مكتب أشبه بشركة لتوزيع المغسلين ويصل سعر المغسل الواحد إلى 1000 جنيه، وعلى النقيض نجد في المناطق الشعبية «مغسل» يقوم بأداء هذه المهمة دون مقابل، وحتى لو أصرت أسرة المتوفى على دفع بعض الأموال يكون في كثير من الأحين مبلغ رمزي بحسب مقدرتهم، إضافة إلى أن هناك جمعيات شرعية تتوجه إليها الأسر الفقيرة بالمناطق الشعبية، لجلب مغسل لا يتقاضي أي مقابل.
يحتاج المتوفي، حين تحين لحظة «تغسيله» إلى أدوات تجهيز رحلته من صابون ومياه مورد وقطن ولوف وسترة أيضا المغسلة فكل هذه اللوازم بمصاريف إضافية، فإذا احتسبنا أجرة المغسل كحد أدنى وهى 150 جنيها بالإضافة إلى اللوازم التى ذكرناها نجد أن المغسل يحصل على 500 جنيه كحد أدنى.
تكلفة «الكفن»
الكفن وهو الغطاء الذى يستر بدن المتوفى بعد تغسيله، وخلال جولتنا لرصد تكلفة الكفن وجدنا أن هناك اختلاف في أسعار الكفن حسب عدد الأدراج وهي اللفات، فيباع الدرج الواحد والمكون من 5 متر قماش بقيمة 45 جنيها، بحسب «أحمد» بائع القماش والأكفان بسوق المنشية بمصر القديمة. يقول أحمد: «كفن الرجل يتكون من 3 أدراج كحد أدنى ويسمى الكفن الشرعى ويباع بقيمة 175 جنيها وكفن المرأة يتكون من 5 أدراج حد أدنى ويسمى الكفن الشرعي وهذه الأدراج الأساسية يجب أن تكون باللون الأبيض السادة، وإذا أراد أهل المتوفي أن يزيد من عدد الأدراج يجب أن يكون العدد النهائي فردي وليس زوجي».
بائع ملابس «الموتى»
ويضيف: «هناك طبقات خارجية للكفن بخلاف الأدراج الأساسية يشتريها البعض لزيادة ضمان ستر المتوفى فاللسيدات هناك (ملس) ويباع بقيمة 45 جنيها، وللرجال هناك قطنية وهي مصنوعة من القماش الذي يتم تصنيع (السديري) منه وتباع القطنية بقيمة 45 جنيه، كما أن هناك أكفان بلوازمها والمتمثلة في كفن شرعي و سترة، وهي قطعة قماش تستر عورة المتوفي أثناء التغسيل، بالإضافة إلى (وزرة)، التى تستخدم للف حول الخصر بعد التغسيل بخلاف صابونة ولوفة ومياه مورد وقطن لوضعه فى مخارج المتوفى فى التغسيل، ويباع الكفن الكامل بلوازمه بقيمة 200 جنيه».
«في المناطق الشعبية البسيطة جمعيات شرعية تجمع تبرعات وهناك من يتبرع لها بأكفان شرعية، ففي حال وجود متوفي وأهله غير قادرين على شراء الكفن أو لم يكن له أهل معلومين يستطيع المتبنى دفنه اللجوء إليها للحصول على الكفن دون مقابل».
نقل المتوفي
حين ينتهي تجهيز المتوفي إلى رحلته، تبحث الأسرة مجددا، عن وسيلة تقله إلى منزله الجديد، وتكون التكاليف على حسب الاتفاق لاختلاف وجهات المتوفين بحسب رغابتهم في كثير من الأحيان، وتتراوح الأسعار لكنها بالأخير لا تقل عن 300 جنيه، بالإضافة إلى أن هناك بعض الجمعيات التي توفر السيارة بالمجان.
عم سيد على أهبة الاستعداد لتلبية النداء
«السيارات التابعة للجمعية لا تطلب أموالا ولكن إذا استطاع أهل المتوفي دفع أي مبلغ (بقشيش للسائق) فيرجع لتقديرهم وليس لمطالب السائقين».. يقول عم عبد الله سائق سيارة نقل الموتى، التابعة لإحدى الجمعيات الشرعية بمنطقة السيدة عائشة في مصر القديمة، وهو يقف أمام السيارة استعدادا لتلبية النداء.
كل تلك التكاليف، بخلاف بعض «أرزقية المقابر» الذين يحضرون أملا في الحصول على بعض النقود نظير المواساة أو حتى طلب النقود بشكل صريح، لكن في جميع الأحوال تكون التكلفة النهائية ليست بالقليل، لتصبح مقولة موت وخراب ديار حقيقة واقعية تجسدها الأسعار.