لماذا انتصر أساتذة اليأس على الطوباويين في معركة كتابة الأدب؟

الأحد، 21 يناير 2018 01:00 ص
لماذا انتصر أساتذة اليأس على الطوباويين في معركة كتابة الأدب؟
سيجموند فرويد
رامى سعيد

"إن عـصـرنـا هـو عـصـر الـتــســويــات، والحــلــول الـوسـطـى، والـسـعـي لجــعــل الــعــالــم أقــل شــرورا والحـالمـون مـن أصـحـاب الـرؤى أصـبـحــوا مــوضــع السخرية أو الاحتقار و«الناس العمليون» هم الذين يحكمون حياتنا" ماريا لويزا برنيري - المدينة الفاضلة عبر التاريخ.

 

***

منذ قرنين من الزمان كان الصراع دائر على اشده بين فرق المثقفين المنقسمين آنذاك إلى كتلتين، أحدهما ينتمي إلى "الطوباوية"- أى من يحاولون خلق عوالم ومجتمعات خالية من الصرعات، مليئة بالمثل العليا - والعدميون، الذين يرون أن العالم كله بما فيه وجود الإنسان عديم القيمة وخالى من المضمون والمعني، وظل ذلك الصراع دائر لفترة من الزمن  إلى أن سيطرت العدمية تقريبًا بشكل كلي على الكتابات فيما بعد، ولم تعد مجرد موضة أدبية وفلسفية.

 

افلاطون
افلاطون

 

قبل أن ننتقل للأسباب التى جعلت "العدمية" هي صاحبة الكلمة العليا واليد الطولى على الكتابات الأدبية، لزم تقديم موقف الطوباويين في الأدب والتاريخ الذين ارتأوا، أن المثقف عليه واجب أن يضع كل ذكاءه من أجل بناء عالم أفضل، وقد بدأ ذلك على نحو تقريبي، منذ أن صاغ القديس الإنجليزي Thomas More توماس مور ١٤٧٨ ـ ١٥٣٥ كلمة يوتوبيا أو«أوتوبيا» في نطقها اليوناني من الكلمة اليونانيـة "Ou" بمعني «لا» وTopos بمعنى "مكان" وتعنـي الكلمة في مجموعها "ليس في مكان" ووضعها عنوانا لـكـتـابة الأشهر فـي الـعـصـر الحديث، واسُتخدم اللفظ منذ ذلك الحين في كل اللغات الأوروبية، وفي ترجمته العربية أيضًا، ليعني نموذجًا لمجتمع خيالي مثالي يتحقق فيه الكمال أو يقتـرب منه، ويتحرر من الشرور التي تعاني منها البشرية، لتصبح بعد ذلك اليوتوبيا تصورا فلسـفـيـا يـنـشـد انـسـجـام الإنـسـان مـع نـفـسـه ومــع الآخــريــن ومــع مجتمعه.


الإنسان ليس مركز الكون

كوبرنيكوس
كوبرنيكوس



إلا أن تلك الطريقة النمطية فى التفكير لم تعد تؤثر فى الكتابات الأدبية الأوروبية حسبما ذهبت الكاتبة الكندية نانسى هيوسيتن فى دراستها "أساتذة اليأس والنزعة العدمية فى الأدب الأوروبي"، مرجعة ذلك إلى تغير موقف العلم نفسه ونظرته للكون التى انعكست على المفهوم الانساني ومن ثمَّ الكتابات، بعدما توصل "نيكولاس كوبرنيكوس عالم الرياضيات البولندي" إلى أن الانسان ليس مركز هذا الكون، وأن كوكبنا ليس أكثر ولا أقل من غبار عائم فى كون لا محدود، وأنه مجرد كوكب، وأن الشمس نفسها ليست سوى نجم بين مليارات النجوم الاخرى، وإذا لم يكن الانسان مركز الكون فهل يعود له معني


الإنسان ضحية غرائزة
 

عالم النفس الشهير سيجموند فرويد
عالم النفس الشهير سيجموند فرويد


وتضيف هيوسيتن سبب آخر كان له أثر على تلك الكتابات فى القرن العشرين بعد اكتشاف العلوم الحديثة نظرية التطور وعلم الجينات والتحليل النفسى، والدور الذى لعبه فى كشف ذواتنا الفردية التى تحكمها الغريزة وأن تلك الغرائز قد تسوقه وتحدده سلوكة، لافتة إلى أن انقلاب الحداثة المفاهيم القديمة.


صدمة الحروب

ضحايا الحرب العالمية الثانية
ضحايا الحرب العالمية الثانية



وتقول هيوسيتن، إن مجازر الحروب - ذلك الإنتاج الصناعى للموت - أدت بالضرورة إلى فكرة عبثية عن الحياة فمن المستحيل تأمل تلال الجثث فى الحرب العالمية الثانية مع وصول الأنظمة التوتالتيارية – أي الشمولية- وما قامت به من مذابح لا سابق لها في التاريخ، ومع التدمير الجنوني لأرواح البشر بالملايين مع غرف الغاز والقنبلة الذرية، كف معظم الكتاب الأوروبيين عن الاعتقاد بأن الأدب يمكن أن يساعد على فهم العالم والعيش معه، وباتوا متشككين إزاء كل شىء وبدت العدمية التى كان من الممكن أن تبقى مجرد موضة أدبية وفلسفية للكثيريين أصبحت فجأة وكأنها حقيقة الشرط الإنساني.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة