"مسجد تربانة".. الإهمال يضرب أخر الآثار العثمانية وأقدم جامع معلق بالإسكندرية (صور)
الجمعة، 19 يناير 2018 02:13 مالإسكندرية - محمد صابر
يتميز حى الجمرك بالإسكندرية بكثرة المساجد التي تنتمي إلى عصور مختلفة وأغلبها يعد من المساجد الأثرية، التي تم إهمالها في الفترة الأخيرة وبالأخص عقب ثورة 25 يناير، حيث كان يتم ترميمها وتطويرها وفجأة يتوقف العمل دون سبب.
"مسجد إبراهيم تربانة" هو أحد المساجد المعلقة التى بدأ العمل بها ثم توقف، يقع بشارع فرنسا بمنطقة المنشية، وقد شيد المسجد أحد التجار المغاربة، واسمه إبراهيم تربانة عام 1097 هـ - 1685م، وكان من أثرياء المدينة التي تحولت إلى أهم ميناء تجاري في شمال أفريقيا بعد الفتح العربي.
ويعد مسجد تربانة من أقدم مساجد الإسكندرية ولقد كشفت أحدث التنقيبات الأثرية عن صهريج أسفل المسجد عمره 326 سنة، تقدر مساحته بنحو 100 متر مربع، كان مخصصا لخدمة المصلين، وهو مكون من 8 أروقة عرضية و6 أروقة طولية، ويضم أعمدة ذات تيجان مزخرفة.
قال الحاج رشاد احمد على أحد أصحاب المحلات بجوار مسجد " تربانة " إنه من أهم المساجد الأثرية في المحافظة، وبدا ترميمه قبل الثورة 25 يناير ولكن توقف العمل فجأة عقب الثورة إلى الآن، ومفيش حد فى المسجد غير الحارس وبعض الموظفين إلى بيجوا الصبح ساعتين ويمشوا، ومحدش عارف إيه سبب التوقف.
وأضاف ماجد سعد، أحد اهالى المنطقة "أن مسجد تربانة هو أحد المساجد المعلقة بالإسكندرية وكانت أبوابه من الخشب، ولم يكن هناك جدران كان كله عمدان فقط، وبدء العمل فيه قبل الثورة والآن لم يتم الانتهاء من الترميم".
وقال أحمد إسماعيل من أهالى المنطقة، إن أعمال الترميم والتطوير بدأت قبل الثورة بعامين ولكن توقف العمل فجأة، وقد حصل المسجد على منحة من أحد الدول الأوروبية، وجاء بالفعل مجموعة من الخبراء الأجانب لمعاينة المسجد ووضع خطة لتطويره لكن توقف كل شئ فجأة.
وأشار "إسماعيل" إلى أن هذا المسجد كان يستخدم استراحة لحجاج المغرب حيث كانوا يقومون فى المسجد فترة، وبعده يستكملوا رحلتهم إلى السعودية، وكان يضم عدد من المباني المجاورة وتم فصلها عن المسجد، ويعد المسجد تحفة معمارية وكان يقدم خدمات لوجستية متعددة للوافدين فى العصور القديمة.
وعن تاريخه فقد شيد المسجد على الطراز العثماني، ويعتبر آخر الأثار العثمانية الباقية في الإسكندرية ملحق بالجامع حجرات سكنية، وكانت تلك عادة عند بناء المساجد في زمن العثمانيين، والطابق السفلي من المسجد عبارة عن مجموعة من المحال التجارية، وكان الغرض من وجودها عند بناء المسجد توفير دعم مالي للمصروفات.
ظهر هذا النموذج من المساجد في مصر أثناء العصر الفاطمي ومن الناحية المعمارية ينتمى المسجد إلى طراز يطلق عليه طراز الدلتا لانتشاره في بعض مدن دلتا مصر في العصر العثماني و خاصة في مدينتين رشيد و فوه، وأهم خصائص هذا الطراز تتمثل في استخدام الطوب المنجور فهو طوب صغير الحجم ملون بالأسود و الأحمر و كان يبنى في أشكال زخرفية هندسية يزين به مداخل المساجد والبيوت.
كما تأخذ قاعة الصلاة في مسجد تربانه الشكل المستطيل وتبلغ مساحتها حوالي 350 متر مربع وهي مسقوفة بسقف خشبي تزينه زخارف ملونة والسقف محمول علي أربعة صفوف من العقود المرتكزة علي ثمان أعمدة رخامية، بينما خصصت شرفة داخلية (ميزانين) مصلي للسيدات.
ويضم المسجد عددا كبيرا من الأعمدة التي تعود إلى عصور سابقة على عصر بناء المسجد و بالذات العصور اليونانية و الرومانية و قد كانت هذه الأعمدة في مبان قديمة تهدمت أو في الميادين العامة و تم استخدامها مرة أخرى في المباني التي أقيمت بالإسكندرية في العصور الإسلامية.
كما ترتكز مئذنة المسجد علي عمودين ضخمين من الجرانيت تزينها زخارف رومانية و يعلوا العمودين قبو متقاطع يحمل المئذنة و هذا النوع من المآذن تميزت به مساجد الإسكندرية في العصر العثماني.
والمئذنة نفسها تتكون من ثلاثة أجزاء أولها جزء أجوف مثمن الشكل يحتوي علي سلم خشبي دائري يربط سطح المسجد بالجزء الثاني من المئذنة و هو شرفة المؤذن أما الجزء الثالث من المئذنة فيتكون من قاعدة تسمي ( الكرسي) وعمودا اسطوانيا محلي بقنوات راسية يسمي البدن يعله جزء يشبه القبة يسمي الخوذة.
يضم المسجد مجموعات مختلفة من بلاطات القيشاني المزجج المصنوعة والملونة يدويا، وهي تتركز في حائط المحراب و حائط مدخل المسجد بالدور العلوي، وتتنوع أحجام هذه البلاطات، وتزينها زخارف هندسية ونباتية، ويمثل المسجد أهم ما تبقى من معالم العصر العثماني في الإسكندرية و يخضع حاليًا للترميم من قبل هيئة الآثار.