بجاحة "صبى ترامب"

أتعجب كثيرا من "البجاحه" التي تُصر "الإدارات الأمريكية" المتعاقبة على التعامل بها مع"العرب" وكأنهم جميعا من "جورج واشنطن" وحتى "ترامب" قد اتفقوا على أنهم يخاطبون "جهلاء" لا يعون التاريخ، و لا يدركون أن الدولة الأمريكية كانت السبب الأول فيما وصلت إليه كثير من الدول العربية من دمار وخراب وصراعات قد تمتد لعشرات السنين، وأنه لا وجود لأمريكا المناصرة لحقوق الإنسان واستقرار الشعوب، بعيدا عن فرض المصالح والنفوذ.

 

فقد استفذنى هذا الأسبوع تصريح غريب لوزير الخارجية الأمريكية "ريكس تيلرسون" أكد خلاله، حرص بلاده على دعم جهود الاستقرار وإعادة بناء وإعمار العراق، مبديا إعجابه بما حققه العراقيون من انتصارات على الجماعات الإرهابية في البلاد.

 

ولعل ما يدعو للعجب في تصريحات "صبى ترامب" أنه تجاهل خلال تصريحه الداعم لجهود الاستقرار في العراق، أن بلاده كانت السبب الأول فيما وصلت إليه العراق من كوارث، وأنها بعد غزوها الظالم للعراق في عام 2003، أصدرت أوامر لقادة وجنود قوات التحالف، للقيام بعمليات نهب واسعة في شتى أنحاء العراق، تم بموجبها الاستيلاء على مليارات الدولارات، والدينارات العراقية من الخزينة العامة للدولة، والقصور الرئاسية، والمصارف، والبنوك، والمؤسسات المالية، لدرجة أنهم افرغوها تماما مما كانت تحتويه من أموال. 

 

كما نسى " تيلرسون" الإشارة إلى أن عمليات النهب التي مارستها بلاده في العراق، قد امتدت إلى الوزارات، والمؤسسات، والدوائر الحكومية، وسرقة وتهريب النفط والآثار العراقية، بمعرفة عصابات أمريكية وإسرائيلية، عملت تحت حماية وسمع وبصر قوات التحالف، بعد أن وفروا لهم غطاءا قانونيا، منح كل قادة وجنود قوات التحالف ــ ومعهم وكافة المقاولين والشركات المتعاملة والمتعاقدة مع تلك القوات وسلطات الاحتلال من عراقيين وأجانب "حصانة" من خلال مذكرة مخالفة لكافة المواثيق والأعراف الدولية، أطلقوا عليها اسم "مذكرة الحماية رقم 3 لسنة 2003" وتمنع ملاحقتهم قانونيا وقضائيا.

 

كما تجاهل "صبى ترامب" أن يقول للعالم: أن ما وفروه من حماية لنهب وسلب العراق، قد شكّل غطاء لكل جرائم الفساد، الذي طال عقود النفط، وتجهيز وتسليح الجيش العراقي، والاعتداء على ملكية العقارات المملوكة للدولة، وإخفاء مواد البطاقة التموينية، والتلاعب المالي في القطاع المصرفي، وتزوير الشهادات الدراسية والألقاب العلمية واستخدامها بالوظيفة العامة، والتوظيف في أجهزة الحكومة المدنية والعسكرية بالرشاوى، ووصلوا بأمر الفساد المالي والإداري في البلاد إلى أن تحول إلى "ثقافة" ومنهج مازال يهدد كيان الدولة.

 

كما نسى " تيلرسون" أن يقول للعالم، أن العراق التي يدّعون حرصهم على استقراره، كانوا هم أول من وضعوا بذور الطائفية فيه، بعد أن استحدثوا عقب غزوه نظام حكم طائفي يقوم على أساس "المحاصصة" استبدلوا من خلاله، وحدة الشعب العراقي وهويته العربية الإسلامية، بمفاهيم طائفية وعرقية، تم بموجبها تقسيم سلطات الدولة على أساس الانتماءات المذهبية والعرقية، ورسخوه فيما بعد في "قانون الدولة" الذي مهد للمرحلة الانتقالية الصادر أيضا تحت ـ سلطة الاحتلال ـ في مايو عام 2003، باعتباره "وثيقة دستورية مؤقتة" ترتب عليه أيضا اقتسام سلطات الدولة على ذات أسس الطائفة والعرق، والتي أسفرت بالتبعية عن بناء جهاز حكومي "هش" والقضاء على الآلاف من أصحاب الكفاءات العلمية، وانعدام تكافؤ الفرص، وتفشى الدعوات العنصرية والإرهابية والتكفيرية والطائفية التي مازالت تهدد كيان الدولة حتى اليوم. 

 

للأسف هذه هي أمريكا، وهذه هي الإدارات الأمريكية مهما تعاقبت وتغيرت، وستظل تظهر للعرب بوجه غير الوجه، وتفعل معهم عكس ما تقول، وتتعامل معهم بمنطلق الجاهل الذي لا يعى دروس الماضي، حتى يريد العرب غير ذلك، إن شاءوا.