الصعايدة بالـ"آى فون" مش بـ"الكلسون"... صورة أبناء الجنوب في الدراما المصرية
الثلاثاء، 16 يناير 2018 08:00 م
ذهبت سيدة ثلاثينية إلى محافظة المنيا برفقة زوجها المنتمي إلى أحد القرى بهذه المحافظة لتشاهد حياة الصعايدة وأهل زوجها فى رحلة دامت أيام معدودة، فكانت فى مخيلتها أن مجتمع الصعايدة مثلما جسدته الدراما المصرية من تشدد وصرامة فى المعاملة وأن مشاكلهم تقتصر على الثأر وأن الفتيات ليس لهم أدنى حقوق بل مقهورات فى المجتمع الصعيدى وغيرها من الصور التى رسختها الدراما التليفزيونية فى عقول كافة المواطنين عن أهالى الصعيد، لتصطدم بالواقع وتجد أهمية المرأة فى العائلة والاهتمام بتلبية احتياجاتها وتعليمها بل وعملها أيضا فى كافة المجالات مثلها فى ذلك مثل السيدة فى العاصمة وفى كافة محافظات المحروسة، وفوجئت أيضا باختلاط السيدات بالرجال فى الجلسات العامة والعائلية وارتداءها ملابس متمدنة وأن الرجل الصعيدى ليس بالتعصب الذى جسدته الدراما المصرية.
كما رأت استخدامهم لكافة وسائل التكنولوجيا وألعاب الأطفال الحديثة بالإضافة إلى اللغات الأجنبية التى يتعلمونها ويتحدثون بها، والاختلاف الكبير بين اللهجة التى أظهرتها الدراما وبين اللهجة الحالية فقد استمعت لحديثهم والذى يحمل كلمات بسيطة من الأصول الصعيدية إلا أن استخدامهم لوسائل التكنولوجيا وعملهم فى مجالات مختلفة واختلاطهم بباقى المجتمعات أثرت على لهجتهم وأصبح حديثهم مثل أهالى العاصمة، على الرغم من أن الدراما المصرية تمسكت فى أعمالها المتضمنة المجتمع الصعيدى على لهجتهم الصعيدية الصارمة ولا تلتفت للتغيرات الكبرى التى حدثت بهم.
لنجد أن الدراما المصرية لم تنجح في تجسيد شخصيات أهالى الصعيد وأحوالهم بالشكل الصحيح فهناك أعمال تتجاوز في حق الصعيد سواء بقصد أو بدون قصد من خلال مشاهد مفزعة وكأن رجال الصعيد لا يعرفون الرحمة ولا يعرفون التعامل مع الآخرين، وأعطت الكثير من الأعمال انطباعًا بأن الصعايدة يسهل الضحك عليهم من خلال مشاهد ساذجة واختزلت الرجل الصعيدى في الجلابية البلدى والبلّاص على غير الحقيقة.
اهتمت الدراما التليفزيونية والأعمال السينمائية بتجسيد الصعايدة فى مصر والقرى ومحافظات الصعيد وعاداتهم وتقاليدهم، فعاما بعد عام لا تخلو الدراما التليفزيونية من المسلسلات الخاصة بالمجتمع الصعيدى والذين صوره بالجهل والتراجع الفكرى، وخلقت الدراما شخصية صعيدية يبرزوها فى كافة الأعمال الفنية الخاصة بهم على الرغم من أنها لا تمت للواقع بصلة ولخصوا مشاكل هذا المجتمع الضخم فى الثأر وسلسال الدم بين العائلات، بخلاف ما تظهره الكثير من الأعمال الفنية بأن يقتصر دور الصعيدى فى شخص تافه وغبى أو "قفل" بطئ الفهم وذلك على عكس الحقيقة فالأغببياء منتشرون فى كافة المناطق وليس هناك مجتمع يجمعهم ولا يوجد دليل يؤكد على أن أغلب أهالى الصعيد مصابون بالغباء، ومن ناحية أخرى فهناك عادات قديمة تمسكت بها الدراما المصرية رغم اختفائها من المجتمع ولعل أبرزها "الدخلة البلدى" وهو أن يدخل الزوجان يوم عرسهما فى غرفة النوم ومعهما والدة العروسة ووالدة العريس ليفض غشاء البكارة أمامهما ويلطخ به قطعة من القماش بيضاء اللون ويعلنها أمام الأهل من النافذة ليطلقوا النيران لتكون طقس من طقوس الزواج، ولكنها عادة قديمة واختفت بشكل كبير حاليا، فإذا ذهبت لحضور حفل زفاف فى أحد محافظات الصعيد تجد الحفل إما فى الشارع مثلها مثل الكثير من المناطق فى القاهرة والجيزة وكافة المحافظات وإما فى قاعة مناسبات ونجد الملابس مشابهة لملابس أهالى باقى المحافظات ولم يقتصروا على الجلباب الأسود والطرحة.
لنجد أن الدراما المصرية نقلت صورة عن الصعايدة ليس لها علاقة بأهل الصعيد فى الواقع الذى يعيشوه فى بلداتهم، واقتصرت على صورة معينة لم تغيرها مع مرور الزمن وكأن ساعة الزمن توقفت لدى الكتاب أثناء كتابتهم أعمال فنية عن الصعايدة.
وهو ما انتقده الكثير من النقاد الفنيين طوال السنوات الماضية مؤكدين على أن الدراما لم تنقل جوهر الصعيد الذي نعلمه تمامًا، بل شوهت مجتمعًا له عادات وتقاليد وتاريخ، ويشكل جزءًا مهمًا جدًا في البنية الأساسية للمجتمع المصرى، فهناك تحريف للشخصيات الموجودة من الناحية النفسية والسلوكية والقيمية.