كتابة المذكرات.. من فضفضة الفراعنة على البردي إلى "ميمورى الفيسبوك"
الثلاثاء، 16 يناير 2018 06:00 م
بجوار جده السبعينى، جلس شاب لا يتعدى عمره العشرين عامًا ليتصفح حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، حتى فوجئ بظهور ذكرياته المدونة على الموقع فى مثل هذا اليوم من كل عام، فبين منشورته التي دونها وصوره مع أصدقاءه وأقاربه، تذكر الشاب مراحل حياته منذ التحاقه بعالم السويشيال ميديا، فسأله جده ماذا تفعل؟.. فرد عليه الشاب: " يا جدو بشوف ذكرياتى كل سنة زى النهاردة على الفيسبوك تخيل ان زى انهاردة كنا فى اسكندرية كلنا وكنا بنحضر لفرح أخويا"، فرد عليه جده "زمان كنا بنكتب مذكراتنا فى كشكول صغير دلوقتى بتكتبوها على الفيسبوك غريبة والله!".
منذ قديم الأزل اعتاد الإنسان، أن يكتب مذكراته وأهم الأحداث التى شهدتها حياته، فبين الكتابة التى تم اختراعها ليحفظ الشخص إنتاجه الفكرى وميراثه الثقافى والعلمى من الاندثار، والرسم الذي كان يُنقش به على الألواح الطينية منذ قبل الميلاد، اختلفت وسائل التدوين عبر العصور، ولكن بقيت الفكرة واحدة.
وكان ينقش الإنسان على الطين بقلم سنه رفيع، ثم يجففه فى النار أو الشمس ليدون به مذكراته، ومن بين هؤلاء الذين استخدموا هذا الاسلوب في التدوين كانوا الفراعنة الذي نقشوا باللغة الهيروغليفية موثقين الأحداث والتاريخ على جدران المعابد والأحجار، ولعل من أبرزتلك الأحجار حجر رشيد، ووصل الأمر إلى أن اخترع المصريين القدماء ورق البردى والذى كان يصنع من ورق البردى عام 4000 ق.م، حيث تم استخدامه فى الكتابة وكان يلف حول لوح خشبي أوقضيب من العاج، ويدون عليه الأحداث والعلوم والفنون التى يخشى عليها من أن تمحى من ذاكرة الإنسان على مرور السنوات.
ثم بعد ذلك ظهرت الكتابة على الورق والذى يعود الفضل فى اختراعها كما نعرفها الآن إلى الصينيين الذين أنتجوه ابتداء من القرن الأول ميلادي، وذلك انطلاقًا من سيقان نبات الخيزران (البامبو) المجوفة والخرق البالية أو شباك الصيد والقنب وعشب الصين، ويتم تحسينه باستخدام لحاء الشجر أو "الطبقات الخارجية لجذوع النباتات الخشبية" والقنب وقطع القماش حيث كانت هذه المواد تدق، بعد أن تغسل وتفقد ألوانها، في مطاحن خاصة حتى تتحول إلى عجينة ناعمة الملمس فتضاف إليها كمية من الماء حتى تصبح شبيهة بسائل الصابون، وبعد أن يصفَّى الخليط تؤخذ الألياف المتماسكة المتبقية بعناية لتنشر فوق لوح مسطح لتجففه حرارة الشمس، وبعد التجفيف يمكن صقل فرخ الورق المحصل عليه بعد ذلك بواسطة خليط من النشا والدقيق ويجفف من جديد، وهكذا يحصل عى ورق قابل للاستعمال، وكان يسمى الورق الصيني في عهد الدولة العباسية الكاغد وهي كلمة دخيلة (بالفارسية: كاغذ) كما سمي صانعه (الوراق)
ولم يغفل على أحد أهمية الرسم أيضا فى تدوين الأحداث وليس الكتابة فقط ، وهو ما أدى إلى اختراع الكاميرا ففور انتشارها فى أغلب دول العالم أصبحت أداة لتدوين الذكريات والأحداث أسهل من الرسم أو الكتابة، واستطاعت الصور أن تلقى اهتمام الكثيرون لشغفهم فى تدوين مذكراتهم وخوفا من أن يمحوها ذاكرة الإنسان حيث تطورت الكاميرا لتصبح فى كافة البيوت المصرية تقريبا من خلال هواتفهم المحمولة المتضمنة للكاميرا.
ومع مرور السنوات وتطور التكنولوجيا، ظهر إلى عالمنا منذ عدة سنوات مواقع التواصل الاجتماعى والتى بدورها أصبحت تساعد مستخدميها على الاحتفاظ بمذكراتهم لتظهر لهم يوميا "ميمورى" أو ذاكرة اليوم تحمل معها كل ما دونه المستخدم من كتابات أو صور أو مقاطع فيديو فى مثل هذا اليوم من كل عام منذ بدايه اشتراكه في "الفيس بوك"، ونلاحظ حاليا أن هناك مستخدمين يدونون لحظاتهم الفارقة فى حياتهم سواء زواج أو انجاب طفل أو وفاة أحد المقربين وخلافه فى نفس اليوم على موقع التواصل الاجتماعي دون تأخير، لتكون محفورة في ذاكرة الموقع فى كل عام.