مرصد الأزهر يطالب بتضافر الجهود لتجفيف منابع الفكر المتطرف
السبت، 13 يناير 2018 01:08 م
أكد مرصد الأزهر، بوحدة الرصد الإفريقية، أنه منذ بدء العد التنازلي لسقوط تنظيم "داعش" الإرهابي وأفول نجمه وإخماد نيرانه، توالت القراءات التحليلية حول تقديم رؤى بشأن مستقبل العالم بعد داعش، وثمّة تباين في وجهات النظر حول الوجهة القادمة للتنظيم، ورغم ذلك التباين إلا أن قاسمًا مشتركًا بين هذه الرؤى المتباينة هو أن قارة إفريقيا كان لها نصيب الأسد.
وأشار المرصد إلى أن من توقعات المحللين بأن تكون الوجهة المقبلة لعناصر التنظيم والملاذ الأخير لهم فرارًا من قبضة قوات الأمن والتحالف الدولي لمكافحة داعش، وكأن القارة الإفريقية كان ينقصها أولئك الدواعش، أو أنها كانت بمنأى عن الإرهاب والتطرف، فالمتتبع للشأن الإفريقي يجد أن هذه القارة عانت كثيراً جراء تنظيمات متطرفة ومليشيات مسلحة أذاقت أبناء إفريقيا ويلات من العذاب وتسببت بإجرامها ووحشيتها في أن ظلت كثير من بلدان القارة رهن الفقر والتردي في أوضاع أمنية واقتصادية وبيئية صعبة، بلغت حد المجاعات والجفاف في كثير من مناطق القارة.
هذه التنظيمات، والجماعات، والمليشيات، منها ما قام على أساس سياسي مناديًا بالحرية متغنيًا بالوطنية، ومنها ما قام على أساس ديني رافعًا شعار الشريعة وراية الدين، ومنها ما نشأ على أساس الثورة لمجرد الثورة لا للوصول إلى مستقبل أفضل، بقدر ما كانت حركات انتقامية من أوضاع بعينها ثم تطور بها الأمر إلى أن صارت كابوسًا يهدد أمن القارة واستقرارها.
ودرج ذكر "حركة الشباب" الصومالية وجماعة "بوكو حرام" النيجيرية في معرض الحديث عن الإرهاب والتطرف، باعتبارهما النموذج الأكثر شهرة في القارة الإفريقية، نظرًا لما قامت به كل منهما من جرائم مروعة وممارسات وحشية فاقت في بعض مراحلها الزمنية جرائم "داعش" و"القاعدة".
وبمرور الوقت تعاظم شأن "الشباب" و"بوكو حرام" حتى صارتا شوكةً في خاصرة القارة الإفريقية، وسرطانًا ينخر في عظامها، فتسببتا في أن تحولت كثير من بلدان القارة إلى ساحات قتال غير متكافئ بين مفخخين وأبرياء عزل، سواء في شرق القارة حيث تمارس حركة الشباب الصومالية أنشطتها، أو في غربها حيث ترتع جماعة بوكو حرام الإرهابية وتمارس إرهابًا لم يدع أخضر ولا يابسًا، ومع تعاظم شأن هاتين الجماعتين تزايدت معاناة أبناء القارة جراء الإرهاب والوحشية التي تمارسها بحق أبرياء لا ذنب لهم إلا أن أقدارهم وضعتهم في مرمى نيران عصابات لا تعرف إنسانية ولا رحمة.
وما ينذر بمستقبل محفوف بالمخاطر أن تكون نهاية دولة "داعش" المزعومة، بدايةً لدولة إرهابية جديدة تتخذ من القارة الإفريقية ساحةً لها، ومن شبابها وقودًا تشعل به نار الفتنة والعنف بالعالم من جديد، الأمر الذي يحتم مواجهة خاصة لا تتعامل بالأسلحة التقليدية في مثل هذه المواجهات من آليات عسكرية وأسلحة تستهدف الأجسام والمواقع، بل إن المواجهة الأكثر جدوى في ذلك هي مواجهة الفكر المغلوط بالفكر الصحيح، والآراء الشاذة بالمعتدلة، والمزاعم الباطلة بالحجج الثابتة، تحصينًا للأجيال من الوقوع فريسة الإضلال والتزييف الفكري الذي تعتمد عليه تلك الجماعات سلاحًا رئيسيًا في تنفيذ مخططاتها والوصول لمبتغاها.
وطالب مرصد الأزهر، تضافر الجهود تأكيدا على أهمية العمل على تجفيف منابع الفكر المتطرف وقطع السبل المؤدية بالشباب إلى هاوية التشدد والإرهاب، مناديًا كافة الجهات المعنية محليًّا وعالميًّا بالقيام بدورها نحو حماية العالم من خطر هذا الفكر الخبيث والحيلولة دون أن يتكبد العالم مزيدًا من الخسائر بسبب ممارسات لا يقرها دين ولا يقبلها عقل.
وتأكيد على ضرورة توخي الحذر واتخاذ كافة التدابير التي من شأنها منع مخططات العنف والإرهاب من أن تتحول إلى واقع مرير، فمهما اختلفت المسميات وتباينت الاتجاهات، فالإرهاب كله ملة واحدة، والتطرف مرض خطير مهما اختلفت أعراضه، وما داعش والشباب وبوكو حرام إلا مجرد دمى تحركها أيادٍ معادية للإنسانية والسلام العالمي، وكلما انكسرت دمية، أبى أولئك الذين يتاجرون بدماء الأبرياء وأمان البشرية إلا أن يأتوا بدمية جديدة يحركونها لتحقيق مصالحهم وتنفيذ جرائمهم.