الكنيسة الوطنية سليلة الحضارة المصرية
الأحد، 07 يناير 2018 07:42 م
تعتبر الكنيسة المصرية؛ امتداد طبيعى للحضارة المصرية القديمة كما قال عنها عميد الأدب العربى طه حسين حين قال «الكنيسة القبطية مجد مصرى قديم؛ ومقوم من مقومات الوطن المصرى، فلابد أن يكون مجدها الحديث ملائما لمجدها القديم»، وهنا سوف تسرد بعض الأحداث في التاريخ الحديث التى تجلت فيها وطنية الكنيسة القبطية.
ففي عصر البابا بطرس السابع والملقب ببطرس الجاولى (1809 - 1852) البطريرك ال108، حدث أن جاء الي مصر مندوب عن قيصر روسيا ليعرض عليه وضع الكنيسة القبطية تحت حمايته، فسأله البابا: «هذا يموت أو لا يموت؟»، فرد عليه مندوب القيصر «بالطبع يموت فكل إنسان لابد أن يموت»، فرد عليه البابا بطرس «اذهب وقل لملكم إننا فى حماية ملك لا يموت»، وأيضا عندما جاء مندوب القيصر الوالى محمد على باشا (1805 - 1848) سأله عن أكثر شىء أعجبه فى مصر، فرد عليه: «لم تدهشنى عظمة الأهرامات ولا روعة المسلات قدر ما أدهشتنى عظمة بطريرك الأقباط»، ثم روى عليه ما حدث بينه وبين البابا فأعجب الوالى جدا بموقف البابا وزاره فى مقره البابوى وحياه عليه كثيرا.
وفى عهد خليفته البابا كيرلس الرابع (1853 - 1861) البطريرك ال110، والملقب ب«أبوالإصلاح»، قام سعيد باشا بالغاء الجزية على الأقباط، فكان نتيجة ذلك دخولهم الجيش، فأشاع البعض أن البابا كيرلس معترض على هذا، وعندما بلغت مسامعه هذا الكلام، غضب جدا وقام بتحرير هذا البيان (يقول البعض أنى طلبت إلى الباشا أن يعفى أولادنا القبط من الخدمة العسكرية، فحاشا لله أن أكون جبانا بهذا المقدار لا أعرف للوطنية قيمة أو أفترى على أعز أبناء الوطن بتجردهم من محبة أوطانهم وعدم الميل لخدمته حق الخدمة والمدافعة عنه فليس هذا ما طلبته ولا ما أطلبه).
وفى عصر البابا كيرلس الخامس (1874 1927) البطريرك ال112، عرض عليه اللورد كتشنر حماية كنيسة إنجلترا للأقباط، فرد عليه البابا (يا ولدى أن الأقباط والمسلمين منذ أقدم العصور يعيشون جنبا إلى جنب، فى البيت الواحد يتعايشون معا، وفى غرفة واحدة يأكلون من أرض طيبة واحدة، ويشربون من نيل واحد، ويتلاحمون معا فى كل ظروف الحياة، فى السراء والضراء، ولن يستطيعوا أن يستغنوا بعضهم عن البعض، ولن نطلب نحن الأقباط حماية إلا من الله ومن عرش مصر).
وأيضا لم تقتصر الوطنية على الآباء البطاركة فقط، بل امتدت أيضا إلى الكهنة وسائر أفراد الشعب، ففى كنيسة السيدة العذراء بحارة الروم، وأثناء ثورة 1919، كان يخدم الكنيسة كاهن تقى ورع يدعى «القمص بولس غبريال»، وحدث أن منعت سلطات الاحتلال البريطانى الثوار من التجمع بجامع الأزهر الشريف، ففتح لهم القمص بولس غبريال صحن الكنيسة لتكون منبرا للحركات الوطنية. كما قام نجله «القمص غبريال بولس» بتهنئة قادة ثورة يوليو، ودعا جميع قادة الثورة لحضور حفل عيد النيروز فى الكنيسة الأثرية بحارة الروم، وحضره كل من الرؤساء محمد نجيب وجمال عبدالناصر وأنور السادات.
وبالطبع لا يمكن ان نتكلم عن الدور الوطنى للكنيسة القبطية ونغفل الدور الكبير الذى لعبه قداسة البابا الراحل شنودة الثالث (1971 - 2012)، والحقيقة أن جهود قداسته فى هذا المجال تحتاج إلى سلسلة مقالات، ويكفى هنا أن نتذكر قوله المأثور الذى صار قول وطني خالدة (مصر ليست وطنا نعيش فيه، ولكنه وطن يعيش فينا) ولقد جاءت هذه العبارة فى الخطاب الذى ألقاه قداسته أمام الرئيس الراحل محمد أنور السادات أثناء زيارته للكاتدرائية المرقسية بالعباسية لوضع حجر الأساس لمستشفى مارمرقس فى 11 أكتوبر 1977، وفى نفس هذا الخطاب قال قداسته أيضا عن مصر (مصر هى أغنيتنا الحلوة ومصر هى وطننا المبارك الذى قال عنه الكتاب عن بعض البلاد كجنة الله كأرض مصر، إننا نصلى من أجل مصر باستمرار فى صلواتنا الخاصة وأيضا فى صلواتنا الكنسية لأن الكنيسة تعلمنا باستمرار أن نذكر رئيس الدولة فى كل قداس ونذكر أيضا العاملين معه)، وعندما قامت حرب أكتوبر المجيدة فى عام 1973، قام قداسته بزيارة الجبهة المصرية وخاطب الجنود المتواجدين على خط النار، ثم زار قداسته الأبطال الجرحى فى المسشتفيات العسكرية مسلمين وأقباطا وقدم لهم الهدايا التذكارية، ثم قدمت الكنيسة القبطية 100 ألف بطانية لوزارة الشئون الاجتماعية بالإضافة إلى 30 ألف جهاز نقل دم لوزارة الصحة.