السيد وزير الأوقاف.. تحت القبة عجل
السبت، 06 يناير 2018 04:14 م
"اتاخر شوية يا عم الشيخ، أنا عاوز أنام جنبك، أصل أنا تعبان قوي".. كم من الرواد والمحبين لآل بيت النبي والأطهار ومن أسموهم أولياء الله والصالحين، تمنى أن يكون هذا حاله بجوار صاحب المقام، القاطن أسفل القبة الخضراء.
في مساجد المحروسة، كثرت القباب الخضر، ووراء كل واحد منهم "حدوتة" مليئة بالبركات، تضفي حالة من القداسة على صاحب القبر الذي يشع منه العطر، حتى ولو كان غير إنسان، فهم وجدوا آبائهم على أمة وهم على آثارهم مهتدون.
العيب ليس عيبا في أصحاب المقامات، ولكن في عقول توارثت قداسات وبركات هي في الأصل لا وجود لها، بعيدًا عن نسل النبي وآله الأطهار، الذين ملئوا الأرض ببذور الرحمة والسلام، وانتشرت ريحهم الطيبة في بقاع القاهرة.
على عكس محافظات أخرى، امتلأت بالقباب الخضر، ولها خدام ومريدون، ووراء كل واحد منهم "أسطورة" منها أن الجثمان اختار مكان دفنه، وأصبح خليفة الله في القرية، فتغزل فيهم المصريين وطبعوا لهم كتيبات ووزعوا الرحمات وأوفوا النذور ووضعوا الصدقات في الصناديق، دون أن يعلموا أن صاحب الرحمات بـ"رأس عجل".
40 عامًا كاملة، تنوح نساء ويبكي رجال ويتمسح أطفال بجدران المقام، وتمنيات وورقات مليئة بالأمنيات، ونقود تتناثر في أرضية المقام، علها تكون المنجية، لكن كانت صدمة هي أشبه بصاعقة السماء حينما وجدوا "تحت القبة عجل".
مئات يحجون إلى مقام الشيخ "أبو سريع" في جبال العين السخنة بالسويس، لكن لا أثر للشيخ، فبعدما تصارعت قبيلتين على أحقية رعاية المقام، ليس حبًا في صاحبه، لكن طمعًا في المليون جنيه حصيلة صناديق النذور، اكتشفوا أنه "عجل".
بعدما تحاكموا إلى جلسة عرفية استمرت 6 أعوام قضت بنقل المقام من المنطقة الجبلية إلى حيز بعيدا عن أملاك القبيلتين، ليفاجئوا أن المدفون في المقام هى "رأس عجل" ليس أكثر ولا يوجد شيء فى المقام غير ذلك، ولا وجود للشيخ المزعوم.
الاعتقاد السائد بين رواد الشيخ أبو سريع، كان أن صاحب المقام لديه بركات تساعد على الشفاء من الأمراض ولديه قدرة على أن يساعد السيدة المصابة بالعقم أن تنجب أو يكون سببًا لعودة الزوج إلى الزوجة أو عودة الحبيب والحبيبة ورد المطلقة، أو إن شأت فقل يعمل مع أم حبيبة المغربية.
"آتيناكم محبينا ففي جواركم مسكًا وطيبًا"، لله در آل البيت الكرام، لكن "مولانا العجل" فتح الباب حول تكرار النموذج في محافظات عدة، وذلك بالفعل له أصل تاريخي، في عهد كانت تفرض فيه الدولة ضرائب على دفن الموتى.
يقال إنه في عهد الخديوي إسماعيل، حينما فرض ضريبة على الأموات حتى يتم دفهنم، قدرت بخمسة شلنات ونصف، دفعت بالكثير من المصريين إلى دفن ذويهم في بيوتهم، ولأن الأيام دول، تحول القبر المنزلي إلى صاحب مقام تنسج له بركات ويأخذ ختم الولاية.
إن قولت فتشوا عن أصحاب المقامات سيقول أحدهم إنه يدعوا لنبش القبور وانتهاك حرمات الموتى والعياذ بالله، وسيقول آخر إنه "داعشي" يظن أنهم يعبدون القبور من دون الله، أو "سلفي" يرى أن المصريين يرتكبون شركا أكبر بالتبرك بأصحاب الكرامات.
لكن كل ما أتمناه أن تحدث حالة من التوثيق لأصحاب المقامات والقباب، فمن كان يستحق شرف أكبر زدناه، ومن كان يستحق غير ذلك فأمره إلى الله، سيدي وزير الأوقاف برجاء اتخاذ "وقفة" فالمصريين ليسوا حمل صدمات أخرى.
أنا أحب آل البيت، حب عبادة، أشتاق للجلوس بجوارهم، أتمنى الزيارة وأنسج تراتيل المحبة حين أزورهم، وأبتسم في حضرتهم لكل كبير وصغير يفيض حبًا لهم، آل البيت: "بني الزهراء.. رضينا بحب فيكموا يرضي نبينا، رضينا بالنبي لنا إمامًا.. وأنتم آله وبكم رضينا".